إحياء النكبة الفلسطينية يقلّص شرعية إسرائيل الدولية ويفاقم أزمتها الإقليمية

من المؤثر جداً ملاحظة الاهتمام الفلسطيني والعربي والدولي هذا العام بذكرى النكبة الفلسطينية. ففي ظل الثورات العربية وتنامي الإحساس بعودة الأمل بإمكانية التغيير واسترداد الحقوق وجدت القضية الفلسطينية نفسها في موضع بالغ الأهمية. غير أن هذا الاهتمام ظل حتى اللحظة في الدائرة المعنوية بشكل أساسي ولم يخرج كثيراً عنها إلى الدائرة العملية السياسية.
فمن الوجهة العملية يجري الحديث عن متطلبات الشرعية الدولية وهي المتطلبات التي كانت تعبر عن موازين القوى في عهد ما قبل الثورات العربية. ومن الصعب الحديث اليوم عن متطلبات جديدة في ظل انشغال المنطقة العربية ولسنوات طويلة مقبلة بعمليات إعادة بناء ما تم هدمه عبر عقود من الفساد. وربما بسبب إدراك هذه المعطيات تم التوافق على المصالحة الفلسطينية وأطلقت حركة حماس جملة مواقف سياسية أقل تشدداً من السابق.
ومن المهم الإشارة إلى أن إحياء ذكرى النكبة هذا العام واتساع نطاقها تعبر عن ميل متزايد لإعادة الاعتبار لمركزية القضية الفلسطينية في الذهن العربي. ولا ريب في أن ذلك هو انعكاس لواقع تزايد المخاوف في الجانب الإسرائيلي من تراجع التأييد لشرعية إسرائيل. ومؤخراً بات ينظر في أرفع الدوائر الإسرائيلية بخطورة إلى ما صار يعرف بخطر نزع الشرعية عن الدولة اليهودية.
ومن الجائز أن هذه الحقيقة تظهر من جديد معادلة الصراع الأولى بين إسرائيل والفلسطينيين وهي معادلة التكريس والتبديد. فكلما تكرست شرعية إسرائيل تراجعت الشرعية الفلسطينية والعكس صحيح. وهكذا نجد هذه الأيام أنه في ذروة الاندفاعة الدولية نحو تأييد الحق الفلسطيني في إنشاء دولة وزوال الاحتلال هناك تعاظم في مساعي نزع الشرعية عن إسرائيل.
ورغم أن الكثير من الدول، خصوصاً الغربية منها، تحاول المزج بين شرعيتين على أساس الأمر الواقع أو لأســباب براغماتية مغلفة بأيديولوجــيا إلا أنها لا تســتطيع تجاهل مظاهر ملموسة من انتهاك الحقوق. وليس صدفة أن الملاحقة القضائية في عدد من الدول الغربية لجرائم الحرب الإسرائيلية باتت تسهم في تقليص شرعية إسرائيل. ومؤخرا بات ينظر في إسرائيل إلى خطر نزع الشرعية بوصفه خطراً وجودياً لا يقل أهمية عن المخاطر العسكرية والاقتصادية والاجتماعية الأخرى.
وأيا يكن الحال فإن تظاهرات وفعاليات إحياء ذكرى النكبة ليست سوى جزء من الحالة الجديدة في الصراع والتي لها تجلياتها المادية على الأرض وفي الحلبات السياسية الدولية. ومما لا ريب فيه أن الأنظار ترنو إلى ما سوف يحدث في الأراضي المحتلة بعد اتفاقية المصالحة، وهل سيفلح القادة الفلسطينيون في وضع قطار النضال الوطني على السكة الصحيحة؟
وهنا ثمة أهمية لما يجري في الحلبة الدولية من محاولة كسب التأييد للاعتراف بإعلان الدولة في أيلول المقبل أو قبل ذلك. وهناك من يرى أن إسرائيل الرسمية تتخبط في جهودها من أجل محاربة هذا المسعى الفلسطيني والدولي. وتقع في هذا السياق زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى العاصمة الأميركية بعد أيام ولقائه بالرئيس أوباما وخطابه أمام مجلسي الكونغرس.
صحيح أن هناك من أشار إلى أن نتنياهو سوف يحاول تغليف كلامه القديم، في خطاب بار إيلان، بغلاف جديد ليعرضه على الأميركيين وكأنه مبادرة جديدة. ولكن الأصح هو أن إسرائيل اليوم أشد تقيداً بالثقالات الأيديولوجية اليمينية وبالتالي أقل قدرة على المرونة والمناورة. فالظروف الدولية باتت أشد ضغطاً من أجل حل ما مقبول في الشرق الأوسط، كما أن الظروف الميدانية في العديد من الدول العربية تبشر بتغييرات لاحقة. ولهذا السبب فإن القراءة الأولية لملامح المستقبل تبدو أكثر غموضاً وقتامة لإسرائيل من أي وقت مضى.
وربما لهذا السبب هناك في إسرائيل من يعتقدون أن الدولة العبرية ستواجه قريباً نوعاً من الأزمة في علاقاتها الدولية لا يمكن الخروج منها إلا بتغيير داخلي سلطوي. وثمة من يحاول البناء على ذلك سواء في حزب العمل أم داخل حزب كديما. وليس صدفة أن الجنرالين، إيهود باراك وشاؤول موفاز، يحاولان عرض خيارات بديلة لخيار نتنياهو. بل أن هناك من يرى وجهة التغيير في الانتخابات المقبلة في نوع من الإعادة لما جرى في الانتخابات التي جلبت اسحق رابين لرئاسة الحكومة ودفعته إلى توقيع اتفاقيات أوسلو العام 1993.
غير أن ذلك، كما سلف، ينطلق من تغييرات جذرية في الموقف الدولي أو في المحيط العربي المباشر. وإذا كانت هناك ملامح متوقعة في الأسرة الدولية فإن إسرائيل لا تزال تراهن على الإدارة الأميركية، وربما أكثر على الكونغرس بمجلسيه. ونتنياهو يحاول المناورة مع أوباما باللعب على حبل تأييد الكونغرس له فيما يحاول المناورة مع الأسرة الدولية باللعب على حبل التأييد الأميركي.
وهكذا فإن الحديث عن تغييرات في إسرائيل هو في الأصل حديث عن شأن لا يمكن رؤيته في المدى القصير. غير أن الخطوات الدولية والتي قد تمتدّ على مدى زمني طويل تحتاج إلى أن تترافق مع جهد فلسطيني وعربي يجعل من كسب الشرعية عملاً نضالياً متواصلاً يمكن البناء عليه. كما أن الإعلان عن الدولة الفلسطينية ليس أكثر من خطوة أولى في معركة طويلة تتطلب الكثير من الجهد والعقل لزيادة أزمة شرعية إسرائيل الدولية والإقليمية.

ترجمة السفير

السابق
حشود عين الحلوة والمية ومية فاقت التوقعات
التالي
رحلته إلى أميركا