اللواء: إنتكاسة تضرب التوافق على التشكيلة وكونيللي تكرر مطالبها من الحكومة الجديدة

انحسرت موجة التفاؤل، وغطى غبار داكن سماء المشهد السياسي اللبناني: حكومياً، رسمياً وروحياً، فما كاد اللبنانيون يلتقطون نسائم الليلة الماضية التي هبت بتأثير من حركة الاتصالات الكثيفة لتثبيت الارادة السياسية بتشكيل حكومة ترضي الرئيس المكلف وتحظى بثقة التحالف الاكثري الجديد الذي أتى به رئيساً مكلفاً، حتى سرعان ما تلاشى رذاذ التفاؤل، وانتقل الرأي العام من <صدمة التراجع> عن التفاهمات الحكومية، الى <صدمة ما بعد القمة الروحية> والبيان الذي صدر عن رئاسة المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى وفيه <ان رئاسة المجلس ليست معنية بما ورد خاصة في البند السادس من البيان الختامي للقمة>، والذي نص على <تأكيد سيادة لبنان وحريته واستقلاله وحق الدولة في تحرير اراضيها التي تحتلها اسرائيل الخ··>·
وتحفظ المجلس الشيعي حول هذه الصيغة التي تسقط الحق بالمقاومة، مقترحاً مكانها الصيغة التالية: <حق لبنان في تحرير ارضه حتى يشمل بذلك حق الجيش والشعب والمقاومة في تحرير الارض، خاصة واننا في ظل فقدان الدولة للقدرة والقوة في الدفاع عن نفسها، والذي ما يزال البعض يعتبر ان قوة لبنان في ضعفه>·

وكان البيان الرئاسي الشيعي تحفظ ايضاً على البند السابع بما يتعلق بعبارة <حل الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي>، مقترحاً عبارة <حل الصراع العربي – الاسرائيلي>، من دون ان يطبع هذا الاقتراح في البيان الرسمي للقمة·

في هذا المشهد المضطرب، تضاربت التفسيرات بعد ان اضيف اليها ما اعتبرته الاكثرية الجديدة <تزحيطة اميركية>، حول اسباب ما حدث ومن هي الجهة التي تتحمل المسؤولية، حيث سارت الامور عكس ما تشتهي السفن الوفاقية·

وكانت السفيرة الاميركية مورا كونيللي التي اجتمعت مع الرئيس المكلف نجيب ميقاتي قالت في بيان وزعته ان الولايات المتحدة ترى <ان المجتمع الدولي سوف يقيم علاقته مع اي حكومة جديدة في لبنان على اساس تركيبة مجلس الوزراء المقبل، والبيان الوزاري والاجراءات التي سوف تتخذها الحكومة الجديدة في ما يتعلق بالمحكمة الخاصة بلبنان والتزامات لبنان الدولية الاخرى>·

واعتبر مصدر واسع الاطلاع ان ما حصل على جبهة القمة الروحية والحكومة هو اكبر من انتكاسة واقل من انهيار، كاشفاً عن توقيف الاتصالات وعدم مجيء <الخليلين> النائب علي حسن خليل والحاج حسين الخليل مع الوزير جبران باسيل للقاء الرئيس ميقاتي أمس، بحسب ما كان متفقاً عليه، اعتراضاً على ما تردّد عن سحب الرئيس ميشال سليمان موافقته المبدئية على العميد مروان شربل، فضلاً عن عدم إرسال الكتل الثلاث <التنمية والتحرير> و?<الاصلاح والتغيير> و?<الوفاء للمقاومة> أسماء الشخصيات المقترحة لتولي الحقائب، اعتراضاً أيضاً على رغبة الرئيس المكلف باقتراح ثلاثة أسماء لكل حقيبة، بالإضافة إلى تحرك الشياطين بعدما دخل البحث في التفاصيل وتمسك العماد ميشال عون بالحقائب التي كانت لديه، واهمها الاتصالات والطاقة، والتي يرغب الرئيس ميقاتي بأن تكونا من غير حصته·

وفهم أن موقف الخليلين وباسيل، جاء بعدما اجتمعا مع العماد ميشال عون في الرابية ظهراً، حيث اتفق على عدم إعطاء أي جواب على المقاربات التي طلبها الرئيس ميقاتي·

شيطان التفاصيل وقال مصدر واسع الاطلاع لـ?<اللواء> أن الاتفاق على هيكل الحكومة لم يحجب جزئيات التفاصيل وتعقيداتها، خصوصاً على مستوى التوزيع الطائفي للحقائب الرئيسية ومن ثم التوزيع الاسمي، وهما عنوانان خلافيان نسبياً وسيشهدان مزيداً من التجاذب، وأشار إلى أن الاتفاق على وزارة الداخلية لم يقد بعد الى إنضاج الحكومة، اذ تبين ان استيلادها لا يزال في حاجة إلى استكمال المشاورات والخوض في تفاصيل تكمن فيها شياطين كثيرة·

واستدرك المصدر قائلاً أن كل المؤشرات، من الاتصالات المتواصلة إلى الحراك الدبلوماسي في اتجاه الرئيس المكلف وبينهما استجلاء المناخ السوري والحاجة الملحة إلى معالجة أزمات اقتصادية واجتماعية مرتقبة وشديدة الوطأة، تفيد أن الحكومة اضحت في المخاض الأخير بعد 106 أيام من المد والجزر، الا في حال تبين أن التفاصيل التي يفترض أن تكون أقل حدة في التجاذب الحاصل سيجري توظيفها لتمديد حال الترقب والانتظار·

وكشف المصدر أن الرئيس ميقاتي طلب من الخليلين والوزير باسيل، عندما التقاهم مساء أمس الأوّل اجابات محددة، لكن الثلاثة لم يأتوا، مشيراً إلى أن الرئيس المكلف لا يزال ينتظر هذه الإجابات، رغم انه يُدرك أن هناك محاولات من قبل البعض للامساك بالمفاصل الأساسية للحكومة، فضلاً عن محاولات القضم بالمفرق، بعد فشل محاولة القضم بالجملة، ملاحظاً بأن الطريقة التي تم من خلالها تسريب الأسماء المقترحة لتولي حقيبة الداخلية، كان القصد منها العرقلة، من خلال الايحاء بنظرية <الوديعة> التي سبق لرئيس الجمهورية ان أعلن رفضه لها·

<نقزة> سليمان ولفت المصدر إلى أن الرئيس سليمان الذي شعر <بنقزة> تجاه عملية التسريب، طرح مسألة التفاهم على <السلة الكاملة>، لادراكه أن طرح مسألة الداخلية ليست هي العقدة الأساسية، بقدر ما يكمن في التفاهم على الحقائب الأخرى، والهيكلية العامة للحكومة، خصوصاً بعدما طرح العماد عون ان تكون حصته في التشكيلة عشرة وزراء من دون النائب طلال أرسلان بحيث يكون هذا الأخير <الوزير الوديعة>، أي الحادي عشر، في مقابل عشرة وزراء لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والنائب وليد جنبلاط، و9 وزراء لحزب الله وحركة أمل والحزب السوري القومي الاجتماعي وحلفائهم·

وكشف مصدر قريب من <التيار العوني> أن أحد وجوه التعثر مسألة إسقاط الأسماء على الحقائب، إذ يُصرّ الرئيس ميقاتي على أن يتقدم التكتل بثلاثة مرشحين لكل وزارة على أن يختار منها، في حين تصر قيادة التيار على اتباع آلية التفاوض ذاتها التي اتبعت في أثناء تشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري أي أن يختار التيار وزراءه بلا تدخل أو وصاية·

ورأى ان الاصرار على مخالفة هذه الآلية من شأنه ان يضفي تعقيدات البلد في غنى عنها·

ولفت الى ان ثمة من يلمّح الى رغبته في التنصل من الاتفاق على اسم وزير الداخلية لمعطيات أو خلفيات استجدت بعد التوافق تتعلق بحسابات سياسية أو مناطقية، او لغياب ارادة فعلية للتشكيل وهو الامر الذي سبق ان حذر منه العماد عون·

وعلمت <اللواء> ان ثمة تنافسا على وزارة الاتصالات بين الرئيس المكلف الذي سمى عددا من المرشحين منهم الرئيس الاسبق لمجلس ادارة هيئة أوجيرو فؤاد حمدان (سني من اقليم الخروب) والوزير الاسبق موريس صحناوي ونقولا نحاس، وبين تكتل الاصلاح والتغيير الذي يصر على الاحتفاظ بهذه الحقيبة من غير ان يحسم امر بقائها مع الوزير شربل نحاس، وخصوصا بعدم تردد في الساعات الاخيرة انها قد تكون من حصة النائب سليمان فرنجية الذي سبق ان سمى النائب سليم كرم كمرشح عن تياره·

وتبلّغ الرئيس المكلّف مساء أمس من الوزير غازي العريضي الذي زاره مجدداً، عودة النائب جنبلاط من دمشق، بعدما التقى هناك اللواء محمد ناصيف وعدداً من الأصدقاء، حيث كان نقاش عام في كل القضايا بما فيها العلاقات اللبنانية – السورية·

وذكرت معلومات خاصة بـ <اللواء> أن جنبلاط لمس ارتياح المسؤولين السوريين للوضع في سوريا، لكنهم أبدوا انزعاجاً من تأخير تشكيل الحكومة في لبنان، رغم ادراكهم للأسباب الحقيقية لهذا التأخير·

وأبدت مصادر متابعة انزعاج الرئيس المكلّف من طريقة إثارة السفيرة الاميركية للوضع الحكومي، بالرغم من أنها لم تبحث هذا الموضوع مع الرئيس ميقاتي سوى لماماً، ومن خلال سؤاله فقط عن الموعد الذي يتوقعه لولادة الحكومة، مشيرة إلى أن البحث اقتصر على الوضع في المنطقة وسوريا·

القمة الروحية أما بالنسبة إلى القمة الروحية التي انعقدت أمس في بكركي، فقد كشفت مصادر المشاركين فيها، أن ورقة العمل التي تقدم بها مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني والتي تضمنت مقترحين، الأول بتشكيل هيئة حكماء لحل الخلافات السياسية، وتوقيع وثيقة عهد على مستوى القيادات الروحية في لبنان والدول العربية، بقيت موضع دراسة في قمم لاحقة في حال تم الاتفاق على ذلك، نافية أن يكون نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان قد تحفظ على البيان الختامي للقمة، ولا سيما بالنسبة الى البندين السادس والسابع، مشيرة إلى أن التحفظ على البيان جاء بعد انتهاء القمة، وأن المداخلات من رؤساء الوفود ناقشت بنود البيان وتم الاتفاق عليها بإجماع الحاضرين·

لكن مصادر المجلس الشيعي لفتت إلى أن العديد من رؤساء الطوائف لا سيما الكلدان والاشوريين والارمن لم يكونوا على علم مسبق بفحوى البيان الختامي، وهم اعربوا عن انزعاجهم لعدم وضعهم في اجواء بنوده لكي يكونوا على بيّنة من النقاط التي ستكون مدار نقاش·

وقالت ان مسودة البيان الاول الذي وزع لابداء الرأي والملاحظات كان مليئاً بالالغام والافخاخ وقد عملنا قدر المستطاع على فكفكة هذه الافخاخ ووضعنا ما اعتبرناه تعديلات ضرورية تتوافق والمصلحة العامة، وقد استغرقت قراءة المسودة حوالى الاسبوع، وانتهى ذلك الى صياغة بيان قبل 36 ساعة من انعقاد القمة وقد قرأناه حرفاً حرفاً وأرسلنا الملاحظات التي تحمل التاريخ والجهة المرسلة، وابلغنا انه تم الأخذ بهذه التعديلات، غير اننا فوجئنا داخل قاعة القمة اننا امام بيان آخر·

وكشفت هذه المصادر عن ان البند السادس والسابع المتعلقين بحق الدولة في الدفاع عن الارض، والصراع الفلسطيني – الاسرائيلي قد أخذا حوالى ساعتين من النقاش حيث طلب الشيخ عبد الامير قبلان بأن يعدل البند السادس بحيث يصبح من حق لبنان الدفاع وليس حصر ذلك بالدولة لان في ذلك اسفافاً لحق المقاومة والشعب، وفي ما خص البند المتعلق بالصراع الفلسطيني – الاسرائيلي يعدل ليكون الاصراع العربي – الاسرائيلي لان هناك اراض ما تزال محتلة في الجولان وفي لبنان وما الى هنالك، غير ان النقاش انتهى على النحو الذي صدر فيه البيان، وقد انتهى النقاش بإبداء المفتي حسن مواد تحفظ المجلس الشيعي على هذه الصيغة·

ولم يغب الهم الحكومي عن القمة الروحية، حيث ناشد المجتمعون المسؤولين السياسيين تأليف الحكومة اليوم قبل الغد على الاسس والقواعد الميثاقية والدستورية بما يمكنها من أداء دورها في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة التي يمر بها لبنان والمنطقة العربية·

وأعاد القادة الروحيين تأكيدهم على الثوابت الوطنية، ولا سيما التأكيد على الوحدة الوطنية بين اللبنانيين والتحذير من حال التشرذم الداخلي، واعتبار الدولة مصدر قوة للبنانيين جميعاً والحاضنة لهم، والتزام ثقافة الحوار وتعزيز الانتماء الوطني والاحتكام الى المؤسسات الدستورية دون سواها لمعالجة اي خلاف والاعتماد على الجيش اللبناني وعلى قوى الامن الشرعية وحدها للمحافظة على الامن والاستقرار ومكافحة الارهاب والجريمة المنظمة·

السابق
السفير: “شيطان التفاصيل” يربك “الروحية” … و”الداخلية”
التالي
أيها اللبنانيون: أين هو سعد الحريري؟