رحلته إلى أميركا

يروون في ديوان رئاسة الحكومة أن ما لا يقل عن 500 صحافي تسجلوا من أجل تغطية زيارة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، للمؤتمر السنوي للوبي الإسرائيلي «إيباك»، الذي سيعقد في واشنطن بعد عشرة أيام. ومعروف أن هذا عدد قياسي. فالمسألة أن لا أحد ينتظر أخباراً مدوية في خطاب رئيس الحكومة أمام اليهود الأميركيين. فالعنوان مفترض أن يخرج من الخطاب الذي سيلقيه بعد يوم أو يومين من ذلك أمام مجلسي الكونغرس. وإذا كان مشهد التسخين الذاتي لنتنياهو يثير اهتماماً كهذا، فبالوسع تخيل حجم الجنون الإعلامي الذي سيرافق المشهد الفعلي. يمكن أيضاً تخيل شدة الخيبة العالمية والصخب المحرج لانطلاق الهواء من البالون، إذا اكتفى نتنياهو في خطابه بعبارات «نظرة شاملة» بشأن ما يجري في الشرق الأوسط، حسب تعبير قادة في الليكود بعدما تحدثوا معه مؤخراً.

وثمة انطباع لدى هؤلاء القادة بأن نتنياهو اتخذ قراره. فقد بقي منغرساً بالتأكيد في بستان اليمين: لا لخطوط 1967، لا لتسوية في القدس، لا لتجميد آخر للاستيطان. والسؤال هو هل ما يقوله نتنياهو لوزراء الليكود الذين التقى بهم مؤخراً (بينهم جدعون ساعر، جلعاد أردان، موشيه كحلون، يوفال شتاينتس وإسرائيل كاتس)، مشابه لما يقوله للرئيس شمعون بيريز، لوزير الدفاع إيهود باراك وللقادة الأوروبيين الذين يتحادث هاتفياً معهم.
إذا حكمنا على الأمور وفق ما قال باراك عشية احتفالات يوم الاستقلال في حديقة وزارة الدفاع، فإن نتنياهو قد يذهب بعيداً نحو الفلسطينيين. وقد عدد باراك، بشكل أو بآخر، مبادئ خطة كلينتون العام 2000 للسلام في الشرق الأوسط. ومرة أخرى، فإن السؤال هو هل باراك يعدنا لما سيقوله نتنياهو أم أنه يدفع نتنياهو نحو المسار المرغوب من ناحيته؟

وكما سلف فإن قادة الليكود الذين اجتمعوا مع زعيمهم في الأسبوع الفائت، حتى يوم أمس، لم يلحظوا لديه أي أمر استثنائي. إنهم لم يروا أية إشارات لهزة أرضية سياسية مقبلة. واستخلصوا أن لا صلة بين ما قاله باراك مساء يوم الثلاثاء في مقر وزارة الدفاع في تل أبيب، وبين ما ينوي نتنياهو قوله أمام الكونغرس. وقد فهموا منه أنه لا ينوي تحقيق ما يتوقعونه من «خطاب بار إيلان 2» وإنما مجرد تأكيد على «خطاب بار إيلان 1»، الذي أعرب فيه نتنياهو عن استعداد لإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح إلى جانب إسرائيل. وحاولوا أن يفهموا منه ما إذا كان، بين السطور، يلمح إلى أنه بحاجة لدعمهم في التنازلات التي سيقدمها، لكنه لم يتطرق لذلك أبداً. وسمعوا منه الكثير عن «الترتيبات الأمنية»، التي إذا كانت في الماضي ضرورية لإقامة سلام راسخ في هذه المنطقة غير المستقرة، فإنه في الوضع الراهن، وفي ضوء التطورات في المنطقة، باتت أشد ضرورية وبأشكال مضاعفة. وينبغي هنا الاعتراف بأنه على حق في ذلك.

إن لدى قادة الليكود انطباع بأن نتنياهو يعيش حالة توتر شديد. وليس هم فقط من التقط ذلك. فمشاهدو التلفزيون في يوم الاستقلال رأوا في القنوات الثلاث شخصاً متوتراً، عصبياً، أفلح بصعوبة في ضبط ارتعاشات قدميه حينما جلس بجوار الرئيس، وزير الدفاع ورئيس الأركان بني غينتس في الجلسة الدسمة «للغناء في بيت الرئيس». فقط النكات والضحك على الذات من جانب باراك، الذي كان من دون ريب نجم الحفل، هي ما دفعته للضحك بشكل عابر.
وعشية يوم الاستقلال التقى في ديوانه مع مجموعة من أعضاء الكونغرس. لقد طلبوا منه معرفة ما ينوي فعله. فقام أمامهم بعرض شامل للوضع في إيران، وللهزات في الشرق الأوسط، وللترتيبات الأمنية ومرة أخرى للوضع في إيران. غير أن أحد أعضاء الكونغرس نبه نتنياهو بأدب: «أنا لست واثقا أن هذا سيرضي الرئيس».

رد نتنياهو (وفق أحد الحاضرين لأحد أصدقائه الإسرائيليين)، «أنا لا أصل إلى واشنطن من أجل كسب الرضا أو إرضاء الرئيس. إننا نلتقي للتحاور». هكذا ينبغي الانتظار ورؤية ما إذا كان باراك أوباما سيشارك نتنياهو رؤيته المرتاحة هذه أم لا. إنهما سيلتقيان يوم الجمعة المقبل، قبل خمسة أيام من خطابه في تلة الكابيتول. وسوف يسمع أوباما من نتنياهو أسس الخطاب الذي سيلقيه أمام الكونغرس.

وقبل عام بالضبط، بعد يوم الاستقلال الثاني والستين، وصفت في هذه الصفحة ثلاثة زعماء: بيريز، نتنياهو وباراك، يغنون في الحديقة. وقد كتبت حينها هذه السطور: «بات مطلوباً من نتنياهو الإنشغال من جديد بأجوبة إسرائيل على مطالب الرئيس أوباما. لقد انتهت الذرائع. لم تعد هناك أيام ذكرى ولا ذكرى محرقة. بعد يومين أو ثلاثة أو أربعة سيكون نتنياهو مضطراً لفعل ما لا يحب فعله، وأن يتخذ القرار. مر عام ولم يتغير شيء.
يوسي فيرتر

السابق
إحياء النكبة الفلسطينية يقلّص شرعية إسرائيل الدولية ويفاقم أزمتها الإقليمية
التالي
فرصة باراك في السلطة