صورة الأسد والصدمة السورية المطلوبة؟

 إذا استمرت الأوضاع في سوريا على ما هي عليه حالياً، فان الرئيس الأميركي باراك أوباما ومعه قادة أوروبيون سيرفعون مستوى العقوبات على النظام السوري ويستهدفون في عقوباتهم هذه لاحقاً الرئيس بشار الأسد، ولذلك فإن القيادة السورية بحاجة إلى اجتراح «صدمة نفسية ايجابية كبيرة» عبر الإصلاحات أو غيرها، شرط أن تأتي هذه الصدمة في خلال فترة قريبة جداً.
الحركة في الكونغرس الأميركي حثيثة ضد سوريا، ويقودها عدد من المعروفين بتأييدهم الكبير لإسرائيل على غرار رئيسة لجنة العلاقات الخارجية اليانا روس – ليتنين التي طالبت مراراً أوباما بوقف الضغط على إسرائيل بشأن المستوطنات، والنائب أليوت انغل احد واضعي قانون محاسبة سوريا عام 2003 والذي «ناضل» طويلاً لاحتلال العراق، والسناتور المستقل جو ليبرمان المعروف بدعمه المطلق لإسرائيل، والسناتور الجمهوري ماركو روبيو المشهور بعباراته المؤيدة للحكومة الإسرائيلية ومنها مثلا «إن الحفاظ على الحلفاء يبدأ أولاً وأخيراً بالحفاظ على العلاقة الخاصة مع إسرائيل وتعزيزها لأن إسرائيل صديقتنا المفضلة والأكثر جدارة بين أصدقائنا في الشرق الأوسط».
ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي جون كيري، الذي كان قد التقى الأسد 6 مرات سابقاً لتحسين العلاقات بين البلدين ولدفع دمشق للتفاوض مع إسرائيل، انضم إلى قافلة الشاجبين للنظام السوري. وقال لمجلة «فورين بوليسي» إن «الأسد لم يعد إصلاحياً وانه راغب فقط بتخليد نظامه وان فرصته ضاعت وانتهى الأمر».
وثمة مشاريع أو مسودات مشاريع في الكونغرس الأميركي وغيره يجري العمل على تمريرها بغية رفع مستوى الضغوط على الرئيس السوري واعتباره لاحقاً فاقداً للشرعية. وهناك من يتحدث عن خطوات أخرى بغية تشكيل مجلس موحد للمعارضة السورية في الخارج أو حتى حكومة منفى، ويقال إن «المرشح الجمهوري السابق جون ماكين ليس بعيداً عن هذه الأجواء».
نادرا ما استطاع رئيس أميركي القفز فوق ضغوط اللوبي المقرب من إسرائيل في الكونغرس، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، وهناك ضغوط كبيرة تمارس الآن على باراك أوباما للإدلاء ببيان رئاسي للضغط على الأسد، لكن ثمة رأياً آخر في الإدارة الأميركية لا يزال يؤكد ضرورة عدم التسرع، لأن حشر النظام السوري قد يأتي بنتائج معاكسة تماماً في الداخل السوري وفي الملفات الساخنة في المنطقة .
من غير المستبعَد أن تكون زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أميركا بعد أيام حيث يلقي خطابه أمام الكونغرس الأميركي بشأن العلاقة مع الفلسطينيين، مناسبة لبحث عميق بين أميركا وإسرائيل بشأن المستقبل السوري، خصوصا ان البلدين لا يزالان يطرحان كثيراً من الأسئلة حول هذا المستقبل المقلق لهما في كل أحواله.
والسؤال المطروح حالياً يدور حول مستوى «تناغم» طروحات شيوخ الكونغرس الأميركي المقربين من إسرائيل مع الإستراتيجية الإسرائيلية الحالية بشأن سوريا والمنطقة. فإذا كان الهدف المشترك هو إرهاق النظام السوري، فهذا أمر، وإذا كان يصل إلى حد العمل الجاد على إطاحة هذا النظام فهذا أمر آخر وأكثر خطورة وينبغي الإعداد له جيداً، لان النظام السوري سيستخدم حينها كل أوراقه السياسية والأمنية والعسكرية مع حليفيه إيران و«حزب الله».
صحيح أن اللغة الرسمية الأميركية والأوروبية لم تصل بعد إلى حد المطالبة برحيل الأسد أو رفع الشرعية عنه، الا ان آلة الضغط على سوريا آخذة بالازدياد مع دخول الاحداث في سوريا اسبوعها الثامن، وهي على الأرجح ستتواصل بحدة أكبر في الايام المقبلة.
ولا يمكن فصل هذه الضغوط عن تلك التي تمارسها تركيا بشدة هذه الايام على دمشق. ويكفي أن يقرأ المرء تعليقات الصحف السورية خلال اليومين الماضيين، ليفهم ان العلاقات التركية السورية تمر في فترة عصيبة جداً، وسط استمرار رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في تحميل مجمل المسؤولية تقريباً للنظام السوري وتكذيبه للطروحات السورية بشأن عدد القتلى والمخربين والسلفيين وغيرهم.
ولو عرّج التحليل على دول الخليج، فثمة من يتحدث عن 3 خطوات لافتة، أولها تكثيف الضغوط الخليجية على إيران، وثانيها دعوة المغرب للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي وقبول طلب الأردن للانضمام أيضاً لهذا المجلس، وثالثها ترشيح الكويت بدلاً من سوريا لاحتلال مقعد في مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة.
لا يتردد بعض المحللين بوصف خطوة مجلس التعاون الخليجي صوب المملكة المغربية والأردن بأنها ترسم أولى معالم المرحلة العالمية المقبلة في المنطقة، خصوصاً أن دول المجلس مع الأردن والمغرب تشكل دعائم ثقة لاؤلئك الراغبين في إعادة رسم خريطة المنطقة بناء على المصالح الجديدة للدول الغربية بعد الثورات العربية. ثمة من رأى في الأمر ما يشبه سايكس بيكو سياسي واقتصادي وأمني جديد، وثمة من استعاد وهم حلف بغداد وغيره.
والقائلون بهذه الاحتمالات، تساءلوا مثلا عن دور مصر في المنظومة الجديدة وعن موقف دول الخليج من الإدارة المصرية الجديدة، فهل القاهرة بدأت تدفع سريعاً ثمن تصريحاتها حيال اسرائيل وبشأن أسعار الغاز المصري الى تل ابيب، وثمن احتكارها مصالحة حماس وفتح، وثمن انفتاحها ولو الخجول على إيران، ناهيك عن الدور المتعاظم للإخوان المسلمين في الخريطة السياسية المقبلة لمصر؟ 
ووسط الأسئلة الكثيرة حول مغازي الضغوط الخليجية المتزايدة على إيران وسوريا، سجلت منطقة الخليج زيارتين هامتين، فوزير خارجية إيران علي اكبر صالحي أجرى محادثات «دقيقة وحساسة» في دولة الإمارات بعد زيارتين قام بهما إلى قطر وسلطنة عمان، وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أجرى محادثات لافتة ومهمة في الدوحة، وهو الذي كان قبل فترة قصيرة هدّد بمعاودة العمل العسكري في العراق لو تم إرجاء انسحاب الأميركيين من الأراضي العراقية إلى ما بعد نهاية العام الحالي.
وجاءت الزيارتان في أعقاب زيارات عديدة قام بها مسؤولون أميركيون إلى الخليج بغية الدفع صوب رفع مستوى الضغوط على إيران، ذلك أن الملف الإيراني يبقى الهدف الأهم لكل من أميركا وإسرائيل في المرحلة الحالية. وجاءت الزيارتان أيضاً بعد الأسئلة الكثيرة المطروحة من قبل سوريا و«حزب الله» وإيران حول الدور القطري الجديد في المنطقة.
ماذا يعني كل ذلك؟ 
يعني أن الاشتباك السوري الإيراني مع الغرب يتجه إلى مزيد من التعقيد، وان صورة الرئيس الأسد قد أصيبت بطلقات كثيرة بسبب استمرار العملية العسكرية في مناطق سورية مختلفة وسط حديث عن عدد كبير من القتلى والجرحى والمعتقلين (إذا ما اعتمدنا إحصاءات اردوغان)، ولعل طلقة أخرى جاءت هذه المرة من حديث رامي مخلوف (غير المفهوم بمضمونه وتوقيته) لصحيفة «نيويورك تايمز» (وحسناً فعلت دمشق بالقول انه لا يمثل وجهة النظر الرسمية). 
وبما أن الاشتباك السوري الإيراني مع الغرب يتفاقم، وان الأسد لم يبد حتى الآن أية رغبة في التخفيف من متانة الحلف الإيراني السوري، فإن النظام السوري بات وربما أكثر من أي وقت مضى بحاجة إلى مبادرة سياسية كبيرة تشكل صدمة نفسية ايجابية في سياق تطبيق الإصلاحات.
صحيح أن الضغوط الدولية قد لا تؤذي النظام السوري في مستقبل قريب، وان روسيا والصين مستمرتان في رفضهما أي تخطٍ دولي للخطوط الحمراء مع سوريا، ولكن الصحيح أيضاً أن الوقت قد حان لكي يبرهن الرئيس الأسد لشعبه أولاً وللخارج ثانياً، بان الآلة الأمنية التي حرّكها في الداخل هي موقتة فرضتها ظروف أمنية داخلية، وان رغبته بالإصلاح حقيقية ولا عودة عنها، وانه راغب بالانفتاح على المعارضة وتوسيع قاعدة المشاركة في السلطة. ولا شك في أن الوقت لا يلعب كثيراً لمصلحة صورة الرئيس، ولا بد من خطة سياسية وإعلامية عاجلة توضح أن خطوات الإصلاح التي تم الإعلان عنها تتجه نحو التطبيق الفعلي.

 

السابق
محمد البوعــزيزي لا يزال يحترق
التالي
مسيرة العودة في 15 أيار: عشاق فلسطين يطوّقونها بالحبّ