أيها اللبنانيون: أين هو سعد الحريري؟

أين هو سعد الحريري؟
ليس خافيا أن الخروج الدراماتيكي للحريري من السلطة شكل صدمة قوية له، انعكست انفعالا في سلوكه الشخصي والسياسي، خلال المرحلة التي تلت إسقاط حكومته بالضربة القاضية، بعد استقالة وزراء المعارضة السابقة ومعهم «الوزير الملك» عدنان السيد حسين.

شعر الحريري، الذي وصله خبر نعي حكومته خلال اجتماعه في البيت الأبيض بالرئيس الأميركي باراك أوباما، بأن الولايات المتحدة لم تستطع أن تفعل شيئا في مواجهة 7 أيار السياسي الذي أخرجه من الحكم، تماما كما بدت عاجزة في 7 أيار الميداني حين تركته يواجه وحيدا قرار «حزب الله» الرد من خلال السلاح على محاولة ضرب السلاح، وكذلك الامر بالنسبة الى السعودية التي ظهرت في المرتين أضعف من مجاراة اللاعب السوري في الملعب اللبناني، لا بل كان جل همها في 7 أيار الأول أن تسحب سفيرها تحت جنح الظلام وعبر البحر!

وهكذا، لم يبق امام الحريري سوى ان يفجر غضبه في يوم الغضب الأسود الشهير الذي انقلب خلاله السحر على الساحر، قبل ان يعود وينظم صفوفه تحت راية «إسقاط السلاح» ورفض غلبته على الحياة السياسية اللبنانية، ليتبين له سريعا ان نزع السلاح ليس بالسهولة التي نزع فيها سترته امام جماهير 14 آذار في ساحة الشهداء وتحت الصورة العملاقة لولي الأمر الملك عبد الله، بينما كان عنوان المهرجان رفض وصاية الولي الفقيه!

اعتقد الحريري ان التصويب على نجيب ميقاتي سيكون أسهل، لا سيما انه جاء الى رئاسة الحكومة في ظروف سياسية صعبة، أعطتها قوى 14 آذار شكل الانقلاب على رئيس تيار المستقبل، وبالتالي على التوازنات الداخلية، الامر الذي كان ينبغي ان يسهل تهشيم صورة الرئيس المكلف في الطائفة السنية، على قاعدة اتهامه بخيانة الامانة والحلفاء والتبعية لحزب الله ومن يقف خلفه. ولعل الحريري ظن ان حملة منظمة تستند الى مثل هذه الأدبيات ستلهب الشارع السني وستؤدي الى أحد أمرين: إما دفع ميقاتي الى الاعتذار بعد استهلاك قدرته على التحمل، وإما إنهاكه مبكرا الى الحد الذي يجعله يقيم في السرايا ضعيفا، وآيلا الى السقوط في أي وقت.

لكن ميقاتي نجح بدهائه السياسي في احتواء العاصفة، ومن ثم باشر في هجوم مضاد ومتدرج، اعتمد استراتيجية القضم لا الاجتياح، الامر الذي قاده الى استعادة توازنه في الشارع واستعادة بريقه في المجلس الاسلامي الشرعي الاعلى، ساعده في ذلك ثباته وعناده في مفاوضات تأليف الحكومة، بحيث بدا أكثر تشددا من الحريري نفسه في مواجهة مطالب بعض أطراف الاكثرية الجديدة، وفي طليعتها العماد ميشال عون.

لاحقا، حصل ما لم يكن في الحسبان، واكتشف الحريري انه يكفيه ان يتفرج على خصومه وهم يتخبطون في عملية تأليف الحكومة، حتى يعاود رصيده السياسي نموه تلقائيا، من دون الحاجة الى بذل جهد استثنائي لإطلاق «ثورة مضادة» او لتمويل حملات إعلامية وسياسية مكلفة، في مرحلة يعاني فيها تيار المستقبل من نقص في السيولة.

لقد وفرت قوى الاكثرية الجديدة على الحريري حتى الآن عناء البحث عن نقاط الضعف في صفوفها، بعدما تبرعت له بالعديد منها، من دون أي مقابل، وغمرته بالتقديمات السياسية التي لم يكن يتوقعها، حتى أصبح يمكن القول ان كل يوم يمر من دون إنجاز التشكيلة الحكومية هو بمثابة هدية لزعيم «المستقبل» الغارق أصلا في هموم كبيرة، وفي هم «سعودي أوجيه» الكبير جدا.

لا يعني ذلك ان الحريري هو في أفضل حالاته هذه الايام، لكن الصورة المهزوزة التي ظهرت بها الاكثرية الجديدة بعد أشهر من ولادتها ساهمت في التخفيف من وطأة المأزق عليه، وأتاحت له فرصة تأجيل مواجهته.
يمضي الحريري منذ فترة إجازة شخصية مع عائلته في السعودية، مبقيا خطوط الهاتف مفتوحة مع مستشاريه وبعض نوابه في بيروت لمواكبة اليوميات (انتقل كثيرون منهم في الأيام الأخيرة الى الرياض لمقابلته بالاضافة الى مسؤول غير مدني)، مترقبا المسار النهائي الذي ستسلكه أحداث سوريا لإدراكه انه إذا أراد ان يعرف ماذا يمكن ان يفعل في بيروت فعليه ان يعرف أولا ماذا سيحصل في دمشق. ثم انه ينتظر ايضا ولادة الحكومة الميقاتية، ليس حبا فيها، بل رغبة في استعادة الحيوية المفقودة، لان الانتقال الى موقع المعارضة لن يكتمل قبل تأليف حكومة، تتيح لفريق 14 آذار البدء في استعراض مواهب أعضائه، كمعارضين مكتملي الجهوزية.

وإذ يؤكد المقربون من الحريري ان غيابه الموقت عن المشهد السياسي والاعلامي كان مرتبطا بحاجته الى أخذ قسط من الراحة، يلفتون الانتباه الى ان توقيت إجازته جاء في الظرف المناسب، لان المبادرة الآن ليست في يده، وهو ينتظر شكل ومضمون الحكومة المقبلة، حتى يبني على الشيء مقتضاه، مشددين على ان تيار المستقبل مستعد لمنح الحكومة الثقة، حتى لو كان خارجها، شرط ان تلتزم في بيانها الوزاري بالمحكمة الدولية ورفض غلبة السلاح وتنفيذ قرار طاولة الحوار سحب السلاح الفلسطيني خارج المخيمات.

ويعتبر هؤلاء ان تراجع حرارة شعار التصدي لـ«غلبة السلاح» ناتج بدوره عن عدم وجود حكومة أصيلة، يُفترض ان تكون المعنية بالرد على هذا المطلب لقوى 14 آذار. كما ينفي المقربون من الحريري ان يكون ابتعاده عن الاضواء يُضمر انتظارا لصدور القرار الاتهامي ورهانا عليه من أجل قلب المعادلة الداخلية المستجدة، مشددين على ان مضمون القرار او توقيت صدوره ليسا جزءا من الحسابات السياسية لرئيس تيار المستقبل الذي لا يهمه سوى الوصول الى الحقيقة والعدالة، بما يتجاوز إطار المكاسب الضيقة.

وتستغرب اوساط الحريري ان يربط البعض في 8 آذار التعديلات التي أدخلها المدعي العام الدولي القاضي دانيال بيلمار على القرار الاتهامي بخلفيات تآمرية تستهدف سوريا أو غيرها، معتبرة ان أصحاب نظرية المؤامرة يتجاهلون ان بيلمار يحمل صفتين، هما المدعي العام والمحقق، وبالتالي فهو ما زال يمارس دوره كمحقق معني بأن يمد قاضي الاجراءات التمهيدية دانيال فرانسين بأي معطيات جديدة يكتشفها.

السابق
اللواء: إنتكاسة تضرب التوافق على التشكيلة وكونيللي تكرر مطالبها من الحكومة الجديدة
التالي
الاخبار: القمّة الروحيّة تنقسم… سياسيّاً