“العراقيون بين الهجرة والعودة: الحاضر والمستقبل”

 في إطار سلسلة نشاطات "منتدى الأربعاء" في مؤسسة الإمام الحكيم عقد لقاء حواري مع سيادة المطران ميشال قصرجي (مطران أبرشية بيروت الكلدانية) تحت عنوان "العراقيون بين الهجرة والعودة: الحاضر والمستقبل" بحضور حشد من الشخصيات والفعاليات السياسية والدبلوماسية والدينية وجمع من الجالية العراقية في لبنان.
قدّم اللقاء المهندس سامي خليفة الذي تحدث عن المشكلات التي واجهها العراقيون وظروفهم الصعبة وما يعانوه من مشاكل معيشية وقانونية واجتماعية بعد نزوح عدد كبير منهم إلى خارج العراق مقدراً عددهم بالملايين حسب مصادر الأمم المتحدة. ويبلغ عدد اللاجئين العراقيين حوالي خمسين ألف لاجئ منهم (9 آلاف من المسيحيين) وهذه نسبة كبيرة نظراً لعدد المسيحيين العراقيين، وقد عمدت عدة مؤسسات اجتماعية لإحصاء عدد اللاجئين العراقيين في لبنان كمؤسسة عامل ومؤسسة كاريتاس.
والمشكلة التي يعاني منها اللاجئون العراقيون عدم وجود إطار قانوني لوجودهم لأن لبنان لا يعترف سوى باللاجئين الفلسطينيين. وهناك اتفاق ضمني بين لبنان وبعض المؤسسات الدولية لإعطاء شهادة للاجئين العراقيين لكن هذه الشهادة ليس لها قيمة قانونية وقد تحول لبنان إلى غرفة انتظار للاجئين العراقيين تمهيداً للهجرة إلى دول أخرى.
ثم تحدث المطران ميشال قصرجي الذي شكر بداية مؤسسة الإمام الحكيم وأمينها العام السيد علي الحكيم والمهندس سامي خليفة الذين ساهموا في ترتيب إقامة هذه الندوة، ومما قاله:
"لو كان مسيحيو العراق بخير لما كان هناك حاجة لهذه الندوة، ما سأتحدث عنه يهدف لشرح المأساة التي يواجهها العراقيون اليوم، وكل ذلك يساهم في معالجة هذه المأساة.
ولا بد في البداية من التأكيد على أهمية دور المرجعيات الدينية في حماية الوجود المسيحي في العراق. والمسيحيون يحترمون الاختلاف الديني والتهجير الذي يحصل في العراق يصيب كل أبناء المجتمع العراقي والإرهاب لا يميز بين عراقي وآخر، والواقع اليوم في العراق يدل على أن عدد المسيحيين في العراق يتناقص يوماً بعد يوم، ولا يوجد أي خطة لمعالجة هذا النزيف، والمسيحيون مهمشون على الصعيد السياسي مما يولد شعوراً بالغبن ويدفعهم للانكفاء والهجرة.
والعراق بلد التعايش والمحبة لن يكون بلداً للعيش المشترك إذا استمرت الهجرة والصراعات السياسية والأمنية. 
نعم مسيحيو العراق في محنة لكنهم ليسوا وحدهم، وهم بحاجة للدعم والمساندة ولكن لا يتم ذلك بالعزلة والانكفاء وإن تسهيل الهجرة تواطؤ.."
وأضاف: " ماذا تعطي الدولة العراقية من خدمات لمنع الهجرة من العراق لأن استمرار النزيف على صعيد مسيحيي العراق فإن ذلك سيؤدي لنتائج سلبية.
وإن المحافظة على الوجود المسيحي في العراق مسؤولية إسلامية. وإن الأصولية الحالية لها مخاطر كبيرة على كل المجتمع العراقي. وإن كان مسيحيو العراق هم من يدفع الثمن لأنهم الحلقة الأضعف في تكوين المجتمع العراقي. والمسيحي العراقي مواطن عراقي كغيره ولا يتحمل حياة الذل ولذلك فهو يهاجر وإن أعطي الاستقرار فسيبقى ويعطي الكثير الكثير.
وتابع: "أين عراق اليوم، عراق الشعر والأدب والثقافة والحضارة والفن، فعلى السلطة العراقية واجب حماية مسيحيي العراق كما عليها حماية كل الشعب العراقي، والمسيحيون ليسوا أقلية طارئة في العراق، فكل العراقيون شركاء. وإن ما يحدث في العراق يدمّي القلوب وإن أسوأ وجوه الأزمة نشر الحقد والقتل بين العراقيين. 
وإن مواجهة الهجرة تتطلب القيام بسلسلة خطوات ومنها:
1. تشكيل هيئة تعني بما يسمى الأقليات في العراق وتتولاها إحدى الوزارات الأساسية، على أن تتولى دراسة واقع الأقليات ومشاكلهم والعمل لمعالجة هذه المشكلات.
2. تخصيص موازنة لإعادة ترميم أماكن العبادة والمراكز الأثرية التابعة للجماعات المسيحية.
3. وضع خطة لبناء البنية التحتية في مناطق المسيحيين مع الاهتمام بكل ما تحتاجه هذه المناطق.
4. منح المسيحيين تسهيلات وتخفيضات ضرائبية بهدف تشجيعهم على البقاء في الأرض وتخصيص العائلات بقروض لمساعدتهم في إقامة مشاريع زراعية أو بيئية.
5. تشجيع رجال الأعمال المهاجرين للعودة إلى العراق.
6. إصدار نشرات ومجلات من قبل المؤسسات الرسمية تتولى الدعوة للتعايش والحوار.
7. بناء مركز أساس في بغداد يتولى الحوار الديني وإعطاء منح وجوائز لكل عراقي يقدِّم مشاريع لحماية الأقليات والحد من الهجرة. 
إن صورة العراق القوي لا تتم إلا بتعاون جميع فئات الشعب العراقي وهذه مسؤولية الجميع لأنه لا مصلحة لأحد بتفريغ العراق من أية فئة ولذلك نأمل أن يتم الاستفادة من هذه الاقتراحات لمعالجة مشكلة الهجرة من العراق، فبالإيمان والمحبة سوف يبقى العراق..
 
وبعد مداخلة المطران قصرجي جرى حوار بين المشاركين وقدمت عدة مداخلات..
بداية تحدث أمين عام مؤسسة الإمام الحكيم السيد علي الحكيم فأكد أن مشكلة مسيحيي العراق هي مشكلة العراق كله. أما على صعيد إقصاء المسحييين عن مراكز الدولة فلا بد من التوضيح أن ممثلي الأقليات العراقية لهم خصوصية ويتم إعطائهم حصصاً محددة إن على صعيد المجلس النيابي أو الحكومي وقد تم سن قوانين خاصة لحماية الوجود المسيحي. والمطلوب معرفة أين الخلل في معالجة الوجود المسيحي وما هو المطلوب لمعالجته. 
والعراق اليوم كله يفتش عن فرص عمل وكله يفتش عن كيفية عيش العراقيين داخل وطنهم. والعراقي الذي يعيش في العراق وضعه أسوأ من الذين تركوا العراق ثم عادوا الآن. صحيح أن هناك خطورة على الوجود المسيحي ولكن المطلوب معالجة كل الواقع العراقي وعدم إيجاد تمايز بين فئة وأخرى.
الدكتور أمين حطيط اعتبر أن مشكلة العراق هي جزء من مشكلة كل المنطقة وإن مقاربة الملف بطريقة جزئية لا يعالج المشكلة، لأن هناك مشروع على صعيد المنطقة لنشر التقسيم واقتلاع المسيحيين من الشرق وهي خطة منهجية بدأت في فلسطين وانتقلت إلى العراق وكان يعد لها أن تنتقل إلى سوريا وجرت محاولة تنفيذها في لبنان ففشلت فشلاً جزئياً ولكن المشكلة لا تزال قائمة حيث يتم تهميش المسيحيين. أما في إيران فقد جرى حفظ الوجود المسيحي، أما الذي هجَّر المسيحيون من العراق فليست السلطة العراقية بل الواقع الأمني الذي أداره المحتل وهناك دراسة تشير أن 70% من التفجيرات التي طالت المسيحيين في العراق نفذتها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. فلمواجهة تهجير المسيحيين في العراق يجب مواجهة كل الخطة وبشكل متكامل من خلال مواجهة القوى المحتلة وحماية كل الوجود العراقي. وإن إعطاء امتيازات خاصة للميسحيين لا يحل المشكلة لأن المطلوب حماية العراق كله وليس فئة دون أخرى. حالياً يوجد 4.7 مليون عراقي نازح أو مهجّر سواء إلى داخل العراق أو خارجه. والحل يبدأ بالأمن وهذه مسؤولية الجميع والغرب لن يحمي المسيحيين لأنه يريد تهجير المسيحيين. 
العميد الركن ميشال نحاس عرض إشكالية الهجرة داخل الوطن من خلال تجربته الشخصية وأكد على ضرورة التعاطي مع هذه المشكلة بشكل متكامل، لأن الحرب التي تحصل اليوم تهدف لتبرير "يهودية دولة إسرائيل" بعد أن أدت الحرب العالمية الأولى لإعطاء وعد بدولة إسرائيل والحرب العالمية الثانية أدت لإنشاء الكيان. وإن مشكلتنا اليوم وخصوصاً كمسيحيين لم نكن موحدين ولم نعالج قضايانا بشكل سريع والمسيحيون لا يستجدون بل ينقصنا الإدارة الجيدة لبلادنا سواء كنا مسلمين أو مسيحيين عندما نصل إلى الحكم، ويجب معالجة مشكلات العراق بشكل عام وليس معالجة مشكلة محددة.
الشيخ محمد عبد الكريم النجم (من العراق) شكر المطران على المعلومات والاقتراحات وأضاف "نحن في العراق لا زلنا نعاني من مشكلة السيطرة على أملاكنا.. وهناك وزارة للهجرة والمهجرين لكن هذه الوزارة تحاول معالجة المشاكل الداخلية وليس الخارجية. والهجرة من العراق بدأت قبل سقوط نظام صدام حسين وأسبابها اليوم اقتصادية وأمنية. وهناك تشجيع للهجرة من قبل بعض العائلات للحصول على مكتسبات مالية". 
الشيخ مسلم الربيعي اعتبر أن الإسلام يحترم المسيحيين ويحرص عليهم لكن المشكلة الأساسية تتعلق بوجود الفكر التكفيري والذي يطال الجميع وهذا يتطلب مبادرات مدنية لمواجهة هذا الفكر.
الدكتور حسن الزين أوضح أنه كان يتمنى أن يتم الحديث عن الدور التاريخي والحضاري للمسيحيين سواء في العراق أو في الشرق كله. كما أن المحافظة على نصارى العراق واجب اجتماعي وديني والإسلام أكد على ذلك.
 وتحدث الشيخ دانيال عبد الخالق متسائلاً لماذا نحن نعيش دائماً هاجس العدد ولماذا نخاف من الجانب العددي ولماذا لا نركز على مكانة الإنسان كإنسان ودوره ومن ثم نهتم بالجوانب الأخرى القانونية والاجتماعية ونواجه جميعاً وبشكل مشترك كل المؤامرات.
وقدّم عدد من اللاجئين العراقيين المقيمين من لبنان شهادات حية عن مشاكلهم وظروفهم الصعبة مطالبين بالاهتمام بهذه المشاكل.
 
 

 

السابق
ثابت : بمسيرة العودة في 15 أيار نؤسس لمرحلة تاريخية جديدة من مراحل الصراع مع الإحتلال
التالي
كتاب جديد للمركز الإسلامي الثقافي:إطلالة على الرؤى الفكرية للمرجع فضل الله