نظرة الى مصر بعد مبارك

 الآن، ومصر في بدء عهد جديد في تاريخها، يمكن ان نوجه نظرة الى تعقيدات مصر الجديدة لنفهم ما قد يحدث هناك.
ما تزال روح الثورة من ميدان التحرير حية، لكن المتظاهرين بعيدون عن مراكز القوة في أروقة الحكم. إن أفكارا ثورية سُمعت في الميدان – الحكومة يجب عليها ان تخدم الشعب لا بالعكس؛ والحكام يجب ان ينتخبهم الشعب؛ وحقوق مواطنة للجميع – دخلت قلوب جزء كبير من مواطني الدولة ولا سيما الشباب. قد تُحدث هذه الافكار العجائب في الأمد البعيد، لكن من يتمسكون الآن بهذه الافكار لا ينتمون الى مجموعة الاشخاص الذين يتولون السلطة.
* * *
يبدو ان النظام العسكري سيظل يحكم مصر. لم يتولَ الجيش الحكم مع انصراف حسني مبارك، فقد فعل الجيش ذلك في 1952 عندما أسقط انقلاب عسكري برئاسة "الضباط الأحرار" الملكية الدستورية. منذ ذلك الحين حكم مصر عسكري بعد عسكري – محمد نجيب وعبد الناصر والسادات ومبارك والجنرال الطنطاوي الآن. ومع مرور الوقت وسع الجيش قبضته من المجال السياسي الى الاقتصادي – فالجيش اليوم مسؤول عن انتاج أكثر المنتوجات المصرية، من هوائيات التلفاز الى استخراج زيت الزيتون. اعتاد الجيش القوة والحياة المرفهة التي تثمرها وسيصعب عليه أن يتخلى عن هذه الملذات. سيفعل الجيش كل ما يجب للحفاظ على قوته ولا يهم هل يحاكم مبارك وأبناء عائلته أم يُغيّر الدستور أم يقمع بالقوة مقاومة السلطة العسكرية.
* * *
ينبغي أن نقول ان الجيش ليس علمانيا تماما. نشأت حركة "الضباط الأحرار" من الذراع العسكرية للاخوان المسلمين ولها توجه اسلامي حتى اليوم. من جهة ثانية يفترض ان تخيف حركة الاخوان المسلمين أقل مما يُنسب اليها.
تعاني الحركة مشكلات تنظيمية كبيرة – فالحركة ليست في الحقيقة حركة شعبية كبيرة بل هي في الأساس منظمة يحكمها قادة مدللون. والاخوان المسلمون يتعرضون لانتقاد جماعات اسلامية أكثر تطرفا مثل القاعدة التي تسخر من ضعف الاخوان المسلمين وتزعم انها في مصر "حركة علمانية تُنسب خطأ الى الاسلام".
في واقع الامر، المجال السياسي في مصر يكثر فيه اللاعبون المزدوجون (كالعالم السياسي في العراق وسوريا). الى الآن يتعاون الجيش والاسلاميون مثلا على الأقليات الدينية مثل الأقباط وفي مواجهة القوى الديمقراطية الحقيقية عند الشباب.
على سبيل المثال أباحت القيادة العسكرية الجديدة للاسلاميين انشاء احزاب والافراج عن فريق من اعضاء الاخوان المسلمين من السجون بعد أن جرت محاكمتهم في عهد مبارك؛ وفي مقابل ذلك امتدح قادة الاخوان المسلمين نشاط الجيش منذ أُبعد مبارك وعبّروا عن تأييد استفتاء الشعب الذي يفترض ان يتم برعاية الجيش.
من جهة ثانية، يحسن الجيش استغلال خوف المواطنين والعالم من الاخوان المسلمين والاسلاميين – فالجيش باسم الخوف في الداخل والخارج من سيطرة اسلامية لا يسوغ فقط استمراره في حكم مصر بل في اعمال قاسية في مواجهة معارضيه. تعلم الجيش اللعبة منذ ايام مبارك نفسه. فعلى سبيل المثال سمح مبارك بدهاء لـ 88 ممثلا للاخوان المسلمين بأن يُنتخبوا لمجلس الشعب في سنة 2005. وبهذا عرض على الجمهور وعلى العالم الخطر الكامن لمصر، وجعل استبداده ضروريا؛ وبعد أن أوضح الوضع مكّن مندوبا واحدا فقط للاخوان المسلمين أن يُنتخب لمجلس الشعب في 2010.
في الخلاصة، في حين ستظل تهب على مصر رياح التقدم من ميدان التحرير ورياح اسلام الاخوان المسلمين – يبدو ان الجيش هو الذي سيستمر في حكم مصر مع تغييرات تجميلية في الظاهر. 

السابق
دولة ألترمان
التالي
حدود الجدل