طريقة مبتكرة لمكافحة الفساد

 يستحضر الفساد طائفة من الصور التي تجمع بين صفقات مشبوهة ووهمية بين المروجين والمؤسسات والمسؤولين الحكوميين السيئين، لكن الفساد في غالب الأحيان أكثر مادية، إذ يطالب مسؤولون بتلقي رِشاً حتى من أجل تقديم خدمات عامة روتينية. وتكشف أرقام أصدرها معهد «غالوب» لاستطلاع الآراء مدى انتشار مثل ذلك الفساد, كما يجادل رجال الاقتصاد في أن ذلك العمل حتى إن كان على مستويات صغيرة وبسيطة فإنه يفضي إلى أضرار اقتصادية ومجتمعية جسيمة.

ومن شأن الابتزاز الرسمي تبديد الثقة، وكما تبين للسلطات في بلد مثل اليونان تصبح مكافحة التهرب من دفع الضرائب صعبة إذا ضعفت الثقة بنزاهة موظفي الضرائب أنفسهم، ويظهر أحد مواقع الشبكة العنكبوتية في الهند- والذي بدأ نشاطه في الصيف الماضي من قبل مجموعة من نشطاء محاربة الفساد- مدى عمق وتأثير تلك العمليات، وعمد الموقع المشار إليه إلى توثيق 8500 عملية رشوة وصلت أرقامها الى أكثر من 375 مليون روبية (8.4 ملايين دولار).

وحسب الموقع، فإن ذلك يشمل دفع مبلغ يصل إلى 100 روبية من أجل دفع رجل شرطة إلى تسجيل شكوى حول سرقة هاتف جوال, و500 روبية من أجل قيام موظف بتسليم شهادة زواج، ويمكن القول إن المبالغ تكون أكثر من ذلك من أجل تسهيل عملية استعادة نقود تم دفعها لأجل ضريبة دخل، ويكون «الرسم» المطلوب عادة 10% من المبلغ، بالنسبة لتعاملات تتراوح ما بين 5000 روبية وحتى 50000 روبية.

غير أن مثل تلك المبادرات لا تتعدى تمكين الناس من التنفيس عن مشاعر الغضب من عمليات الفساد، ويشير كبير الاقتصاديين في وزارة المالية الهندية، كوشيك باسو، إلى أن هذا قد يرجع بشكل جزئي إلى حقيقة أن القانون يعامل الراشي والمرتشي كمجرمين على قدم المساواة وهو ما يجعل من الصعوبة بمكان تحجيم أعمال الموظفين الفاسدين، لأن من يعطي رشوة يكون قد انتهك القانون أيضاً، وإذا ما تقدم هذا الأخير بشكوى فإنه يجازف، أو على الأرجح، فإنه سيضطر إلى دفع رشوة أخرى إلى رجال الشرطة. ويجادل الاقتصادي باسو في ورقة استفزازية تستند إلى نظرية اللعبة بضرورة طرح تشريع من شأنه إضفاء قدر من الشرعية على نوعيات معينة من عمليات تقديم الرشوة، وقد أثار هذا الاقتراح موجة استياء عارمة في الهند ظهرت بقوة على شاشات التلفاز التي شرعت في مناقشة الاقتراح عبر الأوساط المختلفة.

غير أن كبير اقتصاديي وزارة المالية الهندية، باسو، يوضح أن تقديم رشوة إلى الموظفين يجب أن يظل عملية غير شرعية مع استثناء ما وصفها بـ»رشوة المضايقة» التي يقدمها شخص من أجل نيل ما هو حق له، وفي مثل تلك الحالة يرى باسو أن الراشي يجب أن يُعفى من المثول أمام القضاء وأن تعاد إليه أمواله مع إنزال العقوبة بحق الموظف المرتشي فقط، وهو يعتقد أن مثل تلك الخطوات ستؤثر في الطرفين كما أن الراشي سيشعر بثقة من أجل تقديم شكاوى وتشجعه على توثيق أدلة إدانة تتعلق بعملية الرشوة, إضافة إلى أن الخوف من أن يتعرض الموظف للمساءلة سيدفعه إلى توخي الحذر إزاء طلب رشوة في المقام الأول.

هذه العملية تبدو واعدة من الوجهة النظرية, غير أن إجراءات التقاضي في المحاكم الهندية بطيئة للغاية، ويرى البعض أن صعوبة متابعة قضية رشوة ضد موظف قد تعني إقدام قلة فقط على التقدم بشكاوى، وبذلك ستزداد حالات الرشوة، ومن هذا المنطلق يمكن القول إن محاربة الفساد تحتاج إلى أكثر من مجرد فكرة بارعة بغية تحقيق النتائج المرجوة.

السابق
بنك إنكلترا المتنافر
التالي
هل خسرت كوبا فرصتها الأخيرة؟