البناء: هل تبلَّغ ميقاتي رسالة من واشنطن

أكدت تداعيات مسيرات ذكرى النكبة التي جمعت بين كل أطياف الشعب الفلسطيني في داخل فلسطين المحتلة، بما في ذلك الضفة الغربية ودول الشتات، وبالأخص في الدول العربية المتاخمة لحدود فلسطين المحتلة، أن «اسرائيل» بدأت تدرك أن اغتصابها لأرض الشعب الفلسطيني وأن عدوانها المستمر منذ أكثر من 63 عاماً لا يمكن أن يستمر ولا بد أن يعود الحق لأصحابه في يوم من الأيام مهما طال أمد الاحتلال، ومهما قدمت له الولايات المتحدة من أموال وأحدث التكنولوجيا العسكرية.
وقد بدا مشهد الصراع بعد الخامس عشر من أيار مختلفاً عما قبله، مع عودة المسألة الفلسطينية إلى الأولوية، ليس فقط بالنسبة الى الشعب الفلسطيني، بل أيضاً على مستوى كل الشعوب العربية وقوى الممانعة، بدءاً من سورية، وبالتالي عادت الأمور إلى ما كان يفترض أن تكون عليه منذ سنوات طولة من حيث اعتبار أن المسألة الفلسطينية هي القضية المركزية بالنسبة الى كل العرب. على الرغم من صمت بعض الأنظمة الحليفة لأميركا على ما ارتكبته «إسرائيل» يوم أول من أمس من مجازر بحق المتظاهرين في مارون الراس والجولان والضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة. ورغم أن بعض وسائل الإعلام الخليجية المعروفة التوجه والتمويل تبنت الموقف «الإسرائيلي» من مسيرات العودة التي حشد لها الشعب الفلسطيني في كل المواقع المتاخمة لفلسطين المحتلة ومن داخلها.

وقاحة العدو
لذلك وبعد 24 ساعة من المجازر التي ارتكبتها «اسرائيل»، وسقوط عشرات الشهداء والجرحى وقتلهم بدم بارد ماذا فعل المجتمع الدولي؟ أين هو؟ وماذا فعل النظام العربي وأين هو؟ وقد جاء الجواب من «إسرائيل» على لسان نتنياهو بكل وقاحة، بأن القدس عاصمة اليهود بينما لم يصدر عن الأنظمة العربية باستثناء سورية أي رد فعل وحتى لو بمستوى الأسف، هكذا يريدون العصر العربي وهكذا يقتلون الثورات الحقيقية العربية، ويحاولون تدجينها لمصلحة المشروع الأميركي الممتد من بوش إلى أوباما.

وحدها سورية المقاومة وقفت وتقف في وجه قضية الاستهداف للشعب العربي، لذلك تتعرض للحملات الخارحية وبينها أدوات عربية للنيل من دورها في المنطقة.
حِدَاد عام
واستنكاراً للمجازر التي ارتكبها العدو «الإسرائيلي» ضد أبناء الشعب الفلسطيني أول من أمس، عمّ الحِداد يوم أمس مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة والمخيمات الفلسطينية في لبنان وسورية وبعض الدول العربية الأخرى. كما انطلقت بعض المسيرات في عدد من مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، كما جرى تشييع شهداء مجازر أول من أمس في لبنان وسورية.
وبما أن لبنان قام أمس بتقديم شكوى إلى مجلس الأمن لإدانة «إسرائيل» على ما ارتكبته من مجزرة بحق المتظاهرين في مارون الراس، طلب رئيس الجمهورية من السفيرة الأميركية في بيروت مورا كونيللي دعم موقف لبنان من أجل إدانة «إسرائيل».
تغطية أميركية
ولكن الولايات المتحدة تصر على تغطية كل ما ترتكبه دولة الإرهاب الصهيوني، بل تتعاطى معها على أنها فوق القانون وفوق كل المؤسسات الدولية، واكتفى البيت الأبيض بحثّ جميع الأفرقاء على ضبط النفس لمنع وقوع المزيد من العنف، معتبراً أن «إسرائيل» لها الحق في الدفاع عن نفسها.
شكوى «إسرائيلية»!
كما أن وقاحة الاحتلال «الإسرائيلي» تجلّت من خلال ما قالته الإذاعة «الإسرائيلية» ان «اسرائيل» تنوي تقديم شكوى الى الأمم المتحدة ضد سورية ولبنان في أعقاب الأحداث التي شهدتها الحدود الشمالية.
اضافت، ان «مندوب «اسرائيل» لدى المنظمة الدولية سيؤكد أنه على الرغم من التحذيرات من وقوع أحداث في الخامس عشر من الشهر الحالي على امتداد الحدود، فإن سورية ولبنان لم يتخذا اجراءات لمنع اندلاع أعمال العنف والمساس بسيادة «اسرائيل»، وستوضح «اسرائيل» أن «جيش الدفاع تصرف من منطلق ضبط النفس».
وامس طلب رئيس أركان جيش الاحتلال «الإسرائيلي» بيني غانتص من جيشه البقاء في حال تأهب لمنع عمليات التسلل عبر الحدود.
كما أصدر تعليماته إلى فرقة الجولان بإجراء تحقيق في أحداث مجدل شمس واستخلاص العبر منها واصفاً ما حدث بالسيئ.
وأشار في أول تقييم للأوضاع الى أنه «يجب الفصل بين مرحلة الإعداد لمواجهة محاولات التسلل، وبين عملية اتخاذ القرار «ميدانياً»، معتبراً أن «القرارات كانت صائبة.
كما أعلن المتحدث باسم جيش العدو عن استمرار حالة التأهب في صفوف قواته، وقال إن قواته اعتقلت أمس رجلا ًكان يتسلل من سورية إلى مجدل شمس.
نصرالله يوجه رسالة إلى الشعب الفلسطيني
وفي هذا السياق، توجه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الى متظاهري الامس قائلاً:»يجب أن ننحني إجلالاً وإكباراً أمام شجاعة وبسالة وإيمان كل أولئك الذين تظاهروا بالأمس على الحدود اللبنانية والسورية مع فلسطين وفي داخل فلسطين، والذين واجهوا بصدور عارية ورؤوس شامخة جبروت وطغيان جيش العدو فاستشهد العشرات وجُرح المئات وصرخوا عالياً بصوت دمائهم الزكية ليسمعوا العالم كله موقفهم الحاسم والقاطع والذي لن توهنَه المجازر ولا تقادم السنين ولا قلة الناصر وكثرة المتآمر».
وقال: «أنتم أيها الشرفاء حولتم بالأمس يوم النكبة إلى يومٍ آخر، وبدلتم معانيها بمعان جديدة، وأثبتم لـ»اسرائيل» والصديق ان تمسككم بحقكم غير قابل للمساومة ولا للنسيان ولا للتضييع وان عودتكم الى دياركم وحقولكم وأرضكم والمقدسات حق وهدف وغاية وامل ويقين تبذل من أجلها الدماء والنفوس والتضحيات الجسام».
وشدد على أن «رسالتكم القوية للصديق أنكم لا ترضون عن فلسطين وطناً بديلاً، فلا يخافن أحد من التوطين لأن قراركم الحازم هو العودة»، لافتا الى أن «رسالتكم المدوية إلى العدو أنكم مصممون على تحرير الأرض مهما غلت التضحيات، وان مصير هذا الكيان الى زوال ولن تحميه مبادرات ولا معاهدات ولا حدود»، مؤكدا أن « عودتكم الى فلسطين حق لا ريب فيه وأنها أقرب الى الإنجاز من أي وقت مضى».
تنظيف تلكلخ من المجموعات الإرهابية
أما على صعيد الوضع في سورية، فإن الحياة الطبيعية عادت إلى كل المدن والمناطق السورية التي كانت شهدت قيام بعض المجموعات الإرهابية بعمليات تخريب واعتداء على المواطنين والقوى الأمنية، في وقت أنهت القوى الأمنية السورية محاولة بعض المجموعات التكفيرية إقامة إمارة سلفية في مدينة تلكلخ الصغيرة على الحدود الشمالية مع لبنان. وأفيد أن الجيش السوري أنهى مهمته في الساعات الماضية بما في ذلك إحكام السيطرة على منطقة العريضة الحدودية التي كان لجأ إليها بعض العناصر الإرهابية بعد فرارهم من تلكلخ.
وتحدثت المعلومات عن أن القوى الأمنية السورية ألقت القبض على العديد من العناصر الإرهابية في تلكلخ وبينهم المدعو ياسر الأيوبي الذي كان توج نفسه أميراً لما سمي «إمارة سلفية» في تلكلخ.
وأمس، عززت وحدات الجيش اللبناني انتشارها الميداني على امتداد الحدود اللبنانية ـ السورية، كما أقامت نقاط تفتيش ثابتة ومتحركة، وسيَّرت دوريات مكثفة لمنع أعمال التسلل في الاتجاهين.
وحذرت قيادة الجيش في بيان صادر عن مديرية التوجيه من «أي محاولة للإخلال باستقرار هذه المنطقة وتعريض حياة المواطنين على جانبي الحدود للخطر، وتؤكد بأنها ستتخذ أقصى الإجراءات القانونية بحق المخالفين».
… والإعلام المشبوه يواصل التحريض
لكن اللافت بما يتعلق بالوضع في سورية، هو إصرار بعض وسائل الإعلام الخليجية وتحديداً «الجزيرة» و»العربية» وجريدة «الشرق الأوسط» ومعها بعض إعلام فريق «14 آذار» على النفخ في نار الفتنة واختلاق الأكاذيب والادعاءات عن أحداث تجري في سورية، بما في ذلك التعتيم على ما قامت وتقوم به المجموعات الإرهاية، وتصوير ما تقوم به القوى الأمنية السورية بأنه استهداف للمواطنين، بالإضافة إلى الترويج لبعض الأسماء التي خبرها الشعب السوري ويدرك أنها تتآمر عليه وعلى سورية، وخاصة عبد الحليم خدام. كما كان لافتاً أمس التصريح الذي أدلى به عضو كتلة «تيار المستقبل» النائب محمد كبارة الذي اندفع الى التحريض من أجل التدخل في شؤون سورية.
الملف الحكومي
أما على الصعيد الحكومي فلم يطرأ أي جديد لجهة تشكيل الحكومة رغم حصول اتصالات ومشاورات أمس في محاولة لتجاوز الصعوبات التي ظهرت أخيراً. ووفق المعلومات المتوافرة لـ»البناء» من مصادر مطلعة أن هناك محاولات جديدة بدأت على شكل «جس نبض» تتناول اقتراحات تشمل حتى وزارة الداخلية، لكن هذه المحاولات لم تتبلور بعد حيث يسود جو لا يوحي بقرب الفرج.
ضغوط أميركية
ووفق مصادر سياسية مطلعة فإن الضغوط الأميركية لا زالت حاضرة وبقوة على خط تأخير تشكيل الحكومة، في ما يشبه الإيعاز، وتساءلت المصادر عما إذا كانت هناك من رسائل واضحة للرئيس المكلف تمنع تسهيل التشكيل في مقابل التأكيد على منع الاعتذار أيضاً، في انتظار أمر عمليات ما، أو قرار ما يعيد خلط الأوراق من جديد.
في هذا السياق، ترددت معلومات عن أن الأميركيين أرسلوا إلى الرئيس المكلف رسالة واضحة عنوانها: لا تشكيل، لا اعتذار انتظروا قرارنا.
وتساءلت المصادر السياسية عن المدى الأمني الذي سيبقى فيه لبنان رهينة الموقف الأميركي والضغوطات الأميركية التي لا تصب إلا في مصلحة «إسرائيل» وضرب مسيرة الاستقرار في هذا البلد.
تحذير برّي
ولذلك لجأ الرئيس بري امس إلى المجلس النيابي في حركة تحذيرية، ودعا هيئة مكتب المجلس ولجنة الإدارة والعدل الى الاجتماع قبل ظهر اليوم للبحث في ما يمكن عمله لتعزيز وتنشيط عمل المجلس وتجاوز سقف العمل الحالي.
ويفترض أن يكون هذا الموضوع مدار بحث في اجتماع اليوم، ولم يتأكد ما إذا كان المجلس سيعقد جلسة تشريعية عامة، ولكن هناك إشارات لإمكانية التئام الهيئة العامة لبحث قضايا معينة وليس جدول أعمال تشريعي.
ورغم هذه الأجواء، فقد علمت «البناء» من أوساط مقرّبة من قادة الأكثرية الجديدة من المسيحيين، أن مبادرة يجري إعدادها تتضمن تصوراً كاملاً يشكل مضمون مشاركة هذا الفريق في الحكومة، وهي مبنية على جمع الحصص وفق التصور المتفاهم عليه مع الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية والنائب وليد جنبلاط.
واتفق على ان تطلق هذه المبادرة اليوم، وقد رجّح أن يكون حاملها رئيس تيار المرده النائب سليمان فرنجية. أما الجانب التنازلي في هذه المبادرة فهو محصور بحقيبة الداخلية التي قبل كل الأطراف أن تكون توافقية، أما في ما خص حقيبة الاتصالات فإن المبادرة تثبتها في يد التكتل العوني النيابي (تكتل التغيير والإصلاح).
كما علمت «البناء» أن هذه المبادرة بقيت سرية ولم يطلع عليها أحد رغم إصرار بعض الأساقفة على معرفة مضمونها. وهي ستكون المبادرة الأخيرة لأن ما بعدها لن يكون كما قبلها لناحية علاقة هؤلاء الأقطاب بالرئيسين ميقاتي وسليمان. وفي هذه الحال يصبح احتمال تشكيل ميقاتي لحكومة أمر واقع هو الأرجح، وستقابله معارضة تكتل عون لحقه الدستوري بحجب الثقة عن هذه الحكومة. ولم تجزم توقعات هذا الفريق بتجاوب الرئيسين مع هذه المبادرة أو عدمه، لكنها باتت ترى وجود حكومة تصريف أعمال جديدة في البلد أمراً واقعياً سيتعايش معه الجميع على قاعدة «الظرفية» أي الوقت الفاصل عن الانتخابات النيابية.
وفي هذه الحال، وبحسب أوساط مسيحيي الأكثرية، فإن التدخل الخارجي يكون قد فعل فعله لدى المسؤولين الدستوريين عن تشكيل الحكومة وسيكون المستقبل مفتوحاً على أوضاع سلبية جداً محتملة في المدى المنظور.
ورأت هذه الأوساط أن الوضعين المالي والاقتصادي سيدمران الوضع المعيشي ولن يكون بقدرة أحد معالجة هذه الأوضاع ومنع الانفجار إلا حكومة سياسية قادرة وقوية برئيسها وأعضائها وبرنامج عملها.
جنبلاط يكرر مطالبته بتشكيل الحكومة
وأمس جدد رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط التأكيد على ضرورة تشكيل الحكومة بسرعة لمواجهة كل التطورات ولمواكبة مسار المحكمة الدولية التي تثبت المستجدات المتلاحقة أنها تستغل سياسياً غب الطلب وبحسب الظروف الدولية والإقليمية. وقال، إن تأليف الحكومة هو أحد أبرز أساليب مواجهة المفاعيل السلبية التي قد تصدر عن هذه المحكمة، معتبراً أن «التلهي المستمر بنقاش مستفيض لا ينتهي حول من يأخذ ماذا من التركيبة الحكومية المنتظرة هو مجرد دوران في حلقة مفرغة آن الأوان لكسرها».
أسبوع الإضرابات والتظاهرات
أما على الصعيد الداخلي، فإن أزمة تشكيل الحكومة تزيد من تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي. ولهذا يشهد الأسبوع الحالي يوم غد الأربعاء وبعد غد الخميس تحركات للأساتذة في الجامعة اللبنانية والتعليم الثانوي وكذلك إضراب عام للسائقين العموميين.
ومن المقرر أن تنفذ جميع معاهد وكليات وفروع الجامعة اللبنانية والثانويات والمدارس الرسمية الابتدائية والمتوسطة في القطاعين الرسمي والخاص ومعاهد التعليم المهني والتقني وجميع الإدارات العامة إضراباً ليوم واحد، ينفذ غداً الأربعاء استنكاراً ورفضاً لحال الجمود والفراغ السياسي في البلاد، والدعوة من أجل الخروج من هذه الحال ورفضاً للعجز عن معالجة هذا الواقع وتحذيراً من تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية وارتفاع الأسعار، وتأكيداً على ضرورة تصحيح الأجور وإقرار غلاء المعيشة.
… والنقل البري
وبدورها أكدت اتحادات ونقابات قطاع النقل البري بعد اجتماع طارئ عقدته أمس في مقر الاتحاد العمالي العام تنفيذ قرار الإضراب والتظاهر في يوم الغضب غداً الخميس على جميع الأراضي اللبنانية، ابتداءً من الساعة السادسة صباحاً وحتى الثانية عشرة ظهراً بعد فشل اللقاءات الحوارية مع وزيرة المال ريا الحسن ولجنة الأشغال العامة النيابية. وستقفل كل الطرق في كل المناطق خلال فترة الإضراب، وكشف رئيس اتحاد السائقين العموميين والنقل البري عن خطة تحرك لاحقة في حال عدم تجاوب السلطة مع مطالب السائقين، مؤكداً استمرار الحوار مع المعنيين.
وصدرت أمس بيانات عدة عن اتحادات نقابية تدعم تحرك السائقين وتدعو إلى المشاركة في الإضراب.
وفي هذا السياق، قال النائب محمد قباني إن قرار إلغاء الضرائب على سعر صفيحة البنزين يعود في النهاية الى مجلس الوزراء وليس إلى الوزير جبران باسيل، معتبراً أن الدعم سيحول البنزين من مصدر تمويل للخزينة إلى مزراب لهدر أموالها.

السابق
الانباء: الأحزاب الموالية لدمشق تحذر من انعقاد مؤتمر معاد لـ “سورية”
التالي
أميركا .. وإعلام هوليوود