دولة ألترمان

 ثمة شيء في حلقة البحث المركزة التي نجتازها كل شهر أيار، والتي توفر اختصاصا متجددا في شؤون المنطقة.

التجربة السنوية التي تبدأ بيوم الكارثة، تمر عبر يوم الذكرى وتتكيف مع يوم الاستقلال، تنقل لنا نوعا من الاستعراض الموجز للحياة. استعراض الحياة الوطنية. وفرة ما تقدمه شاشات التلفزيون والصحف توفر نظرة متجددة على منطلقنا، الطريق الذي قطعناه، الثمن الباهظ للانجازا الهائلة وفوق كل شيء، للاهداف التي لا تزال أمامنا.

النظرة هامة على نحو خاص، وذلك لاننا على نحو طبيعي نميل الى ان نرى بالاساس مواضع العلة اللحظية، دون أن ننظر الى الانجازات. والى جانب ذلك ثمة بيننا من يحاول ترجيح الكفة الى اتجاهات ليس بينها وبين المشروع الصهيوني شيء.

في اطار استعراض الحياة الوطنية هذه السنة، تصفحت مرة اخرى الصفحة السابعة لنتان ألترمان في منتصف الاربعينيات. وكان ألترمان يكتب القصائد في تلك السنوات، كل اسبوع، فيسجل الواقع المحيط وعرف كيف يصفها بلغته الشعرية. وكتب قصيدة "من كل الشعوب" التي تقشعر لها الابدان عن انك اخترتنا "من بين كل الاطفال للقتل امام كرسي عرشك". ورسم خطوط اللاسامية، الازدواجية الاخلاقية البريطانية واغتراب الدول الغربية التي لن يكون بوسعنا ابدا الثقة بها. ولكنه عرف كيف يضع التحدي الهائل الذي نحن ملزمون في ضوئه ان نواصل طريقنا الى الامام.

في المقطع المسمى "على الحافة"، يروي ألترمان كيف يهل "الاستقلال اليهودي" – "من النبوءات الى يوم الفوضى وصفر الحكم، من بوادر الشرق الذي يلوح بتهديداته". ويحذر بالنسبة للاستقلال الذي على الطريق في أن "هذه ليست قصيدة معجزة تسقط علينا من الاعلى… "، ويدعو: "صحيح فقط ان نتذكر! بان الطريق، باصرار أعمى لا يتراجع ولا يعود…".

لدى ألترمان وابناء جيله كان من الصعب على المرء ان يتشوش عقله بالنسبة للحاجة والهدف، ولكن كان من السهل ان تضعف الايادي. نبوءات يوم الفوضى كانت في حينه أيضا. وكذا بوادر الشرق الذي يلوح بتهديداته لم تتوقف للحظة. كان يمكن طمس العناوين بلا نهاية، عشية قيام الدولة، حين كانت موازين القوى لا تسمح لنا بالامل في وجه جيوش العدو الغازية. تسونامي سياسي كان هناك كل الوقت، والشيطان الديمغرافي كان متوحشا، في دولة اقيمت مع 600 ألف يهودي حيال ملايين العرب.

بعد ذلك أيضا كانت كل الاسباب التي تدعو الى ضعف الايادي: عشية الايام الستة، في عهود الركود، المسيرات في القاهرة، وأجواء "الاخير يطفىء الضوء". ولاحقا، في بداية حرب يوم الغفران، حين هذر ديان بخراب البيت الثالث، وهكذا دواليك. وبالذات عندما كنا في خطر وجودي حقيقي لم نفقد الصلة بالهدف. وبالذات اليوم، عندما لم يكن وضعنا أبدا افضل، ينجحون في احداث دوران في رؤوسنا باحاسيس بائسة يومية. وفوق كل شيء يشوشون اهداف حياتنا الجماعية ويخلقون فينا احساسا بانه بدون "مسيرة سياسية" و "سلام" لا وجود لنا. وعليه فمن المهم جدا أن يلقي المرء نظرة متجددة.

دوما سعينا لان نحيا بسلام وكنا مستعدين لان ندفع الكثير لقاء ذلك، ولن رد يدنا الممدودة لم يمس للحظة بالتحدي الصهيوني. الشعب اليهودي أقام وطنا قوميا كي يعيش في بلاد ابائه واجداده ويسمح بوجود سياسي يهودي. وكانت الاهداف، منذ الازل، العيش، التعزز، البناء والازدهار. لاسفنا عالم عهد ألترمان هو أيضا العالم اليوم: العداء العربي، الازدواجية الاخلاقية الدولية والحاجة الى السعي نحو مصالحنا "بعناد أعمى". دون انتظار المعجزة علينا أن نواصل، نتسع ونزدهر. 

السابق
هل تعطي اسرائيل التزام انهاء اللعبة
التالي
نظرة الى مصر بعد مبارك