حوادث الشمال رسالة أولى من سوريا إلى “أعدائها” في الخاصرة اللبنانية

الحوادث الامنية التي شهدتها منطقة وادي خالد في اقصى الشمال قبل ظهر امس، والتي سقط فيها قتلى وجرحى في الجانب اللبناني (جندي ومدنيان)، ستفتح مشهد العلاقات اللبنانية – السورية على مزيد من المفاصل المتوترة والخطرة، اي انها ستدفع بهذه العلاقات الى منسوب عال من الاحتقان، سعت كل من بيروت ودمشق الى ألاّ تبلغه منذ بدأت تعصف بالقطر السوري وتفتح الوضع فيه على مزيد من الاحتمالات الخطرة والمقلقة.

بعد وقت قصير على اندلاع التطورات في سوريا، صدرت عن عاصمتها اشارة سلبية تحذيرية اولى تمثلت في اتهام النائب في كتلة "المستقبل" عن البقاع الغربي جمال الجراح بالضلوع في التطورات من خلال ضخ اموال للمنتفضين على النظام في سوريا، هي في الاصل اموال النائب السابق للرئيس السوري عبد الحليم خدام، اتكاء على معلومات لدى اجهزة النظام السوري تعرف منذ زمن مدى العلاقة بين الرجلين، وإن في جانب من جوانبها علاقة ادارة اموال.

حينها سارع النائب المتهم الى انكار التهمة عنه، وسارع تيار "المستقبل" الى غسل يديه من اي دور محتمل او مفترض له في عاصفة الاحداث الهوجاء التي تقض مضاجع السوريين كافة، حتى انه لم يبق اي رمز من رموز هذا التيار (نوابا وناشطين) الا اكد بشكل جازم ان لا علاقة له ماضيا ولا مستقبلا بهاتيك الاحداث، وذهب بعض هؤلاء الى حد الزعم بأن التيار لا يملك رغبة مبيتة، ولا قدرة كامنة على ذلك، وان جعبته المضمرة تخلو من اي "رهان" في انتظار نتائج التطورات في سوريا، بصرف النظر عن خلفية العلاقة التاريخية المتوترة معها.

في موازاة تلك المواقف الجازمة من جانب تيار "المستقبل"، التي تثبت وتقسم على انه لن يحرق اصابعه في نار اللهب السورية، اتى زوار دمشق بمناخات فحواها ان هذه الاتهامات التي وجهوها نحو "المستقبل" سيجمدون تداعياتها وذيولها السياسية والاعلامية، واستطرادا سيصرفون النظر عن كل ما له علاقة بالموضوع انطلاقا من جملة وقائع واعتبارات تكونت لدى القيادة السورية ابرزها:

– انها تعتبر اتهام الجراح عبارة عن رسالة مشفرة الى من يعنيهم الامر في لبنان فحواها ان الامر سيبقى في حدود التنبيه من محاذير واخطار اي نية للتلاعب من قريب او بعيد بمسار الاوضاع في سوريا من الجانب اللبناني.
– ان دمشق تلقت تطمينات من جانب قيادات عسكرية وامنية وسياسية في لبنان تبدي حرصها الاكيد على ضبط الحدود اللبنانية للحؤول دون ما يعزز "عقدة" سوريا التاريخية من لبنان الذي يصير دوما في المنعطفات شوكة في خاصرتها.
– ان الرئاسة اللبنانية، ورئيس الوزراء المكلف وآخرين، بادروا ولو متأخرين بعض الوقت الى الاعراب علانية عن وقوفهم الى جانب القيادة السورية، وهي تواجه احدى اقسى الازمات في تاريخها المعاصر.

– بلغ مسامع هذه القيادة ما يؤكد ان بيروت لن تتساهل اطلاقا مع اي نشاطات صاخبة ضد النظام في دمشق سواء من جانب المعارضين السوريين الذين ما زالوا مختبئين في لبنان، او من جانب قوى لبنانية متعاطفة معهم. وبالفعل لم تشهد الساحة اللبنانية سوى الحراك المتواضع الذي لا يكاد يذكر لحزب "التحرير الاسلامي"، وبعض البيانات لـ"المثقفين" المتحمسين الذين يجدون انفسهم في مثل هذا الحراك. حتى ان بعض هؤلاء بادر الى الافصاح عن "عتب" صريح في مقالات لتجاهل قوى 14 آذار ومن يدور في فلكها "المعارضين" السوريين.

– وقد زاد "ارتباك" القوى المراهنة ضمنا على تسارع الاحداث في سوريا، وكبلها عن الانطلاق اكثر، هو تحول التطورات في سوريا لمصلحة النظام، خصوصا بعد احداث درعا وظهور مجموعات مسلحة توجه نيرانها الى عناصر الجيش السوري والقوى الامنية، مما اخرج الحراك في سوريا عن منحاه الداعي الى الاصلاح الى مشكلة امنية بالغة الخطورة.

على هذا المنوال المعقد نسبيا سارت امور العلاقة اللبنانية – السورية حتى مرحلة وصول الحريق السوري الى مدينة تلكلخ ومحيطها.
فمعلوم ان القوات الامنية السورية بدأت بعد نجاحها في القضاء على "التمرد" في درعا ومحيطها بتوجيه ضربات موجعة الى مظاهر "التمرد" الاخرى في بانياس وحمص ومحيطهما، الى آخر المعاقل في تلكلخ المتاخمة للحدود مع الشمال اللبناني، وبالتحديد في منطقة وادي خالد في اقاصي عكار.

فمع بلوغ الاوضاع هذه المرحلة، بدأ الآتون من دمشق ينقلون عن القيادات السورية ملاحظات وانطباعات سلبية تتحدث عن "مظاهر رفد" لبنانية المصدر مع "المتمردين" عليها في منطقة تلكلخ، مرورا بتلبيسة، وصولا الى حمص.
المظاهر متعددة تجسدت:
– في عبور كميات من الاسلحة من الجانب اللبناني.
– عبور مجموعات من المقاتلين وبشكل فردي.
– تنسيق على مستوى العمل الصحي والاستشفائي بين المستشفيات الميدانية التي اقامها المتمردون ومراكز صحية وطبية في الشمال (ادوية وأمصال، وخبراء..).
– تأمين متعمد ومنسق لعائلات المتمردين في مناطق وقرى عكارية، وبالتحديد قرى وادي خالد.

ووفق زوار دمشق، فإن السلطات السورية الامنية بادرت الى لفت الاجهزة الامنية اللبنانية الى خطورة ما يجري والى "انفتاح" سكك التهريب الخطرة من لبنان الى سوريا، متمنية اجراءات ميدانية سريعة تحول دون تطور الوضع الى الاسوأ، وخصوصا ان الامر يترافق مع بدء الحملة الامنية السورية على ما تبقى من متمردين عليها في تلكلخ.

وبناء على كل هذه المعطيات، والوقائع التي تحتفظ القيادة السورية بتفاصيلها في انتظار اللحظة المؤاتية لإخراجها الى الضوء، يبدو واضحا ان العاصمة السورية بدأت في الساعات القليلة الماضية بالتخلي عن سياسة غض الطرف عن حراك خصومها في الخاصرة اللبنانية، وبالتالي شرعت في توجيه رسائل اولية قاسية اليهم كانت "طلائعها" امس، فهل من يبادر الى تدارك الوقف ووقف التدهور المحتمل!؟

السابق
خطوات تفرضها الظروف المصيرية والتبدلات التي طرأت وتطرأ
التالي
تخفيف وطأة النكبة