عن الحكومة: هل يمرّ وزير الخديعة الجديدة؟

رغم الهدوء الظاهر على سطح الموضوع الحكومي، إلا أنّ عيارات سياسية شديدة اللهجة من ثلاثة أطراف رئيسية في لبنان أطلقت في الأيام الماضية، تتعلّق بتسكيل الحكومة اللبنانية، وإن لم تكن هذه الأطراف الأساسية في ترجيح التشكيل.

الموقف الأوّل أطلقه مطنطنا أمس النائب وليد جنبلاط، الذي ذكّر بما فعله في الثاني من آب 2009، حين أعلن خروجه من تحالف قوى الرابع عشر من آذار، ووقوفه في الوسط.

بعد سنة وبعض السنة، كان جنبلاط قد تمركز في ما سمّي "الأكثرية الجديدة" وساهم في إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى. وقبل أسابيع تناول طعام الغداء مع الرئيس فؤاد السنيورة، وأبرق معزّيا إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، بوفاة شقيقته.

وأمس كانت الخطوة الثالثة حين قال جنبلاط، بعد زيارة لمفتي الجمهورية وأخرى لرئيس الجمهورية، إنّ الأكثرية الجديدة فشلت فشلا ذريعا، واعتبر في حديثه الأسبوعي لجريدة "الأنباء" أنّه "لم يعد منطقيًّا إستمرار الحزب التقدمي الاشتراكي وجبهة النضال الوطني في تغطية هذه الحالة من المراوحة والفراغ والتعطيل ضمن ما يُسمّى الأكثريّة الجديدة التي أثبتت أنها فشلت فشلاً ذريعأً في تأليف الحكومة الجديدة".

الموقف الثاني جاء من إذاعة الرئيس نبيه بري، إذاعة الرسالة التابعة لحركة "أمل"، التي أعلنت ظهر اليوم أنّ تشكيل الحكومة بات قريبا، نقلا عن معلومات وليس عن مصادر. هذا بعدما أدّى برّي صلاة الميت على الحكومة قائلا إنّه "يائس وبائس"، في سابقة عنه لم تشهدها الساحة السياسية اللبنانية من قبل.

لكنّ الرسالة الثالثة، الآتية من الرابية على لسان النائب ميشال عون، الذي يعتبر إلى جانب "حزب الله"، أساسيا في ، ومرة جديدة ينعى ميشال عون الأجواء الإيجابية عن تشكيل الحكومة، قائلا إنّه إذا تمّ الإتفاق على اسم وزير الداخلية سيظهر الخلاف في أسماء أخرى لوزارات أخرى.

وكان "الخليلان"، النائب علي حسن ومساعد الأمين العام لحزب الله الحاج حسين، قد زارا سورية الاسبوع الماضي وعادا منها مردّدين اللازمة السوريّة: "لن نتدخّل"، التي يحلو لكثيرين ترجمتها في لبنان على أنّها: "لن نقبل بتأليف حكومة في الوقت الراهن".

ثلاث طلقات إذا، واحدة تحذيرة وأخرى تبشيرية وثالثة تهويلية، إلى جانب طلقة خليلية عابرة، في أقلّ من أربع وعشرين ساعة. وانبلج فجر اليوم عن سيناريو جديد يتمّ تداوله، يفيد بأنّ الصيغة التي تمّ الإتفاق عليها هي صيغة 19 – 11، أي تسعة عشر وزيرا للأكثرية الجديدة، وأحد عشر وزيرا لثلاثي النائب وليد جنيلاط والرئيس المكلف نجيب ميقاتي ورئيس الجمهورية ميشال سليمان.

لكن ما فعله "حزب الله" بالتعاون مع النائب ميشال عون هو اقتناص الوزير الحادي عشر من الثلاثي الوسطي، ميقاتي – جنبلاط – سليمان، وتحويله إلى "وزير ملك" جديد، على غرار الوزير عدنان السيد حسين، الذي تبيّن في لحظة الحسم أنّه إلى جانب "حزب الله"، وأنّه وزير الثلث المعطّل وليس وزير الحياد.

وإذا نجح "حزب الله" في مسعاه ذي الوجه العوني المطالب بوزارة الداخلية على السطح، فإنّه سيكون قد أمسك في العمق بمقاليد السلطة كاملة، بحصوله على نصاب الثلثين، الذي يمكّنه من التفرّد بقرار البلد كلّه، في الأمور الاستراتيجية والتفصيلية. ولا يعود أمام رئيس الحكومة إلا الإستقالة لرفض قرار ما.

وإلى جانب القرارات المصيرية، فإنّ "حزب الله" سيعيد تكوين السلطة بالكامل، من خلال تعيينات ستشمل أبرز خمسين مركزا شاغرا في الإدارات الرسمية، أي الوزارات، على مستوى الفئة الأولى، أي المديرين العامين، وفي المؤسسات العامة هناك ما يزيد عن 500 مركز منتهية ولاية أعضائه في مجالس الإدارة العامة، ما يعني أنّ الحزب سيتمكن من الغمساك بمفاصل الدولة كلّها، وليس بالوزارات والقرارات الكبيرة والاستراتيجية.

هكذا يقف الثلاثي الوسطي اليوم، ميقاتي – سليمان – جنبلاط على مفترق خطير: المشاركة في الحكم وفي موازنة القبضة الحديدة المتفرّدة، أو تسليم السلطة إلى طرف واحد، في سابقة قد تعيد رسم المشهد اللبناني كلّه، في لحظة عربية وإقليمية ودولية شديدة الإبهام.

السابق
ميقاتي وصل الى بعبدا وإجتمع الى رئيس الجمهورية
التالي
ميقاتي غادر بعبدا ولم يصرح