نقاشات خليجية حول إيران وحزب الله··

الزائر اللبناني إلى دول الخليج العربي يُدرك، وبشكل مباشر، فداحة الفُرص التي تهدرها الأزمات السياسية المتلاحقة في هذا الوطن المعذّب: دولةً وشعباً·
والسؤال الذي يُطالعك في كل مجلس خليجي: متى سيعود الإستقرار عندكم، وينتهي مسلسل الأزمات، حتى نعود إلى لبنان، ونُطلق إستثماراتنا من جديد·

ومثل هذا السؤال تسمع مثله، وأكثر، من اللبنانيين العاملين في قطاعات المقاولات والإتصالات والعقارات، والذين ينتظرون الفُرص المناسبة لاستثمار أموالهم وخبراتهم في الوطن الأم، حيث ما زالت النُخب اللبنانية تُراهن على قيامة البلد من الكبوة الراهنة! والواقع أن العاصفة السياسية المتصاعدة التي تجتاح أكثر من بلد عربي، قد تسبّبت بإرباكات عديدة لحركة رؤوس الأموال والإستثمارات في المنطقة العربية، الأمر الذي دفع بالعديد من أصحاب القدرات المالية والإستثمارية إلى البحث عن <ملاذٍ آمن> لثرواتهم واستثماراتهم، فكانت الوجهة الأولى تركيا، وبعدها بأشواط دبي التي ما زالت تحاول الخروج من أزمتها المالية، وفي مراتب أخرى بعض <النمور الآسيوية>، وخاصة ماليزيا وسنغافورة· أما لبنان فبقي غائباً عن خريطة <الملاذات الآمنة>، بسبب الأزمة الحكومية المستفحلة من جهة، وما يتردد في الأوساط العربية والغربية عن تزايد نفوذ حزب الله في اللعبة السياسية اللبنانية!

لا داعي للدفاع أو التبرير لما يجري في لبنان·

التصدي للتدخلات الإيرانية في المنطقة العربية قرار خليجي إستراتيجي لا رجوع عنه· وهذا القرار يشمل مختلف مناطق النفوذ الإيراني على الخريطة العربية، لا سيّما لبنان، الذي يصنّفه بعض أهل الرأي من الخليجيين بمثابة <خندق أمامي للحرس الثوري الإيراني على البحر المتوسط>!

وليس من السهل تغيير هذا الإنطباع السائد في العديد من أجهزة الإعلام، وبعض دوائر القرار الخليجي، بعد إسقاط الحكومة الحريرية بقرار من حزب الله، كما تُردّد الأقلام الخليجية، وبعد هيمنة الحزب أيضاً على الأكثرية النيابية الجديدة، نتيجة ملابسات يخوض بتفاصيلها <أهل العلم> بروايات تختلط فيها المعلومات مع المواقف والأمنيات!

وثمّة من يعتبر أن <لبنان يذهب إلى الحج·· والناس راجعة>، بمعنى أن البلد الذي تميّز في المنطقة بنظامه الديمقراطي، على علّاته المعروفة، والذي ارتضى بالخيار التوافقي منهجاً لتجسيد الوحدة الوطنية، وتكريس الإعتراف بالآخر، وتأمين المشاركة في السلطة بين مختلف الأطراف السياسية الأساسية، ثمّة من يدفعه إلى مغادرة المناخ الديمقراطي التعددي، واستدراجه إلى نظام الفريق الواحد، والحزب الواحد··، الذي لا يقبل شريكاً له في السلطة الحقيقية!

ويستند أصحاب هذا الموقف من الوضع اللبناني الحالي، إلى تجارب تشكيل الحكومات بعد اتفاق الطائف، وخاصة في السنوات الخمس الأخيرة، حيث كان ثمّة حرص واضح من الأكثرية السابقة على تحقيق المشاركة في السلطة التنفيذية مع الأقلية السابقة التي كان يتزعمها حزب الله، والذي شارك في كل الحكومات التي شكّلتها أكثرية 14 آذار، التي وصل تساهلها مع معارضيها إلى حد إعطائهم الثلث المُعطِّل في حكومتي السنيورة والحريري، أي منحهم إمكانية التفرّد بإسقاط الحكومة·· وهذا ما حصل مع الحكومة الحريرية المستمرّة حالياً في دائرة تصريف الأعمال!

وبالمقابل، فإن رفض حزب الله، وحلفاؤه في الأكثرية الجديدة مشاركة قوى 14 آذار في الحكومة العتيدة، يدلّ على نوايا الهيمنة الفعلية على القرار السياسي، والتفرّد بإدارة شؤون البلد، خلافاً لقواعد النظام التوافقي الذي أرسى أسسه اتفاق ودستور الطائف·

وفي إطار هذا المناخ السائد في أكثر من بلد خليجي حول الوضع اللبناني الراهن، لا بد من الاعتراف بأن كلام الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله عن أحداث البحرين، والمواجهات التي جرت بين السلطة والمعارضين، قد ضاعف من الحذر الخليجي تجاه الحالة السياسية المستجدة في لبنان، التي تبقى، في الواقع، موضع عناية ومتابعة مركّزة من قبل دوائر القرار·

ولكن لا صحة للروايات والأقاويل التي تتحدث عن <تدابير أمنية> أو مضايقات يتعرّض لها لبنانيون بسبب ألوان طائفية أو حزبية أو حتى سياسية، خاصة بعد أحداث البحرين، ولكن هذا الواقع لا ينفي جدّية التدابير والإجراءات التي اتخذتها السلطات المعنية في دول مجلس التعاون للتعامل مع المستجدات الطارئة وفق ما تقتضيه متطلبات الحفاظ على الأمن والإستقرار·

كل النقاشات مع أهل الرأي، ومع القريبين من دوائر القرار تؤكّد الحرص على أطيب العلاقات مع لبنان والأشقاء والأصدقاء في المنطقة، بما فيها إيران،

ولكن ثمّة، في الوقت نفسه، قرار حاسم بضرورة الإستعداد لمواجهة أي مخطط طارئ يستهدف أمن وسلامة أي دولة خليجية، بموقف واحد، وبيد واحدة، وما يجري في مملكة البحرين يصحّ اعتباره المثل·· والمثال!

السابق
الجمهورية: التشكيلة الحكوميّة عالقة بين فكّي كمّاشة
التالي
النهار: الاضطرابات الحدودية تدهم لبنان وسط أزمته