البناء: القمة الروحية تنتهي ببيان مفخَّخ والمجلس الشيعي يعترض

لم تكتمل الحلقة النهائية لعملية تشكيل الحكومة بالسرعة التي كان قد تحدث عنها أو توقعها البعض فما حكي عن تجاوز عقدة الداخلية لم يشكل الحل النهائي للأزمة القائمة بسبب بروز تباينات وتحفظات أبرزها حول حقيبة الاتصالات التي سقطت بدورها في فخ التجاذب، ما حمل المعنيين على إجراء المزيد من الاتصالات لمعالجة هذا الخلاف في إطار السلة المتكاملة للتشكيلة الحكومية.

وقالت مصادر مطلعة لـ«البناء» إنه وعلى الرغم من الاتفاق على اسم وزير الداخلية التوافقي العميد مروان شربل، فإن الأمور عادت والتبست مساء وبقيت بحاجة إلى مزيد من المشاورات، لأن هناك ترابطاً متكاملاً بين معالجة هذه العقدة والاتفاق الكامل على باقي التشكيلة.

وقالت المصادر، إن الأخذ والرد حول السلة الكاملة يمكن أن يؤدي إلى إحداث تغييرات في توزيع عدد من الحقائب، وهذا هو السبب الذي أدى إلى بروز تباينات في هذا المجال، مع العلم أن أبرز هذه التباينات التي ظهرت هو الخلاف على وزارة الاتصالات، حيث شدد عون على التمسك بها معتبراً أن حقيبة الداخلية لا تحسب من حصته، بينما يحاول رئيسا الجمهورية والحكومة ألا تكون من حصة التيار الوطني الحر.

وقد جرت اتصالات مكثفة لتدارك هذا الموضوع بالسرعة الممكنة، إلا أن الموضوع لم يحسم حتى مساء أمس على أن تستكمل المشاورات في الساعات المقبلة.

معلومات البناء: سليمان فوجئ
وفي معلومات موثوق بها وخاصة بـ«البناء» أن رئيس الجمهورية ميشال سليمان لم يكن بداية موافقاً على شربل لأسباب غير واضحة، لكنه عاد وأعلن موافقته عليه فجأة ما أوحى بأن العقدة قد حلت. ليستيقظ شربل أمس على وقع اتصالات كثيفة تبلغه بأن التعطيل عاد إلى حاله وأنه لن يكون وزيراً توافقياً لحقيبة الداخلية.
وتناقضت أسباب الاعتراض الواردة إلى شربل ومن بينها التحذيرات التي تلقاها العماد ميشال عون من وقوف شربل موقف العاجز في غرفة العمليات المركزية للانتخابات النيابية السابقة التي كان رئيسها، إزاء المخالفات والشكاوى، ولا سيما قضية الرشوة والمال الانتخابيين اللذين كانا وراء حرمان المعارضة السابقة من الفوز بالأكثرية النيابية، ولا سيما أن الوزير زياد بارود كان وراء طرح اسم شربل للتوافق على حل عقدة الداخلية، ومن جهة أخرى قيل إن رئيس الجمهورية أُعلم بأن أبناء شربل من المنتسبين إلى التيار الوطني الحر وأن أحد أبنائه وهو مهندس ميكانيك في إحدى شركات السيارات هو من منظمي النشاطات والتظاهرات العونية.
من ناحية ثانية، علمت «البناء» أن الرئيس سليمان اتصل في وقت متأخر من ليل أمس بالرئيس المكلف نجيب ميقاتي ليبلغه بأنه تعرض إلى ما يشبه الخديعة في ما يتعلق بالعميد شربل، الذي أخفى عن الجميع انتماء أفراد عائلته السياسي وزيارات سرية كان يقوم بها لعون في الرابية، فطلب منه ميقاتي مصارحة شربل بهذه الأمور أو تكليف بارود مصارحته بها، وانتهى الاتصال عند هذا الحد.

واشنطن على الخط
وبرز أمس الدخول الأميركي المتجدد على خط العرقلة والتعطيل ومن باب السفارة في بيروت بعد لقاء للسفيرة مورا كونيللي مع الرئيس ميقاتي، حيث أفاد بيان صادر عن السفارة أن الولايات المتحدة «ترى أن المجتمع الدولي سوف يقيم علاقته مع أي حكومة جديدة في لبنان على أساس تركيبة مجلس الوزراء المقبل، والبيان الوزاري، والإجراءات التي سوف تتخذها الحكومة الجديدة في ما يتعلق بالمحكمة الخاصة بلبنان والتزامات لبنان الدولية الأخرى». ولفت البيان إلى أن «الولايات المتحدة تأمل أن تصان عملية تشكيل الحكومة من التأثير الخارجي»، مشيراً إلى أن «الولايات المتحدة تدعم سيادة لبنان واستقراره وازدهاره، وتدعو الحكومة اللبنانية المقبلة إلى توفير الاستقرار وتعزيز العدالة لشعب لبنان من خلال احترام اتفاقاته الدولية».
ولفت بيان السفارة إلى أن الحكومة التي تمثل حقاً مصالح شعب لبنان سوف تستمر في دعم ومؤازرة المحكمة الخاصة بلبنان».

…وفيلتمان مجدداً
وعلى الخط الأميركي أيضاً، اشارت صحيفة الوطن السورية أمس الى ان المراقبين في بيروت يتوقعون أن تقدم جهات دولية وإقليمية على زجّ عوامل ضاغطة في المسار السياسي اللبناني في توقيت يصفونه بالمفصلي في ضوء استمرار الفراغ الحكومي، والتوظيف الأميركي «الإسرائيلي» لمسار الحوادث في محيط لبنان العربي بغية محاولة تمرير مشاريع أوسطية مشبوهة تستهدف في جوهرها محور الممانعة والمقاومة.
وينظر المراقبون بحسب الصحيفة بريبة إلى ما تردد عن زيارة قريبة لبيروت يقوم بها مساعد وزيرة الخارجية الأميركية السفير جيفري فيلتمان، وهو الذي كان قد زار العاصمة الأردنية عمّان قبل نحو أسبوع. ويشيرون إلى أن زيارة المسؤول الأميركي، في حال صحت المعلومات عنها، تؤشر إلى منحى جديد في مسار الضغط على الداخل اللبناني، في 3 اتجاهات، أولها التخريب على الجهود التي تبذلها قوى «الأغلبية الجديدة» لتشكيل الحكومة، وسط معطيات جدية عن قرب إنجاز التأليف بعد مرور نحو 105 أيام على تكليف نجيب ميقاتي، وثانيها توظيف الحراك المستجد على خط المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بغية إعادة الضغط عليه من باب القرار الاتهامي في قضية اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، وثالثها، إعادة تحريك مفاوضات التسوية بين لبنان و»إسرائيل»، ولو من نافذة قرية الغجر الجنوبية، وهي نافذة صغيرة لكنها لا تمنع واشنطن من محاولة توظيفها في المسار التسووي، علماً أن السفير فردريك هوف، مساعد المبعوث الأميركي للسلام في الشرق الأوسط جورج ميتشل، سبق أن زار بيروت بعيداً من الإعلام الأسبوع الفائت وأثار تحديداً مسألة قرية الغجر وسط تعقيدات عدة أبرزها رفض سكانها الحلول المطروحة.

القمة الروحية
من جهة أخرى، انتهت القمة الروحية الإسلامية ـ المسيحية التي عقدت في بكركي أمس إلى تباين بسبب تفخيخ بندين مهمين في نص البيان الختامي، الأمر الذي جعل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى يعلن بعد صدور البيان أنه غير معني بهذين البندين حيث ورد في البند السادس حق الدول في التحرير وهو مصطلح يفترض أن يحل محله حق لبنان في التحرير وتجاهل البند السابع حالة العداء والصراع العربي ـ «الإسرائيلي» ليختصر الصراع بالصراع الفلسطيني ـ «الإسرائيلي» وقد تجاهل ضمناً حالة العداء بين لبنان و»إسرائيل» الأمر الذي أدى إلى هذا الاعتراض وبالتالي شوّه النتائج التي كانت متوخاة من القمة، وطرح علامات استفهام حول الاجتماعات المماثلة التي تحدث البيان عنها.

قبلان لـ«البناء»
وفي اتصال مساء أمس مع «البناء» حمّل نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان لجنة الحوار الإسلامي ـ المسيحي التي أعدت البيان المسؤولية التي كانت سبباً في تحفظ المجلس على البند السادس من البيان.
وإذ وصف المداولات التي جرت داخل القمة بالجيدة أسف لعدم الأخذ بالتعديلات التي طلبها الشيخ عبد الأمير قبلان في ما خص الفقرة المتعلقة بالصراع العربي ـ «الإسرائيلي» وكذلك بالفقرة المتعلقة بحق لبنان في الدفاع عن أرضه.
وسأل: هل كان يفترض أن نطلع على البيان كاملاً وبصورته النهائية قبل الصعود إلى بكركي؟

أوساط متابعة
ووفق أوساط متابعة لأجواء اللقاء فإن جدالاً ساخناً استمر لأكثر من ساعتين حول البند السادس موضوع الخلاف من دون التوصل إلى أي نتيجة، عندها أبدى القاضي حسن عواد باسم المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى تحفظ المجلس، وأضافت الأوساط، أنه ونتيجة لهذا التحفظ، أعطي وعد من قبل لجنة إعداد البيان بالأخذ بهذه التحفظات لإجراء التعديلات اللازمة إلا أن المفاجأة كانت بعدم إجراء أي تعديل على الفقرة موضوع الخلاف.

أوساط بكركي
في هذا الوقت سألت «البناء» أوساطاً مطلعة على أجواء بكركي، فأكدت أن مسودة البيان الذي صدر عن اللقاء هي نفسها التي اعتمدت للتلاوة أمام وسائل الإعلام، كما أكدت أن جو القمة كان في غاية الإيجابية والمودة بين المجتمعين ولم يعترض أي من الحضور على النقاط الواردة في البيان.
ونفت الأوساط أن تكون بكركي قد تلقت اتصالات أو مراجعات بعد انتهاء القمة بغية إدخال تعديلات على البيان أو حذف عبارات معينة منه، وأن أركان بكركي والبطريرك الراعي تحديداً فوجئوا بالمواقف المعترضة على النص من قبل مرجعيات دينية مشاركة، وأن الجميع علم بهذا الاعتراض من وسائل الإعلام بعد مرور ساعات على صدور البيان، وأن البطريرك طلب عندها الاطلاع على محضر الاجتماع شخصياً ليتأكد من وجود هذا الاعتراض بشكل أو بآخر، لكن المحضر كان خالياً من أي اعتراض أو تحفظ أو حتى اقتراح.
واستغربت الأوساط أن يُساء إلى القمة التي لاقت ارتياحاً عاماً لدى كل اللبنانيين، واعتبرت أن هذا الاعتراض جاء بمثابة انقلاب لإفشال أعمال القمة، وهذا الأمر كان يمكن لبكركي تفاديه عبر تجاوبها مع أي اقتراح وانفتاحها على أي تحفظ وعدم السماح أو القبول بصدور أي كلام مرفوض من قبل أي طرف، وجزمت الأوساط بأن البيان ما كان ليصدر بالصيغة التي صدر بها لو كان هناك أي اعتراض على مضمون البند السادس، فبكركي تفضل عدم ورود هذا البند، على وروده بالتلازم مع اعتراض إحدى المرجعيات عليه.

جنبلاط في دمشق
وأمس زار رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط دمشق يرافقه وزير الاشغال العامة غازي العريضي، والتقى أركان القيادة السورية بعد استقباله من قبل معاون نائب رئيس الجمهورية اللواء محمد ناصيف.
وفي معلومات دقيقة خاصة بـ»البناء» من دمشق، ان جنبلاط سمع من أركان القيادة السورية على كل المستويات، اكثر من التشجيع الكبير على التوصل الى تفاهم حول تشكيل حكومة لبنانية جديدة. بل سمع استياء سورياً عالي النسبة عن التعثر في تشكيل الحكومة. وان القيادة السورية اثنت على مواقف جنبلاط في هذا المجال متمنية عليه التدخل مع الأطراف المختلفين للتوصل الى حل للخلاف القائم والحائل دون ولادة حكومية سريعة.
كما علمت «البناء» أن جنبلاط وضع القيادة السورية في أجواء تخوفه من انعكاس التعثر في تشكيل الحكومة، على الاستقرار الداخلي في لبنان كما على الوضع الاقتصادي، معبرا عن ضرورة تضافر كل الجهود للدفع باتجاه حل أزمة الفراع الحكومي في هذه المرحلة التي لا تحتمل اي نوع من انواع التجاذبات الداخلية وسط الاخطار المحدقة بالمنطقة، والتي سيتضرر منها لبنان وسورية على حد سواء نظرا الى ترابط أمن البلدين ووجود ازمة في كليهما. لكن المعلومات اشارت الى عدم حصول اتفاق بين جنبلاط والقيادة السورية على التنسيق في الشان الحكومي اللبناني.

حردان
وفي المواقف أكد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان، في بيان بعد اجتماع لمجلس العمد في الحزب أمس، أن «ما تعرضت له سورية في الآونة الأخيرة، من أعمال فوضى وتخريب طاولت المؤسسات والممتلكات العامة، ومن استخدام للسلاح ضد عناصر الجيش وقوات الأمن، بتغطية إعلامية وسياسية دولية وعربية مضللة وغير مسبوقة، جاء في سياق مخطط خبيث استهدف سورية لإسقاط نموذج الدولة العربية، الممانع والمقاوم، لأن هذا النموذج، المعبِّر عن تطلعات الشعوب العربية الحية، يقلق الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها على مصير منظومتها العربية المهترئة، بعد تونس ومصر».
وشدد حردان على أن التدخلات الدولية السافرة في شؤون سورية الداخلية، هي اعتداء صارخ على دولة سيدة مستقلة.
وفي الشأن اللبناني، رأى حردان أن تأخير تشكيل الحكومة، ومهما كانت أسبابه، لم يعد مبرراً، فلبنان يواجه استحقاقات وتحديات كبيرة، وفي كل المستويات، ويحتاج إلى حكومة تتحمل مسؤولياتها الوطنية وتأخذ بيدها وعلى عاتقها التصدي لهذه الاستحقاقات والتحديات، خصوصاً في هذا الظرف الدقيق.

السابق
الانباء: هل باتت الحكومة الميقاتية على الأبواب بعد حل «عقدة الداخلية»؟
التالي
السفير: “شيطان التفاصيل” يربك “الروحية” … و”الداخلية”