ما سبب تباطؤ الغرب تجاه سوريا؟

تباطأت إدارة أوباما وأكثر حلفائها الأوروبيين كثيرا في الانحياز إلى جانب الثورات العربية، لكنه بدا أكثر وضوحا وضررا وأضعف في حالة سوريا. فلنبدأ بإيضاح بعض الحقائق. أولى تلك الحقائق أن أول احتجاج حدث خارج الجامع الأموي في دمشق في 15 مارس (آذار) رفع شعار «الله، الحرية، سوريا». وسرعان ما انتشرت الاضطرابات وامتدت إلى مدينة درعا في جنوب البلاد وتزداد مع كل يوم جمعة منذ ذلك الحين. وخرج مئات الآلاف إلى الشوارع في الكثير من المدن والبلدات السورية. وكان رد فعل النظام من البداية ارتكاب أعمال عنف لا تقل وحشية عن أفعال معمر القذافي في ليبيا. في 23 مارس (آذار) فتحت قوات الأمن النار على الحشود المتجمهرة في درعا وأطلقت النيران بعشوائية على المسيرات السلمية التي كانت تنظم كل بضعة أيام منذ اندلاع الاحتجاجات. وقتل ما يزيد على 700 سوري وتم اعتقال نحو 10 آلاف، ولا يعرف مكان المئات منهم. ثم جاء الرد الغربي، فبعد مرور أربعة أيام على بداية إطلاق النار على المتظاهرين، دعت هيلاري كلينتون الحاكم السوري المستبد بشار الأسد بـ«الإصلاحي». وتم فرض أول عقوبات محدودة من قبل الولايات المتحدة في 29 أبريل (نيسان)، أي بعد أول مطالبة بالحرية بـ45 يوما. يوم الجمعة ومع تصويب القوات السورية الأسلحة الآلية والمدافع نحو صدور المتظاهرين، سارت أوروبا على نهج الولايات المتحدة أخيرا. وهدد بيان صادر عن البيت الأبيض باتخاذ المزيد من الإجراءات، لكنه أشار إلى أن ذلك سوف يتحدد بناء على ما سيفعله النظام، وكأن ما فعله ليس كافيا. ربما الأهم من ذلك هو عدم قول الرئيس أوباما عن الأسد ما قاله عن القذافي والرئيس المصري السابق حسني مبارك وهو أنه عليه الرحيل.

هل سوريا أقل أهمية من ليبيا؟ على العكس، حيث يتفق الخبراء الإقليميون على أن دمشق محور مهم في منطقة الشرق الأوسط. إذا تعثر نظام الأسد، ستخسر إيران أهم حلفائها وحلقة الوصل بينها وبين حزب الله في لبنان وحماس في غزة. يمكن أن تنهار إمبراطورية الظل الإيرانية وسيكون نظام الحكم الديكتاتوري الإيراني في خطر حقيقي. لم يطلب أحد في سوريا تدخلا عسكريا مثل الذي حدث في ليبيا ولن تستطيع الولايات المتحدة وأوروبا القيام بأي شيء أكثر حسما حتى وإن حشدوا جهودهم. لكن لماذا يقومون بالقليل وبهذا البطء؟

أعتقد أن السياسة الأميركية تجاه سوريا تأثرت ببعض العوامل ذاتها التي أدت إلى الاستجابة البطيئة للولايات المتحدة لكل الثورات العربية. هناك تردد في تنحية المفاهيم التقليدية المقولبة عن السياسة العربية وعدم الإيمان بإمكانية التغيير الثوري جانبا. هناك قلق مما يمكن أن يعقب انهيار هذه الأنظمة الاستبدادية، وهناك عدم رغبة في مواجهة حلفاء إقليميين يستفيدون من الوضع الراهن. لقد تحدثت عن بعض هذه العقبات الأسبوع الماضي مع أسامة منجد، المتحدث الرسمي النشيط للمبادرة الوطنية للتغيير وهي ائتلاف من نشطاء سوريين على شبكة الإنترنت داخل وخارج سوريا. يرى أن أول مشكلة هي أن الولايات المتحدة «ليست لديها سياسة تجاه سوريا، بل سياسة تجاه عملية السلام في الشرق الأوسط». إنه على حق بالطبع. فقد تمحورت سياسة «الاشتباك» التي تتبناها إدارة أوباما تجاه سوريا حول الوصول إلى نتائج في دول أخرى، وهي سلام في إسرائيل واستقرار في لبنان وعزلة إيران. من أسباب التباطؤ في التخلي عن الأسد هو أن هذا سيعني التخلي عن طريقة التفكير التي ترى أن الأسد قادر على تحقيق هذه الإنجازات.

لقد بدد حمام الدم الذي شهدته الأسابيع القليلة الماضية الأوهام بأن «الأسد شخصية إصلاحية»، لكن الخوف من المجهول الذي سيأتي بعد رحيله يظل مهيمنا على المشهد. ويوجز مقال نشر في صحيفة «واشنطن بوست» الأسبوع الماضي ذلك، حيث يؤكد أن سقوط النظام «سوف ينشر الفوضى والعنف والتطرف». ويطرح منجد سؤالا هو: ما الدليل على ذلك؟. حتى هذه اللحظة لم يندلع أي «صراع طائفي» خلال الاحتجاجات، بل على العكس كل الشعارات التي رفعت خلال تلك الاحتجاجات كانت تؤكد على الوحدة. ولم يظهر على الساحة أي انتحاري تابع لتنظيم القاعدة، بل طلبة وعمال يطالبون بأن تلحق بلادهم بركب التقدم في القرن الواحد والعشرين، شأنهم شأن جميع المواطنين في مختلف دول الشرق الأوسط. ويقول منجد: «النظام هو الوحيد الذي يتحدث عن الصراع الطائفي. ويدرك الناس في الشوارع أن هذا فخ وهم مصممون على عدم الوقوع فيه».وأخيرا هناك دول جوار لا يريد أوباما مواجهتها وهي المملكة العربية السعودية وتركيا وإسرائيل. لكن في حالة الدولتين الأخيرتين على الأقل كان هناك تحول في المواقف خلال الأسبوعين الماضيين. بات هناك إدراك حاليا باحتمال ألا يصمد الأسد، وإن فعلها سوف يكون نظامه ضعيفا بشكل يمثل خطرا. وقال منجد: «آمل أن تدرك واشنطن ما تدركه إسرائيل، وهي أنه راحل. لذا سيكون من الأفضل في هذه المرحلة من أجل المستقبل أن تبدي على الأقل بعض المؤشرات على انحيازها إلى جانب الشعب السوري. أظن أن واشنطن سوف تغير موقفها خلال الأربع والعشرين ساعة الأخيرة التي تسبق النهاية». أن تأتي متأخرا خير لك من ألا تأتي.

السابق
رسالة من وهاب
التالي
إلى أي مدى ستستفيد أميركا من ارتفاع العملة الصينية؟