“المسح العقاري” والسرقة في الجنوب

كان جيداً أن ترتفع وتيرة الاحتجاجات على التعديات الأخيرة على الأملاك العامة والخاصة، وكان لافتاً مدى التراخي والمحسوبيات السياسية والطائفية في السماح بانتشار هذه التعديات ومن ثم في قمعها ومحاولة التفلّت من المسؤولية بعد وقوعها. لكن لماذا يبقى الصمت الاعلامي والشعبي على التعديات الأخرى المتمادية التي تجري في أكثر من نطاق، سيما ما يجري في عمليات التحديد والتحرير الالزامي. لقد تابعنا في أكثر من قرية وبلدة جنوبية، ما يجري أثناء المسح العقاري الالزامي، والمشاكل دائماً واحدة، وجميعها له علاقة بسلب المال العام قبل الخاص، في ظلّ تغطية سياسية أو ادارية واضحة، وربما بات مسلّما بوجودها وعدم امكانية قمعها. فقد بقيت عشرات القرى والبلدات طيلة فترة وجود كيان الدولة اللبنانية من دون أن يتم مسح عقاراتها رسمياً، ما أدى الى كثير من الاعتداءات على الأملاك العامة والخاصة، كما اقيمت المباني والمنشآت دون أي ترخيص أو رسوم قانونية، الى أن تم منذ نحو سنتين أو أكثر البدء في عملية التحديد والتحرير الالزامي، بعد تكليف بعض المساحين المحلّفين قانوناً، الذين يتقاضون وفق القانون بعد مناقصة جرت باشراف القاضي العقاري مبلغ 99 مليون ليرة لبنانية عن كل بلدة يتم مسحها. ولكن ما حصل ويحصل أنه على كل مواطن يريد مسح أي عقار أو أرض يدّعي ملكيتها أن يدفع للمساح المكلّف مبلغ مالي يتراوح بين 200 و5000 دولار اميركي، أو ما يزيد على ذلك أحياناً، حسب طبيعة العقار، وحسب المراد من عملية المسح. واللاّفت أن أياً من المعنيين لم يحرّك ساكناً اتجاه ما يحصل، وأياً من الاعلاميين لم يرفع صوته عالياً مدققاً في الطريقة المعتمدة في عمليات المسح والقبض، ومدى تغطية الكثير من التعديات على العقارات العامة والخاصة، حتى أن المبرّر الشائع اليوم، والذي يشيعه معظم المعنيين أو المتابعين لعملية المسح العقاري، أن دفع هذه الأموال من الأهالي للمسّاحين وأتباعهم ما هو الاّ لمساعدة الأهالي أنفسهم على تغطية مخالفاتهم أو عدم دفع الرسوم والضرائب لاحقاً الى الخزينة العامة، ما يعني أن الأموال ان دفعت لأشخاص محددين خير من أن تدفع للدولة لتصبح لا حقاً في خدمة المواطنين…!!

السابق
شمعون: سيختلفون على نوع التكنوقراط
التالي
الزغبي حذر من محاولة استفراد رئيس الجمهورية