هل أفلست الدولة اللبنانية؟

«لا رواتب نهاية هذا الشهر إذا لم يفرج وزير الإتصالات شربل نحّاس عن 600 مليون دولار في حساب وزارة الإتصالات»، هذا ما حذرت منه وزيرة المال ريّا الحسن في الأيام الأخيرة، منبهة الى ان الدولة «قد لا تستطيع تسديد رواتب المستخدمين والمتعاقدين والأجراء ومعاشات التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة في القطاع العام اعتباراً من الشهر المقبل، وذلك بسبب تأخّر تأليف الحكومة وعدم وجود قانون للموازنة يجيز لها الاقتراض لتمويل العجز».
التحذير كان واضحا وأصاب أكثر من 300 ألف عائلة لبنانية، أي نحو ثلث الشعب اللبناني. الوزيرة أوضحت أنّ «نسبة النمو في أول فصل من العام 2011 إنخفضت من 7 في المئة إلى 2 في المئة»، عازية ذلك إلى أنّ «الوضع السياسي يقلّل من ثقة المستثمرين والمودعين بالإقتصاد اللبناني، وهذا ظهر في حركة الودائع والتدفقات المالية». ولفتت إلى أنّه «في غياب موازنة لا يمكن الخروج الى الاسواق العالمية لجلب الاموال وتمويل العجز».
وزيرة المال قالت لـ«الراي» إنّ «الهيئات الإقتصادية كلّها تقول ان الوضع صعب جدا، لكنني أضيء على وضع المالية العامة، لا أقول إننا سنتوقف عن دفع المستحقات في سندات الخزينة، فنحن لن نعتكف عن هذا الإستحقاق لأنه يؤثر في سمعتنا في الخارج والداخل، ولكن لدينا مشكلة سيولة لأننا نقوم بجدولة مستحقاتنا في بداية العام، ونحتسب ما يأتينا من أموال من الايرادات وما يستحق علينا من دفعات، ونقدّر ما نحتاج اليه من أموال شهريا».
وشرحت «توقف الاكتتاب بسندات الخزينة بسبب خوف المصارف من أزمة سيولة إذا طلب المودعون أموالهم، واليوم ايراداتنا منخفضة لأنّ جزءا كبيرا منها يمتنع وزير الاتصالات شربل نحاس عن دفعه، إذ أنّه لا يحول الاموال لتمويل عجز الخزينة، وحين تخف ايراداتنا 600 مليون دولار عن جدولتنا من اول السنة، بالتأكيد السيولة ستخف، وحين لا تكتتب المصارف بسب الوضع السياسي فالسيولة تخف، وسبب اللغط الحاصل يكمن في اعتبار البعض أن الأموال موجودة، لكنّ المشكلة في السيولة ونحاول معالجتها لتأمين الاموال الضرورية».
واضافت ان «مصرف لبنان سيتدخل لأنّ من واجباته أن يتدخل، ولكن كم سيغطي العجز في السيولة الذي تشهده الخزينة؟ شهرا او اثنين؟ الفارق سيظهر في السيولة، وخصوصا إذا لم تأت الأموال من وزارة الإتصالات ولم تكتتب المصارف، سنتعرض لمشكلة وقد نضطر الى تخفيف بعض النفقات او عدم دفع بعضها».
وعما إذا كان عدم سداد الرواتب سيؤدي الى مشكلة كبيرة خلال أسابيع، قالت «سنبذل جهدنا لدفع الرواتب هذا الشهر، وهو مبلغ اجمالي متوافر، لكن الجدولة في خطر. متى ستدخل هذه الايرادات؟ إنها مشكلة في إدارة السيولة. من الان حتى آخر السنة لن يكون هناك مشكلة كبيرة جدا لناحية تمويل العجز، ولكن من شهر الى شهر تخف الاموال بسب امتناع وزير الاتصالات عن سداد موارد شهرية او فصلية». وشددت على أنّ «المشكلة ليست في كمية الايرادات بل في إدارة السيولة»، لافتة إلى انها تتفهم وضع «المصارف التي تعيش مأزق الخوف من الوضع السياسي، لذا تحتفظ بسيولتها لتأمين أموال قد يطلبها المودعون».
ولفتت الحسن إلى مشكلة أخرى هي «دعم البنزين بمبلغ 5000 ليرة ما قد يؤثر في ايراداتنا، وهو أمر لم يكن متوقعا ولم يكن في اعتبارنا، والامر نفسه ينطبق على إيرادات الإتصالات، وهذه كلها عناصر مفاجئة، والآن بدأت المشكلة تظهر، ونبذل جهدنا لجهة القيام بعمليات مع المصارف التي تساعدنا، ولكن في المدى المتوسط هناك مشكلة حقيقية».

لفت نظر
وزير المال الاسبق جهاد أزعور اعتبر أنّ «الوزيرة الحسن تصعد وتيرة خطابها من موقعها لتقول إن ما يجري في البلد يعرض الإقتصاد للخطر، وهذا ما يقوله الجميع، وقد حاولت أن تعطيه زخما للفت النظر، ولكن في رايي أننا لسنا على شفير الإفلاس».
واوضح لـ«الراي» ان «الوضع الإقتصادي في الفصل الأول من العام 2011 شهد تراجعا بدأ في الفصل الأخير من 2010. ومن الواضح أن هناك ارتباطا بين الإقتصاد والتشنج السياسي في الفصل الأخير من 2010 مع تعطل عمل الحكومة وعدم القدرة على تشكيل حكومة جديدة، وهذا سيساعد في تأخر تحقيق النمو».
وأضاف «التطورات في المنطقة وتأثير ارتفاع أسعار النفط زادا الأمور سوءا، فنحن دولة مستوردة للنفط والدولة تمتصّ الجزء الأساسي من خسائر إرتفاع أسعار النفط. ولا شك أن عدم وجود حكومة يربك أكثر عمل المؤسسات العامّة وينعكس سلبا على قدرة الخزينة وإدارة المالية العامة، ولكن في المقابل فان الإقتصاد اللبناني يملك قدرة على التكيف».
وأكّد أزعور أنّ «المؤشرات الإقتصادية كلّها تتراجع ما يعني أن النمو صار أبطأ، وانخفض من المراوحة بين 7 و8 في المئة إلى ما بين 2.5 و4 في المئة، ما يعني أن الإقتصاد لا يكبر. عدم وجود نمو كاف يزيد مستوى العجز لدى الدولة التي تمتص الأكلاف، وخصوصا في سعر البنزين، إلى جانب أنّه لا تتوافر فرص عمل كافية لاستقبال الوافدين الجدد الى سوق العمل. في المقابل فإنّ المؤشرات المالية الأخرى مثل ميزان المدفوعات ومستوى الفوائد ما زالت مستقرة».
وختم «التطورات السياسية هي التي تقود الإقتصاد اللبناني هذه الأيام، والمشكلة الإجتماعية الإقتصادية في الدرجة الأولى سياسية. ولمعالجتها يجب معالجة الوضع السياسي. في الماضي تشنجت الأوضاع السياسية واستمر النمو، لكن اليوم ازداد التشنج كثيرا ويجب أن تعود المؤسسات إلى العمل لإقرار تشريعات في مجلس النواب تشغّل الآليات الإنتاجية. كذلك يجب أن تكون هناك حكومة لتقرّ قوانين تحرك عجلة الإنتاج».

موقف سياسي
من جهته اعتبر الخبير الإقتصادي الدكتور غازي وزني ان كلام الحسن «موقف سياسي بامتياز يندرج في اطار السجالات بينها وبين وزير الإتصالات (جبران باسيل) ويتناقض مع القوانين المرعية في شؤون المالية العامة»، مؤكدا ان «الدولة قادرة على دفع الرواتب والأجور ولديها ثلاثة مصادر للتمويل».
وشرح هذه المصادر لـ«الراي» كالاتي: «أولا هناك مداخيل الإيرادات الضرائبية التي تجاوزت هذه السنة 10 آلاف مليار ليرة، وكلّ المترتبات على الدولة من الرواتب والأجور ومعاشات التقاعد ونهاية الخدمة لا تزيد على 5300 مليار. وهناك مصدر آخر هو حسابات وزارة المالية أو أموالها في المصرف المركزي، التي تزيد على 8 آلاف مليار بين سندات الخزينة أو السيولة. وثمة مصدر ثالث، ففي قانون الموازنة العامة يحق للدولة الإستدانة من دون وجود حكومة لتغطية العجز وذلك بإصدار سندات خزينة بقيمة العجز الفعلي، والإكتتاب متوافر لدى القطاع المصرفي أو المصرف المركزي».
واعتبر أن الحسن «ترتكب مخالفة دستورية تحاسب عليها لأن الرواتب والأجور تشكل أولوية النفقات الدائمة في القاعدة الإثني عشرية، ويفترض أن تدفعها أولا للحفاظ على الإستقرار الإجتماعي لأن الدولة لا يمكن أن تتهرب من التزاماتها المالية وإلا تحاسب الوزيرة على تقاعسها قانونا». وختم: «لا يحق للدولة أن تتحدث عن عدم قدرتها على سداد الرواتب والأجور لأنها تدفع بالنقد الوطني وليس الأجنبي، وهو متوافر لدى المصرف المركزي».
تراجع في السياحة
وسط هذا الجدل الاقتصادي- السياسي، قال نقيب أصحاب الفنادق في لبنان بيار الأشقر لـ«الراي» ان «هناك تراجعا واقعيا في الحركة السياحية بسبب الثورات العربية والأزمة اللبنانية لجهة عدم تأليف الحكومة والخطاب السياسي المتشنج، ما يجعل المنطقة عموما وجهة سياحية غير مفضلة». واوضح ان «هناك وجهات استفادت بسبب استقرارها مثل تركيا ودبي، اللتان استطاعتا استقطاب المسافرين والسياح لأنهم يفتشون عن وجهة سياحية ثابتة وآمنة بعد الثورة المصرية والمشاكل في سورية والتظاهرات في الاردن ودول اخرى». وكشف ان «لبنان تراجع كثيرا مقارنة بالعامين الماضيين»، موضحا انه «من منتصف يناير حتى فبراير الذي شهد عطلا في الدول العربية، كانت معظم المؤسسات السياحية محجوزة لكن الحجوزات ألغيت بعد سقوط الحكومة والخطابات المتشنجة والكلام على الاقتتال والفتنة. في المقابل، ومنذ العاشر من ابريل إرتفعت حجوزات الفنادق بين 20 و27 في المئة لتصل الى نحو 50 في المئة. يمكن القول ان السياحة في لبنان هذه الأيام هي أقرب إلى سياحة رجال الأعمال والمؤتمرات والمعارض الكبيرة».
وبعد… وزيرة المال تحذر والخبراء الاقتصاديون بين مؤيد ومعارض في ظل تراجع المؤشرات الايجابية. ويبقى السؤال: هل باتت الدولة اللبنانية على شفير الإفلاس؟

السابق
احمد قبلان حذر من خطورة المراوحة السياسية في البلاد
التالي
السقف بألف: خوات حزبية بدل “الرسمية”