جنبلاط لـ”السفير”: لهذه الأسباب نريد حكومة

حسنا فعل وليد جنبلاط بأن ألقى حجرة سياسية في بركة الفراغ الحكومي المستحكم، وحسنا فعل بتلميحه الى أنه لن يستمر بتغطية هذا الواقع السلبي، فاتحا الباب أمام «الحلفاء الجدد»، وبقية مكونات تغيير معادلة الأكثرية والأقلية، لأن يتمعنوا جيدا في موقفه، وأن يعيدوا النظر في حساباتهم المتناقضة أو الخاطئة، بعدما بلغت الادارة السياسية للملف الحكومي حدا لا يمكن لطرف أن يغطيه أمام الرأي العام اللبناني في ظل مخاطر خارجية من جهة وتحديات داخلية، من جهة ثانية، ليس أقلها وأخطرها الملف المعيشي الزاحف، مع ما يمكن أن يكون له من تداعيات في الشارع، في ظل «تجارب» أظهرت حتى الآن، أنه ليس صحيحا أنه بمقدور طرف لبناني أن يضبط الشارع، أو بالأحرى «شارعه»، واذا صدف وأنه غطى مخالفة وقرر العودة عنها، سيكون من الصعب عليه أن يقنع جمهوره بالعودة عنها…

واذا كان البعض راح يبني على الصرخة الجنبلاطية عمارات سياسية، على طريقة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، فان رئيس جبهة النضال الوطني، بدا ثابتا في خياراته السياسية، لكنه على قناعة، بأن الادارة الخاطئة لا يمكن أن تنتج حكومة ما زالت عالقة منذ أكثر من مئة يوم، في قمقم المطالب المستحيلة والمماحكات العقيمة وخاصة بين «الجنرالين».

وجاءت صرخة جنبلاط في الوقت الذي شهدت فيه مشاورات التأليف ما وصفته مصادر واسعة الاطلاع، بحراك ملحوظ انما ليس مثمرا حتى الآن، ويتمحور حول اسماء جديدة يتم تداولها لتولي حقيبة الداخلية، وصلت الى القصر الجمهوري، وتبين أن رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان قد رفضها كلها، ليس من زاوية الاعتراض على اسم ما بحد ذاته، بل من منطلق حقه بالاقتراح وبأن يستمر بالاقتراح حتى يوافق العماد ميشال عون وليس العكس، كما أن رئيس الجمهورية تمسك بحقه الدستوري في الاطلاع على التشكيلة الوزارية كلها وليس على اسم وزير الداخلية في خطوة فاجأت الرئيس المكلف وبقية مكونات الأكثرية الجديدة.

وعكست اوساط الرئيس نجيب ميقاتي «اجواء جدية تسود المشاورات على امل الوصول الى تقدم ملموس يؤدي الى التوافق على شخصية تحظى بقبول الاطراف حولها لتولي الداخلية»، واشارت في هذا الصدد الى ان اتصالا جرى في الساعات الماضية بين الرئيس المكلف والمعاون السياسي للامين العام لـ«حزب الله» الحاج حسين خليل، وبحثت خلاله بعض الافكار.

في غضون ذلك، اطلق النائب وليد جنبلاط موقفا لافتا في توقيته كما في مضمونه، وذلك عشية زيارة من المقرر ان يقوم بها الى دمشق الخميس المقبل للقاء معاون نائب رئيس الجمهورية السورية اللواء محمد ناصيف، حيث عبر فيه عن سخطه مما بلغته حال التأليف والمحاصصات التي تعطله، ملقيا كامل المسؤولية على الاكثرية الجديدة وحملها مسؤولية العجز عن التأليف، مبرئا الرئيس المكلف الذي قال انه استجاب لكل ما طلبته منه الاطراف السياسية، وهو الأمر الذي غمزت اليه قناة «المنار» في مقدمتها، مساء أمس، باشارتها الى أن جنبلاط «برّأ الرئيس المكلف من تهمة التعطيل فيما لم يأت على ذكر رئيس الجمهورية لا اتهاما ولا تبرئة في سياق انتقاده للمتحاصصين».
واوضح جنبلاط الذي تلقى، امس، اتصالا من الرئيس ميقاتي شكره فيه على موقفه «ان الغاية من موقفه الذي عبر عنه في جريدة «الانباء» الاشتراكية، هي اطلاق صرخة في هذا الفراغ الذي يعاني منه البلد، ودق ناقوس الخطر من هذا العبث الذي وصلنا اليه، وتنبيه الحلفاء الى ان المسألة تجاوزت الخطوط الحمر ولم تعد تحتمل».

وقال جنبلاط لـ«السفير»: انني اتوجه الى الحلفاء في 8 آذار من موقع الصداقة والمحبة والحرص لأؤكد اننا لا نستطيع ان نبقى في هذه الحال من الشلل، نحن فريق واحد، نلتقي على مجموعة من الثوابت الوطنية والعربية وفي مقدمها التمسك بالطائف وحماية المقاومة، فماذا ننتظر، يجب ان نعلم اننا لم نعد نســتطيع ان نكمل بهذه الطريقة، وبهذا المنحى، فيكفي هذا الفراغ.

وردا على سؤال قال جنبلاط: «آن الاوان ان ندرك جميعا الحاجة الى الحكومة اكثر من أي وقت مضى، لحماية مجتمعنا اللبناني لا بد من حكومة، لحماية استقرارنا لا بد من حكومة، لحماية الاقتصاد لا بد من حكومة، لحماية الدولة وكل مستلزماتها ومواصفاتها لا بد من حكومة، لبناء الادارة والمؤسسات والتعيينات لا بد من حكومة، لحماية البلد من العبث المستشري، كما حصل في موضوع الأملاك العامة والمشاعات، ولحماية المقاومة لا بد من حكومة ولحماية الخاصرة السورية لا بد من حكومة، الا يكفي ذلك كي نبادر الى تأليفها في اسرع وقت»؟

وعما اذا كان قد اعاد تموضعه السياسي، قال جنبلاط: هذه فرضية غير منطقية، فالمسألة ليست مسألة انتقال من موقع الى آخر، فما اقوم به هو تنبيه الحلفاء والاصدقاء في الموقع الوطني والمقاوم باننا لا نستطيع ان نستمر في هذه الحال من العبث والفوضى.
وردا على سؤال سخر جنبلاط من تلك المقولات التي تحدثت عن علاقة سلبية بينه وبين دمشق، وقال: لا اريد ان ارد على تلك الاختلاقات التي تم نسجها عن زيارتي الاخيرة الى سوريا، بل اريد ان اؤكد انني اصر على علاقتي مع سوريا، ولان سوريا في ازمة فانا مصر على العلاقة معها وسأزورها باستمرار.

في المقابل، استغربت اوساط النائب ميشال عون ما صدر عن جنبلاط وقالت لـ«السفير»: «اذا كان وليد جنبلاط مترفعا الى هذه الدرجة، فليتخل عن وزارة الاشغال اولا، وليتراجع عن المطالب التي قدمها، والتي لم يسبق له ان قدم مثلها في الحكومات السابقة لا حول نوعية الحقائب ولا حول عددها».

ورفضت الاوساط نفسها القاء المسؤولية على الاكثرية الجديدة معتبرة «ان اتهام الاكثرية الجديدة بالتعطيل هو كلام خاطئ ولا يعبر عن حقيقة الامر»، ولفتت الاوساط نفسها الانتباه الى ان من حق الاكثرية ان تشكل حكومة وفقا لتطلعاتها، خاصة انها هي التي قامت بتكليف ميقاتي، وفي أي حال الكرة في ملعب سليمان وميقاتي، «خاصةواننا كتيار وطني حر، تساهلنا في موضوع الاحجام، كما تساهلنا في موضوع الداخلية وقلنا اننا مستعدون للتوافق حولها، لذلك لا يجوز تعميم المسؤولية، خاصة ان هناك طرفا معينا لا يريد تشكيل الحكومة، وهو رئيس الجمهورية الذي رفض عدة مخارج للمشكلة قمنا بطرحها».

السابق
نائب معارض لـ”الأنباء”: لبنان في غرفة الانتظار حتى إشعار آخر
التالي
الوطن: تراجع منسوب التفاؤل بولادة الحكومة