الأحوال الشخصية: عودة إلى الدولة

أخيراً، قانون «اختياري» للأحوال الشخصية في أدراج المجلس النيابي، وعلى جدول أعمال لجانه. القانون، رغم حماسة «أهله»، مرشح للنوم في المجلس، إذا كان إقراره مرتبطاً بالصيغة اللبنانية لإقرار القوانين. لكن، أمس، أطلقت جمعية «شمل» والجمعيات المساندة «حملة» من أجل القانون، تخللتها ورش عمل قليلة، وكثير من الأمل. «الأخبار» تنشر أبرز ما جاء في القانون المقترح

قلائل هم الذين يعرفون أن «روح» القانون المقترح ليست طارئة. ولسنا نتحدث هنا عن الحراك المدني الذي عرفه لبنان بعد الحرب، إذا صح وصفه كذلك، ولا عن المؤتمر الذي أطلقته الجمعيات المدنية، أمس، في الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا (AUST). ببساطة، يعود الحديث عن هذا القانون إلى بداية نشوء الدولة، استناداً إلى خطوة تشريعية ـــ كانت ريادية حينها ـــ أقرّها لبنان بعد عشر سنوات فقط من وضع الدستور الأول (1926)، وذلك عبر إقرار الحق للمواطنين بموجب القرار 60 ل ر تاريخ 13/3/1936، في أن يتزوجوا وفق قانون مدني معترف به رسمياً.

لكن القانون كان ناقصاً؛ إذ اضطر حينها ظرفياً إلى إقرار هذا الحق مع اشتراط عقده خارج لبنان. اليوم، بعدما انتقل المشروع من المنابر ووسائل الإعلام إلى اللجان النيابية، تمهيداً لإقراره بعد النقاش والتعديلات، ارتفع مستوى الأمل في نشاطات المجتمع المدني. أما عن القانون نفسه الذي أعدته أوغاريت يونان ووليد صليبي، وقدمته جمعية «شمل» إلى مجلس النواب، فقد تضمن إضافات نوعية وواضحة. لعل أبرز هذه الإضافات تتمثل في حرص القانون المقترح، لأول مرة في لبنان، على إيلاء العناية بحقوق ذوي الحاجات الخاصة والمعوّقين، في زواجهم وأحوالهم الشخصية: حيث لا موانع أمام الزواج، المساواة في الحقوق، أولوية التسهيلات المكانية، وسائل خاصة في المحاكم، المساواة في الإرث، وسيلة خاصة لإثبات قول «نعم» لدى عقد الزواج لمن ليست لديهم قدرة كافية في النطق أو السمع أو النظر مثلاً.
الأهم من الإضافات، هو الأساس. فإما أن تكون الدولة مستقلة، أو لا تكون. وتالياً، إن وجود دولة مستقلة وذات سيادة، يوجب عليها تكريس سيادتها من خلال تشريعاتها وقوانينها الذاتية… «المدنية». وهذه الحال ناقصة، أو منتقصة، إذ إن الوضع الشخصي للأفراد داخلياً، ما زال خاضعاً للطوائف. أما خارجياً، وهذه كارثة أخرى، فيخضع المتزوجون مدنياً لقوانين الدول التي يعقدون فيها زيجاتهم المدنية.
وتلك دول سيدة، أما هنا، فلسنا كذلك، رغم أن النصوص الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان التي أبرمها لبنان، تتقدّم على أحكام القانون اللبناني. وفي الحديث عن الارتباط بين الداخلي والخارجي، من القوانين، لفت القانون المقترح في المادة الخامسة إلى إمكان التحويل إلى أحكام هذا القانون، وذلك باستصدار المجلس النيابي تنظيماً خاصاً لتحديد الأصول والإجراءات القانونيّة الضرورية لمن عقدوا أصولاً زواجاً مدنياً خارج لبنان.
يقارب القانون المقترح موضوع الزواج من ناحية مدنية صرفة؛ إذ تنص المادة الـ6 منه على أنّ الوعد بالزواج، بما فيه الخطبة، لا يقيّد الواعد، على أنّ من ينقض الوعد في وقت غير ملائم أو بنحو تعسّفي أو مُهين للموعود، يُلزَم بالتعويض. ويستتبع هذا الشرط بالمادة الـ7 التي تمنع الدوائر الرسميّة من تلقي ما يُدعى «عقد الخطبة» أو تسجيله، على أن ينعقد الزواج برضى الطرفين. ويفترض أن يسهم هذا النمط المدني في تقليص تأثير «الموروث» الاجتماعي على الزواج مؤسسةً سوسيولوجية. في المقابل، تمنع المادة الـ11 من القانون عينه كلّ مصاب بمرض مزمن يؤثّر في صحّة الأولاد أو في صحّة الزوج الآخر من الزواج، ويُمنع زواج المريض في حالة المرض المؤقّت، على أن لا يُعَدّ العقم من الأمراض المانعة للزواج، شرط إعلام الشريك الآخر بذلك قبل عقد الزواج والتوافق بينهما بملء حرّية القرار. وطبعاً، لم يفت القانون التذكير بأن اختلاف الدين أو المذهب لا يعد عائقاً إطلاقاً أمام الزواج، كما نصت المادة 11 منه، وذلك على نقيض من التشريعات الدينية التي تلزم أفراداً غير متدينين في كثير من الأحيان. واستكمالاً لهذه الروح المدنية، تتحدث الفقرة المتعلقة بتسجيل الزواج في القانون، عن ضرورة تسجيل عقد الزواج في سجلّ خاصّ تابع لدوائر الأحوال الشخصية في الدولة اللبنانية، يوقّعه الزوجان والشاهدان والموظّف المختصّ، ويعطى رقماً متسلسلاً، على أن يُشار إلى عقد الزواج على هامش كلّ قيد في سجلات النفوس، يتعلّق بالزوجين وتُعطى وثيقة الزواج للزوجين فوراً. هذه الإجراءات الإدارية ألحقت بالمادة الـ30، التي تنص على عدم ذكر الدين أو الطائفة في عقد الزواج، ولا في أي وثيقة تخصه.
أما ما قد يبدو لافتاً بالنسبة إلى كثيرين، فهو إقرار المادة الـ36، حيث يحق بموجبها لكل من الزوجين أن يتعاطى العمل والمهنة التي يشاء من دون حاجة إلى شرط موافقة الزوج الآخر، إلاّ إذا كان في معاطاة العمل أو المهنة ما يسيء إلى الزوج الآخر مادياً أو معنوياً إساءة بالغة، أو يحول دون القيام بالواجبات الزوجيّة الأساسيّة. وعند التنازع تُراجع المحكمة المدنيّة المختصّة لفصله. وهذا التفصيل، يناقض التشريع الديني الملزم. وتظهر المادة الـ37 كأنها تأكيد للمادة السابقة؛ إذ تشير إلى اشتراك الزوجين في الإنفاق على العائلة بنسبة مواردهما الماليّة. وإذا لم يكن للمرأة أموال خاصّة ناتجة من مشاريع وعمل، ولا تتعاطى مهنة ببدل ماليّ، فالزوج هو الملزم بالإنفاق الماديّ المباشر، شرط اعتبار الزوجة شريكة في الإنفاق المنزلي من خلال تقدير قيمة العمل المنزلي بوصفه مورداً أساسياً للأسرة. وطبعاً، تحدث القانون المؤلف من 244 مادة عن التفاصيل الأخرى في الزواج، كالطلاق، الإرث، التبني، النفقة، وأمور كثيرة أخرى تتسم بطابع مدني شهي، يعيد الاعتبار إلى المواطنة، على حساب الواقع الديني الفوضوي.

السابق
المرشحون لرئاسة القضاء وسط التجاذبات بين السياسة والدين
التالي
بشارة ١٩٤٨