الجمهورية: الخريطة العربيّة الجديدة ترتسم على وقع المتغيّرات

ما تزال الأحداث التي وقعت في الجولان وجنوب لبنان وشماله تفرض نفسها على أجندة الاهتمامات الدولية عموما والدبلوماسية خصوصا بحيث سيؤدي الصيف الساخن المنتظرإلى خلق توترات أمنية وسياسية عدّة تطاول ارتداداتها المجتمعات العربية الداخلية.

وترصد مراجع دبلوماسيّة غربيّة وعربيّة عدّة النتائج التي ستسفر عنها الأحداث في سوريا، والتي ستتحدد معها الملامح النهائيّة للخريطة العربية الجديدة التي تتشكّل على وقع الانتفاضات الشعبية المتنقلة من تونس إلى مصر إلى اليمن فليبيا ثم البحرين، وتبقى سوريا الحلقة المفصلية الأهم.

وإذ أكّدت المراجع عينها لـ"الجمهورية" أنّ الرئيس السوري بشارالأسد "ما يزال يحظى وحتى إشعار آخر بمظلة دولية"، نبّهت الى "أنّ هذه المظلة لا يمكن أن تستمرّ واقية إذا ما استمرّ الشعب السوري في مواجهاته، والنظام في سفك دماء ابنائه". ولاحظت "ان وجهتي نظر تسودان الأوساط الأميركية والإسرائيلية، ففريق يعتبر انه يجب استمرار النظام السوري، ولكن في شكل ضعيف، وفريق آخر يعتبر ان اسرائيل اذا طُوِّقت بزنار من الأنظمة الاسلامية المتطرفة فستُصبح معه النظام العنصري الأقوى، وسيؤمن على المستقبل البعيد أمنها.

في غضون ذلك، أبقت أحداث مارون الراس والحدود الشمالية مع سوريا اضافة الى تحرك جبهة الجولان، الجميع في حال استنفار وتأهب، ودفعت بدول القرار الى التعبير عن مخاوفها وتكرار دعواتها الجميع الى ضبط النفس. فيما لم تهدأ التحركات الشعبية التي تشهدها سوريا منذ 15 آذارالفائت، بينما اتهمت اسرائيل دمشق بفتح جبهة توتر معها "بغرض حرف الأنظار عن الهبّة الشعبية في المدن السورية لإسقاط النظام"، وحذرت النظام السوري من "انه سيدفع الثمن باهظا، في حال عودته إلى خطوات شبيهة في المستقبل".

تحذير لبناني

في هذا الوقت، خيم الهدوء الحذر على جانبي الحدود بين لبنان واسرائيل مصحوبا باستنفار في مواقع الجيش الإسرائيلي بينما ساد التوتر الحدود الشمالية مع سوريا. وفيما تجمع عشرات السوريين قرب معبر البقيعة هاتفين باسقاط النظام في بلادهم، عزز الجيش اللبناني انتشاره الميداني على امتداد الحدود مع سوريا شمالاً، واقام نقاط تفتيش ثابتة ومتحركة، وسيّر دوريات كثيفة لمنع اعمال التسلل في الاتجاهين. وحذّر"من الإخلال باستقرار هذه الحدود"، وأعلن "اتخاذ اقصى الاجراءات في حق المخالفين".

…وآخر اسرائيلي

والى ذلك وضعت اسرائيل جيشها في حال تأهب لمنع عمليات تسلل عبر الحدود وسلمت الى سوريا جثث 10 قتلى سقطوا برصاص جنودها في الجولان، وتقدمت بشكوى ضدها وضد لبنان على خلفية احداث ذكرى النكبة، واعتبرت ان السلطتين السورية واللبنانية لم تفعلا شيئا لتحملا مسؤولياتهما على رغم التحذيرات.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو"ان حزب الله يسيطر على لبنان بمعاونة ايرانية". مشيرا الى ان "الآلاف حاولوا الدخول الى اراضينا والمساس بسيادتنا". ولفت الى ان "الشرق الاوسط يتغير دراماتيكياً وسريعا والملايين حولنا يناضلون من اجل الحرية". وقال: "هذه المتغيرات لا يمكن منعها وقد تكون مفيدة لمصلحة الناس، واذا نجح هذا الصراع فذلك سيدفع عملية السلام الى الأمام"، معتبرا ان "في الوقت الراهن، وفي هذه المرحلة الانتقالية، قد يكون وضعنا امام تحديات، وسنرى ما يجري في مصر وفي سوريا وفي لبنان".

من جهته، حذر وزير الدفاع الإسرائيلي ايهودا باراك من "تكرار محاولات التسلل الى اسرائيل عبر الحدود السورية واللبنانية"، وقال: "ما زلنا في بداية هذه المسألة ويمكن أن نواجه تحديات أكثر تعقيدا". وأضاف "ان على إسرائيل الاستعداد للتعامل مع حوادث مشابهة، وربما أكثر تعقيدا في المستقبل".

وكان الأمين العام لــ"حزب الله" السيد حسن نصر الله قد أكد أمس المضي في طريق المقاومة، وقال للفلسطينيين الذين تظاهروا أمس الأول في مارون الراس أن "رسالتكم المدوية إلى العدو أنكم مصممون على تحرير الأرض مهما غلت التضحيات، وأن مصير هذا الكيان الى زوال، ولن تحميه مبادرات ولا معاهدات ولا حدود، وان عودتكم الى فلسطين حق لا ريب فيه، وأنها أقرب الى الانجاز من أي وقت مضى". وأضاف: "رسالتكم القوية للصديق أنكم لا ترضون عن فلسطين وطناً بديلاً، فلا يخافن أحد من التوطين لأن قراركم الحازم هو العودة".

البيت الأبيض

وفي غضون ذلك اتهم البيت الابيض سوريا "بتشجيع المتظاهرين في الجولان في مسعى لحرف الانظارعن قمع التظاهرات المناهضة للنظام"، واعتبر ان "مثل هذا السلوك غير مقبول"، وأسف "لفقدان ارواح في الاشتباكات الدامية بين القوات الاسرائيلية والمحتجين الفلسطينيين"، لكنه أكد "ان لإسرائيل الحق في الدفاع عن حدودها.

وحضّ المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني جميع الاطراف "على توخي اقصى درجات ضبط النفس."

تنديد فرنسي

بدورها، دانت فرنسا أعمال العنف التي حصلت الأحد "عند الحدود الاسرائيلية ـ اللبنانية وفي الجولان وغزة"، ودعت جميع الاطراف الى "ضبط النفس والامتناع عن الاستفزازات".

وأبدى الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنارد فاليرو قلق بلاده العميق من تلك الاحداث قائلاً: "لا بد من القاء الضوء تماما على هذه الاحداث الخطيرة بالتعاون مع قوات الامم المتحدة في لبنان والقوات الدولية المكلفة مراقبة فك الارتباط في هضبة الجولان". وشدد على "ضرورة احترام قرارات الامم المتحدة والخط الازرق. واوضح ان وزير الخارجية الفرنسي ألآن جوبيه سيتوجه الى الشرق الاوسط قريبا.

…وغضب الماني

من جهتها، انتقدت المانيا بشدة ما وصفته "الانتهاكات السافرة لحقوق الإنسان في سوريا". ودعا مفوض الحكومة الألمانية لسياسة حقوق الإنسان لدى وزارة الخارجية ماركوس القيادة السورية "الى رفع حال الطوارىء المفروضة منذ االعام 1963 بأفعال عملية". واستعجل" الإفراج عن المعتقلين السياسيين بلا إبطاء". وشدد على "ضرورة احترام حق السوريين في التعبير الحر عن آرائهم وفي حرية التظاهر".

الأمم المتحدة

وحضّ الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الإسرائيليين والعرب "على "ضبط النفس تفادياً لأعمال عنف جديدة"، بعد المواجهات التي أدت إلى سقوط 12 قتيلاً في الأراضي المحتلة، وأيد الجهود الجديدة لإطلاق محادثات السلام الإسرائيلية – الفلسطينية بعد المواجهات على الحدود مع لبنان وسوريا وقطاع غزة"، وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة مارتين نيسيركي إنَّ "إنتهاك الحدود جاء من الجانب السوري"، وأضاف: "الأمين العام يشعر بالقلق الشديد، لأنَّ عدداً لا يستهان به من الأشخاص قتِلوا او جرِحوا، وهو يوجه نداء للجميع إلى ضبط النفس وتفادي اي استفزاز بهدف تجنب تصاعد التوتر".

كذلك وجه بان، بحسب بيان المتحدث نفسه، نداء "للتهدئة في كل المنطقة وإلى الحد الأقصى من المسؤولية من جانب جميع المعنيين"، مكرراً تأكيده "الحاجة الماسة لسلام إسرائيلي- عربي عادل ودائم وشامل، يوفر الكرامة والأمن للجميع، بما فيه نهاية الإحتلال ونهاية النزاع وحل عادل وتفاوضي لمحنة اللاجئين الفلسطينيين".

بدوره، لاحظ الممثل الخاص للأمم المتحدة في لبنان مايكل ويليامز بعد لقائه الرئيس المكلف نجيب ميقاتي أن "أحداث الأمس الخطيرة عند الخط الأزرق هي الأعنف منذ وقف الأعمال القتالية بين لبنان واسرائيل في شهر آب 2006"، وكرّر "الحاجة لإلتزام جميع الأطراف بأقصى درجات ضبط النفس لعدم تكرار مثل هذا العنف والإلتزام التام بقرار مجلس الأمن الرقم 1701". وشدّد "في ضوء هذه التطورات على الأهمية القصوى لتشكيل حكومة في أقرب وقت ممكن في لبنان لضمان امكانية مواجهة التحديات الأمنية، السياسية والأقتصادية".

كونيللي

لبنانيا، تتبّع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان تداعيات ما حصل أمس الأول، ودعا خلال استقباله السفيرة الأميركية مورا كونيللي مجلس الأمن والولايات المتحدة إلى"محاسبة اسرائيل وردعها عن أعمال كهذه"، وحَضّها، في المقابل" على الانخراط في عملية جدية واسعة لإيجاد حل عادل وشامل لقضية الشرق الأوسط".

من جهته، اعتبر رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط أنّ ما حدث في مارون الراس والجولان "هو بمثابة بداية جديدة في الصراع العربي – الاسرائيلي، وهو سيجبر إسرائيل، عاجلاً أم آجلاً، على الاعتراف بالحقوق الوطنيّة الفلسطينيّة المشروعة، وسيحقق تغييراً في مسار الأحداث بطريق مغايرة لما كانت تجري عليه طوال العقود الماضية".

السابق
فتح الجبهة المشتركة
التالي
مؤتمر وطني ينقذ لبنان