بداية النهاية لمجلس التعاون الخليجي

لم أفهم، وأزعم أن كثيرين غيري لم يفهموا، الإعلان المفاجئ لمجلس التعاون الخليجي باحتمال توسعته ليشمل الأردن والمغرب.
قبل سنوات، كنت شاهداً على بعض النقاشات التي دارت داخل اروقة المجلس والمتعلقة بدرس طلبين تقدم بهما اليمن والأردن لدخول منظومة التعاون الخليجي. يومها قال وزراء خارجية فاعلون ولهم من الخبرة والحنكة الشيء الكثير إن طلب اليمن يمكن أن يبحث في إطار الهيئات المشتركة لكن الانضمام صعب لأن نظام الحكم في صنعاء لا يتشابه مع أنظمة دول المجلس، وعندما قيل لهم إن نظام الحكم في الأردن قد يتشابه اجابوا إن من شروط العضوية هو أن تكون للدول منفذ مائي على الخليج العربي.
اليوم تغيرت الأمور والشروط وصار بإمكان الأردن أن يحصل على منفذ سياسي لا مائي، كما صار بامكان منظومة التعاون أن تتمدد حتى الأطلسي إلى المغرب… أي «من الخليج إلى المحيط» بعدما كانت الشعارات القومية تقول «من المحيط إلى الخليج».

لم نفهم، ولن نفهم، سبب الخطوة المفاجئة وإن كنا نجزم باستحالة تحقيقها إلا في إطار آخر غير اطار المجلس الخليجي كما عرفناه منذ ولادته في أبوظبي في 25 مايو 1981. خصوصا إذا كان الإعلان رسالة سياسية إلى الدول الإقليمية لا رسالة تعاونية واقعية مبنية على معطيات وعناصر مشتركة. ثم إن دولا متقاربة في العادات والتقاليد وانظمة الحكم وطبيعة الشعوب والمناخ والهموم ولا تفصل بينها سوى مسافات قصيرة وقطعت شوطا عمره 30 عاما من التعاون الوثيق المشترك لم تستطع ان تنجز عملة موحدة أو اتحاداً جمركياً أو سوقاً مشتركة أو غيرها من المشاريع التي يتفق عليها وترحل من قمة إلى أخرى… هذه الدول كيف يمكنها أن تفتح الباب لعضويات جديدة و«من الخليج إلى المحيط»؟

أضف إلى ذلك أن العمل المشترك والتنسيق والتعاون والصيغ الفيديرالية أو الكونفيديرالية لاحقا إنما كله نتاج رغبة شعبية وإرادة شعبية لمواطني دول الخليجي تعبر عنها النخب الممثلة لهذه الإرادة. لم تكن منظومة التعاون مفروضة فرضا من حكام على شعوب بل كانت منسجمة بين تطلعات الحكام والناس للوصول إلى قوة إقليمية منسجمة يكون لها مكان في زمن التكتلات الكبرى. فهل أخذ صوت الرأي العام الخليجي في الاعتبار؟ هل حصلت مشاورات مع الهيئات الممثلة للشعوب الخليجية؟ هل درس مجلس الأمة الكويتي أو الشورى السعودي أو الشورى البحريني أو النخب السياسية والاجتماعية والاقتصادية في كل دول المجلس قضية انضمام المغرب والأردن إلى منظومة التعاون الخليجي؟ أم أن مواطني الدول الست أخذوا علماً بالقرار وتفاجأوا به تماما كما تفاجأت به بعض الوفود الخليجية المشاركة في القمة التشاورية أيضاً؟

نرجو ألا يفهم مما أوردناه وجود موقف مسبق عدائي ضد المملكتين الأردنية والمغربية، فهما دولتان نحترم كثيراً تجاربهما السياسية وانفتاح الحكم فيهما على المجتمع المدني من أوسع أبوابه، لكن التعاون الذي نريده يجب أن يبنى على قواسم اقتصادية واجتماعية وإنسانية وعلمية تحقق الفائدة لكل الأطراف لا أن يبنى على متطلبات ظرف سياسي ترد فيه دول المنطقة على تهديدات معينة أو تمليه هواجس معينة.

ثم، ومن دون الدخول في تفاصيل تتعلق بعدد السكان وتنوعهم الجهوي وتمايزاتهم العرقية والثقافية، نسأل: كيف ستجد بعض دول الخليج حلا لغياب «القواسم المشتركة» مع المغرب مثلا وهي التي لم تجد حتى الآن حلا لهذا الموضوع مع الدول المجاورة لها؟ عدد سكان المغرب يتجاوز عدد سكان دول مجلس التعاون مجتمعة وهناك ملايين العرب والأمازيغ وعشرات اللهجات وملكية دستورية وأحزاب سياسية تتداول رئاسة الوزراء بعد انتخابات عامة وتلعب النساء دوراً فاعلاً جداً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ويمكن للمرأة أن تكون رئيسة للوزراء إذا رشحها حزبها. والمراقب لتقارير التنمية البشرية المتعلقة بالمغرب وإلى النظامين الاقتصادي والاجتماعي سيلحظ تفاوتاً كبيراً مع ما هو موجود في مجلس التعاون رغم كل التباينات بين دوله.

عود على بدء. عندما تستطيع دول مجلس التعاون تقديم إنجازات ملموسة بعد 30 عاما من العمل المشترك يمكننا التفكير (مجرد التفكير) في فتح الباب لدول أخرى مع مراعاة الأهداف والإمكانات والوقائع والواقعية. ولنكن صريحين، بما أننا ما زلنا نختلف على مقر البنك المركزي والاتفاقية الأمنية وهوية الأمين العام فالأجدر أن نرتب أمور بيتنا قبل استقبال الضيوف أو الشركاء، بادئين باستشارة أهل البيت… أي سكانه.

تبقى نقطة. الاتحاد المغاربي الذي ضم دولا متقاربة بينها المغرب انهار وتبخر. ومجلس التعاون العربي الذي ضم مصر والأردن واليمن والعراق انهار وتبخر أيضاً… نتمنى ألا يؤدي التسرع في الخطوة الأخيرة إلى انهيار مجلس التعاون الخليجي وتبخره.

السابق
تكنولوجيا أميركا في خدمة “الفوضى الخلاقة”
التالي
القمة الإسلامية – المسيحية مدعوة لاتخاذ موقف