أسطورة بن لادن بعد رحيل بن لادن

هل شاهدتم أيها القراء الأعزاء الفيلم الألماني «بادر مينهوف كومبليكس»، الذي يروي قصة الجماعة الإرهابية المسماة «الجيش الأحمر» خلال فترة السبعينات في ألمانيا؟ لقد كان في الفيلم مشهد مثير للاهتمام، وهو الذي يوضح كيف استطاعت السلطات القبض على الرعيل الأول من الجماعة، الذي تورط في سلسلة من الهجمات الإرهابية الدموية التي أودت بحياة نحو 30 إنسانا بفضل استراتيجية هورست هيرولد، رئيس جهاز الشرطة الماهر. وعلى الرغم من إلقاء مؤسسي التنظيم في السجن، جذب التعاطف في أنحاء البلاد، وسرعان ما ظهر الرعيل الثاني الذي أصبح أكثر تطرفا. وطرح مساعد هيرولد عليه سؤالا، مذهولا من هذه الظاهرة، عن الدافع الذي يوجه هؤلاء الشباب الذين استمروا في تكوين خلايا إرهابية جديدة. فأجاب هيرولد، وهو ينظر من نافذة مكتبه، مدركا أن ما يتعامل معه ليس سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد المغمور: «إنها الأسطورة التي نجحوا في خلقها».

لقد كان هذا هو المشهد الذي خطر ببالي عندما سمعت نبأ مقتل أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة. ومنذ ذلك الحين، كتب آلاف من المحللين حول العالم عن الأمر، في محاولة للتكهن بما يمكن أن يحدث. مع ذلك اخترت أن أفسر كيف نجح بن لادن في جذب الكثيرين في العالم الإسلامي، خاصة الشباب، بمعنى: كيف نمت وتطورت أسطورة بن لادن بهذه السرعة؟

في ثقافة دول الشرق الأوسط، تتهم النخبة الحاكمة اليوم بانتهاج نمط حياة يشبه الفراعنة. لقد أرهق القمع أو الاضطهاد الناس العاديين، لكن أكثر ما يزعجهم ليس سوء إدارة شؤون البلاد أو استغلال النفوذ السياسي من خلال أساليب حكم استبدادية أو شبه استبدادية، بل الرشاوى والفساد المقنن.

هل تتذكر على سبيل المثال أن ثورة الياسمين اندلعت في تونس عندما رفض محمد بوعزيزي، البائع الجائل الذي كان يبلغ من العمر 26 عاما، إعطاء رشوة إلى شرطية وأضرم النيران في نفسه احتجاجا على مصادرة معداته؟
في ظل هذا المناخ السياسي والاجتماعي، تلقى قصة حياة بن لادن قبولا لدى الكثير من الشباب المسلم.. لقد أضفى على تخلي بن لادن عن الثروة من أجل قضية الإسلام والأمة جاذبية، باعتباره مثلا أعلى. فعلى الرغم من تاريخه الدموي من الأعمال الإرهابية، الذي يجعله مجرما في نظر الغرب، من المثير أن يُعرف بن لادن بين أتباعه بأنه «واحد منهم». لقد تبنى نمط حياة السلفيين، على حد رواية الصحافيين الذين تمكنوا من رصد طريقة حياته؛ حيث قالوا إنه إنسان متواضع. وكذلك يوصف بأنه رقيق الكلام وطيب القلب ومضياف. ويشير الكاتب الباكستاني أحمد زيدان في كتابه «بن لادن من دون قناع» إلى أنه لم يكن يسعى لإمامة المسلمين أثناء الصلاة، كما يتوق الكثير من المسلمين، للشعور بالنفوذ والسلطة، بل كان على العكس يفضل الصلاة في الصفوف الخلفية مع مساعديه. ويأتي على القدر نفسه من الأهمية التي تتسم بها تلك السمات الشخصية، كيفية رؤية المسلم للعالم. هناك صفتان مهمتان تشكلان عقلية المسلم، خاصة في الشرق الأوسط، الأولى: فكرة أن تكون الطرف الأضعف في الثقافة السياسية الإسلامية، التي تظهر من خلال موقف العالم الإسلامي تجاه العالم المسيحي. الثانية: هي الشعور بالازدراء الذي يغذيه غياب الأمل. هذا الاشمئزاز كان هو السبب الرئيسي الذي يدفع بشباب المسلمين من ميسوري الحال إلى حدٍّ ما لتنفيذ عمليات انتحارية أو استشهادية. هل تفهم الآن لماذا يوجد الكثير من الأطباء والمهندسين العرب بين المتمردين العراقيين؟

نجح تنظيم القاعدة وبن لادن في استغلال هذه العقلية بفاعلية لإضفاء الشرعية على قضيته ولجوئه إلى استخدام القوة. وعلى عكس الآراء التي يزعم تنظيم القاعدة أنه يؤمن بها، طالما كان الهدف الأسمى له سياسيا صرفا. إن السر يكمن في الاستراتيجية التي يتبناها ليحوز قبول الكثير من الشباب المسلم وتجنيد مؤيدين أو إضفاء الشرعية على فكرة الجهاد العالمي. لقد كان للتنظيم الكثير من التطلعات السياسية الواضحة، أهمها: تغيير النظام في دول الشرق الأوسط؛ لذا يمكن القول بإيجاز: إن التنظيم كان بمثابة أمل بالنسبة إلى بعض المسلمين العاديين الذين كانوا يبحثون عن تغيير حقيقي. ومن الرائع أن يثبت ما يسمى «ربيع الثورات» وجود بدائل أخرى. لكن يشعر الكثير من المسلمين، الذين يعتقدون أنهم ضحايا الغرب الذي يتحرك سياسيا في معالجة المشكلات القديمة مثل الصراع العربي – الفلسطيني، أن معنى العدل، كما يرونه، يهاجم على المستوى الدولي. بالنسبة لتنظيم القاعدة أو أي تنظيم إرهابي آخر، ما زالت فلسطين عاملا يحفز حشد العالم الإسلامي بأكمله.

ترجمة الشرق الاوسط

السابق
الشرق الاوسط: المجلس الشيعي الأعلى اللبناني يحتج على بيان قمة بكركي
التالي
الانباء: هل باتت الحكومة الميقاتية على الأبواب بعد حل «عقدة الداخلية»؟