عربصاليم: مشاريع تنقل الإقليم من ‘التفاح’ إلى السياحة

يخيل للناظر البعيد أنها بلدات معلقة بين الأرض والسماء، فالغيوم تمر بين الناس والسيارات والأشجار، وقطرات الندى تبعثر ذرات الهواء البارد في بلدات إقليم التفاح، حيث البيئة هناك نوع آخر، بيئة نحتاجها اليوم، نظيفة بعيدة عن كل أنواع التلوث، تتكامل مع مشروع بيئي سياحي في بلدة عربصاليم بمنحة من الإتحاد الأوروبي

لم يكن اختيار إتحاد بلديات إقليم التفاح لإقامة مشروع سياحي بيئي، وليد فكرة جديدة، فهذه المنطقة معروفة منذ القدم بجمال طبيعتها، وصحة بيئتها، إذ تصنّف وزارة البيئة بعض من بلداتها ضمن "أماكن السياحة البيئية". إضافة إلى الكثير من معالمها التراثية القديمة، بدءا من المطاحن الموجودة على مجرى نبع الطاسة، وصولا إلى نهر حبوش والطواحين القديمة الموجودة على ضفته، إلى جسر السيدة زبيدة زوجة هارون الرشيد، والتي كانت قد أمرت ببناء قناة ري من نبع الطاسة حتى الجسر، بحيث تشهد الكثير من الأقنية الموجودة حاليا على تلك الحقبة من الزمن.

وتعيش منطقة إقليم التفاح حاليا نهضة سياحية بارزة، فالمعالم السياحية والتراثية استعادت بريقها في السنوات الأخيرة، من مغارة الريحان التي يقصدها سوّاح لبنانيون كثر، كسياحة داخلية، ومغتربون وأجانب، إلى معلم مليتا لسياحة المقاومة، ومقام النبي صاليم في بلدة عربصاليم، وصولا إلى الحمام التركي في بلدة جباع، ومعصرة صبرا، اللذين رُمما بمنحة من الإتحاد الأوروبي.

وقد باشرت بلدية عربصاليم بناء مشروع "القرية البيئية"، بمنحة قيمتها أربع مئة وخمسة وعشرون ألف يورو، مقدمة من الإتحاد الأوروبي إلى إتحاد بلديات الإقليم. ويجمع المشروع، على مساحة تقارب العشرة آلآف متر مربع، حوالي عشر وحدات سكنية مختلفة المساحات، من ستين مترا مربعا إلى ثمانين مترا، وملعبا رياضيا بمواصفات إتحادية وحديقة أطفال ومعرضا للمنتوجات الغذائية التي تنتجها الضيعة، مع تأهيل طرق فرعية داخل الحرج المجاور، وهو تبلغ مساحته مئة وعشرون ألف متر مربع، متنوع الأشجار بين صنوبر وخروب، لتشجيع السوّاح على الرياضة الطبيعية كالمشي والركض.

كذلك يراعي المشروع تفاصيل أخرى من ناحية تزويد القرية بالطاقة الشمسية، لتأكيد الهوية الطبيعية البيئية للبلدة. ويطرح المهندس قاسم حسن، من بلدة عربصاليم، إمكانية إنشاء حديقة تعليمية زراعية بالتعاون مع وزارة الزراعة، في محيط القرية، من محيط ما يعرف بمنطقة "القلعة".

ويشرح لـ"جنوبية" أنّه يمكن توزيع النباتات ضمن مجموعات مختلفة تعرّف طلاب المرحلة الإبتدائية و المتوسطة على النباتات والأشجار بطريقة علمية حية، ويوضع تحت إسم كل شجرة مواصفاتها و سلالتها و موطنها الأصلي, وهو يؤكد حداثة هذه الفكرة على صعيد لبنان والجنوب، ما يسمح للقرية البيئية باستقبال مخيمات مدرسية من مختلف المناطق.

بدأ المشروع بالتنفيذ منذ شهر أذار2010 وقد شارف على الإنجاز مع بداية هذا الصيف. وتشكل فكرته حلاً لكثيرين من المغتربين، أو السوّاح الاجانب من البلدان العربية وتحديدا دول الخليج، الذين أصبحوا على علاقة وطيدة مع أبناء بلدة عربصاليم، ما يشجعهم على قضاء عطلهم في البلدة، في وقت تغيب الفنادق عن هذه المنطقة بأكملها.

رئيس بلدية عربصاليم محمود حسن يؤكد لـ"جنوبية" أن هدف المشروع "تفعيل الدورة الإقتصادية في القطاع السياحي لبلدات الإقليم ككل، إضافة إلى تأمين فرص عمل لأبناء البلدة من خلال بعض الأعمال التي يحتاجها المشروع من صيانة ونظافة وإرشاد سياحي وبيئي"، مؤكدا أن المغتربين بدأوا منذ الآن حجز وحداتهم للعام المقبل، إذ لاقت الفكرة إعجابا كبيرا في المحيط المحلي.

يبدي أهالي عربصاليم حرصا بارزا على الإهتمام بالوضع البيئي، بدءا من فكرة فرز النفايات مع الدكتورة زينب مقلد نور الدين من "جمعية نداء الأرض"، إضافة الى العديد من الأفكار التي ما زالت الجمعية تحرص على المحافظة عليها، مثل حديقة النباتات العطرية، وبعض الزراعات الخضرية وتحديدا الملوخية.

إلى ذلك يشهد الأقليم تراجعا بارزا من حيث المساحات المزروعة وإنتاج الفواكه والمزروعات، وتبقى تسميته بـ"إقليم التفاح" شاهدا على واقع بيئته قديما، لكنها تحاكي حاليا تحول اهتمامه من قطاع زراعي ريفي إلى قطاع سياحي، تنتشر فيه الكثير من الإستراحات والمطاعم عند كل نبع وعين.

السابق
بن جدو ضيفا في معهد أمجاد
التالي
الأنوار: سليمان وميقاتي يحددان مهلة 48 ساعة للخروج من دوامة الأزمة