السيد فضل الله:الكويت نموذج عربي

رأى السيد علي محمد حسين فضل الله في الحراك الشعبي العربي المزيد من الوعي والتقدم إلى ساحات التغيير، ليطل على العالم من شرفة القضية الفلسطينية التي ينبغي أن تبقى في حدقة عين كل حراك شعبي عربي، وهو ما يبرز الآن من خلال المشهد المصري حيث تعود أرض الكنانة إلى دورها الطليعي في دائرة الصراع مع الكيان الصهيوني، لتعلن العمل على فتح معبر رفح، ورفض الحصارات السابقة لقطاع غزة، ثم تفتح الذراعين لمصالحة فلسطينية تشكل المدخل الطبيعي لعودة الروح إلى قلب القضية الأم.

وفيما يلي تفاصيل الحوار.

ما رأيكم في المتغيرات الحاصلة على المستوى العربي، عبر الانتفاضات أو الثورات، ولك ان تسميها ما شئت؟

٭ اعتقد أن هناك مشاكل يعاني منها العالم العربي، مشاكل كانت مغطاة، هذه المشاكل تفاقمت إلى حد التفجر، على هذه الصورة، كانتفاضات أو ثورات، لكن هي في الواقع ثورات، ودائما يطرح السؤال من وراء هذه الثورات؟ الواقع ان هناك حراكا شعبيا تواصل عبر وسائل الاتصال، فمناخات الثورة موجودة، وهذه أوجدت مناخ تعاون، فكانت هذه الصورة، لكن يستطيع أي كان التفكير أن هنالك ثمة من يقف وراء كل هذا، بيد أننا لا نستطيع، حتى لو قلنا ان هناك تحريكا خارجيا لهذه الثورات، ففي انطلاقها من جراح العالم العربي، ومن الآلام الموجودة على مستوى حاجات الناس، ومن الشعور بالانتقاص من إنسانية الناس، في ظل قوانين الطوارئ، والشعور بالتأزم من خلال الصراع العربي ـ الإسرائيلي، ومن خلال التساؤل أين نحن اليوم، اننا نقدم التنازل تلو التنازل، هذا الوضع قد يدفع إلى المطالبة بأن تتحرك المنطقة بغير الطريقة التي يدين هؤلاء مسألة الصراع العربي ـ الإسرائيلي.

نخشى من الثورات المتنقلة

هذه الثورات أحصلت بشكل عضوي أو مقصود، ليس من قيادة تحركها، واضحة المعالم، يمكنها ان تحدد مسارها، وإنما هي تتحرك بوحي من المشاعر، وعادة المشاعر والأحاسيس إذا لم تكن هناك خطة حقيقية يخشى ان توجه كل يوم في اتجاه ومن خلال وسائل إعلام موجهة، أو فضائيات، ما يجعل المنطقة في حال عدم الاستقرار.

لقد كنا في مرحلة مضت نعاني من الانقلابات العسكرية ومن ثورات، فإننا نخشى من ثورات متنقلة في المنطقة، اننا نخشى ان تتحول المنطقة إلى بؤرة توتر على مختلف المستويات، السياسية والعشائرية والعائلية، وحتى العلمانية والإسلامية والطائفية وسوى ذلك، وهنا تقع المسألة على عاتق الواعين بهذه الأمة، الذين عليهم العمل على توعية هذا الجيل، ليعرف كيف يتوجه، وكيف لا يخدع؟

هناك ذئاب مفترسة، وشياطين تدير هذا العالم، وبالتالي لابد من الوعي، لقد آن الأوان للشعوب ان ترتاح، أن تهدأ، ان تشعر بكيانها وباستقرارها وبحقها في ثرواتها، اغلب المال تبدد، لذلك مطلوب الوعي، وحسن الأداء.

الكويت نموذج عربي وخليجي

كيف ترون الصورة في الكويت، التي لكم فيها الكثير من المحبين والمقدرين؟

٭ الكويت نعتبرها نموذجا على المستوى الخليجي ونموذجا على المستوى العربي، الحيوية الموجودة في الكويت هي صمام الأمان. حيوية الحوار المفتوح في الهواء الطلق، هي التي نريدها في كل العالم العربي، وكذلك الانفتاح داخل الكويت، انفتاح الشعب الكويتي على بعضه البعض أمر جيد.

ودائما هناك من يسعى للتوتير، لكن دائما نرى أن الشعب الكويتي قادر من خلال قياداته، على تجاوز حواجز الفتنة.

لقد عشنا في المرحلة الماضية أجواء كان يراد لها توتير الوضع، لكن أمكن تجاوزها بحمد الله تعالى. وفي موضوع البحرين مثلا: كان موقف الكويت عاقلا، حيث ظلت قريبة من كل الأطراف، وهي قادرة على المساعدة في ردم الهوة الموجودة، وإقامة الحوار، والحرص على تبريد الأجواء وإبقائها ضمن دائرة المطالب الاجتماعية.

هلل الكثيرون في الغرب والشرق لإعلان الإدارة الأميركية عن اغتيال زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وعن قطع رأس الأفعى، وان العالم سيكون أكثر أمانا؟

٭ صحيح لكن هؤلاء لم يشيروا إلى مسؤولية الإدارات الأميركية المتعاقبة عن البيئة الإرهابية التي صنعتها في المنطقة والعالم خلال العقدين الأخيرين. ان على الذين يقدمون أنفسهم كمحاربين للإرهاب عليهم ان ينبذوه من أفكارهم وأفعالهم، وألا يسعون إليه عندما تتطلبه مصالحهم ويحاربونه عندما يصطدم بهذه المصالح.

فوضى الفراغ الحكومي في لبنان

يعيش لبنان حالة فوضى سياسية ناجمة عن الفراغ الحكومي الحاصل، ما رؤية السيد فضل الله للحل؟

٭ ان مواجهة ما يجري عندنا من فراغ وحولنا من توترات، بالتراشق الكلامي والسجالات المفتوحة على هذا الفراغ، بدأ يهدد البلد في قضاياه الحيوية، ويشكل خيانة للأمانة الوطنية، وهروبا إلى الأمام من الالتزام بالمسؤولية، لذلك على القيمين الخروج من دائرة الفراغ القاتلة، من المراوحة في المجهول، التي لا تسقط فريقا بعينه أو مسؤولا أو حزبا أو فئة، بل تسقط البلد كله.

لقد استطاع هذا الواقع الذي يتحلل فيه الوسط السياسي من مسؤولياته وواجباته، أن يأكل كل طموحات العمال في العيش الكريم بعدما أنهى طبقة التوازن المتوسطة، فصار الفقراء أكثر فقرا والأغنياء أكثر غنى، وأما تفاقم الأوضاع المعيشية، فوصل إلى حدود الكارثة، ويزيد الوضع اشتعالا في ارتفاع سعر البنزين الذي أحرقت أسعاره كل الوعود السابقة، ودخل في متاهات الضغط الكبرى على كاهل العمال والمحرومين والكادحين.

لقد دخل البلد في الحلقة المفرغة القاتلة اجتماعيا، وأدار الجميع ظهورهم للشعب المقهور المغلوب على أمره، وفي ذلك الخيانة والخسران، وقد قال علي عليه السلام «أعظم الخيانة خيانة الأمة، وأفظع الغش غش الأئمة».

وأحد أبرز الفوضى التي يعيشها لبنان تتمثل بالاعتداء على أملاك الدولة وعلى المشاعات العامة والذي لا يمكن تبريره أو تمريره أو السكوت عليه.

وهنا نعيد التأكيد للدولة، وهي تتحرك لمعالجة الأبنية المخالفة، أننا ضد كل التعديات، ونحن من دعاة حفظ المال العام والملك والشأن العام، لكن بشرط ألا يكون في ذلك أبناء ست وأبناء جارية، وألا يفرق بين الذي يحظى بغطاء ومن لا يحظى به، بل أن تكون العدالة للجميع، كما ندعو إلى ضرورة معالجة الواقع الاجتماعي الذي دفع بالكثيرين إلى حالة الفوضى، وإيجاد خطة اعمارية سكنية، حيث السكن بات شغل المواطن في هذا البلد، بعد رفع أسعار الشقق، حتى الصغيرة منها. أيها المسؤولون.. إن هذا الشعب هو جزء من شعب هذه المنطقة، يتأثر بكل مجرياتها، فلا تضطروه إلى الاندفاع نحو إلغاء كل الواقع، والوقوع بعد ذلك فيما تعاني منه المنطقة.. إن مسؤوليتكم كبيرة، في أن تشعروا إنسان هذا البلد بالأمان، وحل مشاكله في الداخل، وبالقدرة على مواجهة تحديات الخارج.

الحكومة عروس شعر اللبنانيين

إلى ذلك لايزال لبنان ينام على مشاكله الاجتماعية الضاغطة، من ارتفاع أسعار المحروقات، إلى تهديد بوقف رواتب الموظفين في القطاع العام، إلى أزمة التعدي على الأملاك العامة التي لا تنتهي فصولا في نتائجها المتفاعلة، ومع الأسف، فبدلا من الإسراع في تأليف حكومة تنهض بكل هذه الأعباء، وتقوم بكل هذه المسؤوليات، نصحو كل يوم على سجالات تتواصل حول تأليف الحكومة، والتي باتت عروس شعر اللبنانيين في كل الآمال التي تعقد عليها، فيما لا نرى أي بصيص نور يمكن أن يطمئن الناس إلى أن ولادة الحكومة باتت قريبة، ولا نفهم جيدا أين هي العقدة الحقيقية، فما أن تحل واحدة حتى تنشأ أخرى. ونسأل: هل دخل البلد في مرحلة الانتظار، انتظار استحقاقات الخارج، لتحديد من هو الأقوى في صراعات الداخل؟

القمة الروحية مجرد ديكور

تنعقد في بكركي اليوم، حيث مقر البطريركية المارونية قمة روحية إسلامية مسيحية، لدعم العيش المشترك المسيحي الإسلامي في لبنان، ما هو تقييمكم لهذه الخطوة؟

٭ جميل ان يجتمع رؤساء الطوائف الدينية، ويصدروا بيانا واحدا، بدلا من الخطب السياسية المتعددة التوجهات، لكن الأجمل، لو استطاع مثل هذا اللقاء والبيان الصادر عنه حل المشكلة العالقة، فالكل يعلم ان مثل هذه المؤتمرات على إيجابياتها المعنوية، مجرد ديكور، لا يستطيع معالجة جوهر المشكلة.

السابق
مصادر ميقاتي لـ “الشرق الأوسط” : الأجواء إيجابية أكثر الآن.. لكن لا شيء نهائيا حتى الساعة
التالي
وثيقة سرية إسرائيلية: سلطات الاحتلال طردت 140 ألف فلسطيني من الضفة ما بين 1967 – 1994