لحظة الحقيقة في واشنطن

ترتقب الجماعة الدولية في استعداد الكلمات التي سيقولها بنيامين نتنياهو في مجلس النواب الامريكي بعد اسبوع ونصف أسبوع. لكن ليست الكلمات هي التي ستحدد كيف ستُستقبل خطبة نتنياهو بل العدد.
فاذا ذكر نتنياهو العدد الصريح 1967، فان العالم سيصغي بجدية لكل كلمة في الخطبة. واذا لم يذكر العدد الصريح 1967، فسيرفض العالم الخطبة رفضا باتا. يتعلق مصير اسرائيل اليوم بقدرة رئيس حكومة اسرائيل على التلفظ بالارقام الاربعة التي لم يلفظها حتى الآن: واحد، تسعة، ستة سبعة؛ 1967. أنتنياهو؟ أ 1967؟ لا احتمال ـ إلا اذا كان قد استوعب شدة الوضع. وأدرك ان ظهرنا الى الجدار وانه يجب علينا ان نُحدث تحولا، وإلا اذا سما على نفسه وأصبح سائسا وزعيما.
رئيس الحكومة شخص مطارد، مطارد ومختلف فيه. لكنه ذو شعور وطني وملتزم بمستقبل اسرائيل. يؤمن نتنياهو بأنه لضمان مستقبل اسرائيل يجب على الفلسطينيين أن يعترفوا بها بصفتها دولة يهودية وعليهم ان يوافقوا على ان تكون فلسطين منزوعة السلاح.
ويؤمن نتنياهو انه لضمان مستقبل اسرائيل يجب عليها ان تسيطر (أمنيا) على غور الاردن. ويؤمن نتنياهو انه لضمان مستقبل اسرائيل يجب عليها ان تشمل داخلها الكتل الاستيطانية الكبيرة. ويؤمن نتنياهو بأنه ينبغي وجود حلول خلاقة للمستوطنين والاماكن المقدسة والقدس. ويؤمن نتنياهو بأنه لا يمكن انهاء الصراع الاسرائيلي الفلسطيني دون مجابهة التحديات الاقليمية والاستراتيجية التي تهدد الغرب واسرائيل.
حسن وطيب. لكن يفترض ان يفهم نتنياهو انه لا يمكن تحقيق مطالبه العادلة دون أن يعطي عوضا، والعوض معروف وهو موافقة اسرائيلية على ان تكون الحدود في نهاية الامر بين اسرائيل وفلسطين قائمة على حدود 1967. أتبادل اراض ـ أجل. أترتيبات أمنية ـ أجل. أنزع سلاح تام ـ أجل. أرفض مطلب العودة ـ أجل. أضمانات دولية ـ أجل. لكن مقابل كل ذلك يجب على اسرائيل ان توافق على ان تكون مساحة الدولة الفلسطينية آخر الامر كالمساحة التي احتُلت في حزيران (يونيو) 1967.
من الصحيح الى الآن ان الفلسطينيين ليسوا هم الشريك. العالم هو الشريك. والصفقة مع العالم بسيطة وهي ان تعطي اسرائيل التزام انهاء اللعبة وأن تحصل على التزام قواعد اللعبة وشكل اللعبة ومدة اللعبة. وأن يتم الانسحاب على مراحل.
يتم الانسحاب مع وفاء الفلسطينيين بالتزاماتهم. ولا يُعرض الانسحاب أمن اسرائيل للخطر. ويكون الانسحاب مصحوبا بمساعدة دولية ودعم دولي. وأن يكون الانسحاب مقرونا بأن يوقف العالم ايران، لكن الانسحاب في نهاية المطاف سيكون شاملا. سيكون انسحابا يُنهي الاحتلال. انسحابا يُقسم البلاد. انسحابا يُنشىء وضعا جديدا لدولتين قوميتين بين البحر والاردن.
هل نتنياهو قادر؟ ليس واضحا. كان شعاره قبل سنين: اذا لم يعطوا فلن يأخذوا. وللأسف الشديد ينطبق الشعار علينا ايضا. فاذا لم نُعط فلن نأخذ. ولا يحب نتنياهو ان يدفع. لكن يجب عليه ان يفهم ان من لا يدفع لا يشتري. ومن لا يصالح لا يبقى. البُخل السياسي ليس عظمة سياسية بل لقد أدرك ايهود اولمرت ذلك. فقد أدار حربين وبنى في المستوطنات بتوحش لكنه منح اسرائيل غلاف حماية سياسيا بأن قبل مبدأ 1967. تمتع اولمرت، برغم انه لم يُخل في واقع الأمر مستوطنة واحدة ولم ينسحب حتى من كومة تراب واحدة، باعتماد مكّنه من ان يضرب أعداء اسرائيل. وقد نقل عبء المسؤولية عن عدم السلام من اسرائيل الى الفلسطينيين.
عندما استقر رأي نتنياهو على الذهاب الى واشنطن خاطر مخاطرة ضخمة. هناك من يعتقدون انه اخطأ وآخرون يُقدرون انه أصاب. لكن أهمية خطبة نتنياهو في مجلس النواب الامريكي بأنها تُحدث لحظة حقيقة. انها تلزم رئيس الحكومة بأن يعرض بطاقة هوية. اذا وجد نتنياهو سبيلا ليقول 1967 في واشنطن فسيحظى بحياة جديدة. سيمنح دولته ونفسه أفق أمل. لكن اذا أحجم نتنياهو وتردد وتلعثم فتلك نهايته. ستكون خطبة عابثة بخيلة في مجلس النواب الامريكي بداية السقوط

السابق
ايلول خلف الزاوية
التالي
النجادة: قمة بكركي أراحت اللبنانيين