الراي: هل يفضي مأزق ميقاتي إلى خلط أوراق يُنتج بوليصة تأمين داخلية؟

… هو الأفق المسدود الذي يضع لبنان منذ 25 يناير الماضي في «عنق الزجاجة» وسط بروز مؤشرات الى ان «ستاتيكو» المراوحة ضمن دائرة المأزق مرشح لـ «التمديد» وإن تحت شعارٍ تم «الاستنجاد» به على قاعدة ان المزيد من «الفرْملة» في ملف تشكيل الحكومة الجديدة أقل تكلفة من الاندفاعة غير المحسوبة نحو خطوة «من جانب واحد»، اي ان يشكّل الرئيس المكلف نجيب ميقاتي حكومة «الأمر الواقع»، او من الانتقال الى مرحلة «الحسم» اي الإفراج عن حكومة بمواصفات الأكثرية الجديدة يمكن ان تشكّل «وصفة» مشكلة لسورية مع المجتمع الدولي قبل ان يكون اتضح الخيط الابيض من الاسود في مسار الاحتجاجات التي يواجهها نظام الرئيس بشار الاسد.

ومع استمرار ترنّح الملف الحكومي وفيما العقدة تجترّ أخرى بمسميات مختلفة تارة عنوانها حقيبة «الداخلية» والصراع حولها بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان وزعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون وطوراً عنوانها الاستقطاب بين مكونات الاكثرية الجديدة على الاحجام وتوزيعها ضمن التشكيلة الجديدة، بدأت الصالونات السياسية في بيروت تضجّ بسلّة اسئلة كبيرة: ماذا بعد؟ وكيف السبيل لكسر حلقة المراوحة؟ وما «خريطة الطريق» لايجاد «عازل» يقي لبنان «شرّ» الدخول على خط التوتر العالي في المنطقة او تلقُّف ارتدادات «العواصف» في عدد من الدول العربية سواء التي تعيش في «قلب» البركان او التي تعيش مخاض ما بعد التغيير «غير المكتمل»؟

اوساط واسعة الاطلاع في بيروت رسمت لـ «الراي» لوحة بالغة السلبية حيال المشهد اللبناني «المقفل» والذي يشي بمضاعفات «تنفجر» سواء على المستوى الامني او الاقتصادي ـ الاجتماعي ما لم يتم تدارك مثل هذا «القطوع» من خلال دينامية داخلية تعاود إدارة محركات التواصل «المقطوع كلياً» بين أفرقاء 8 و 14 آذار والجلوس الى الطاولة للتفكير في «الخطوة التالية» قبل ان تسبق التطورات الجميع «وعندها لن ينفع الندم».

وبحسب هذه الأوساط، فان «المدخل» لعودة الحوار بين قوى 8 و14 آذار يكون بالرجوع الى مرحلة ما قبل 25 يناير الماضي، اي تكليف ميقاتي، معتبرة ان هذا يتم من خلال اعتذار الأخير «لان هذا يشكّل الخطوة الاولى على طريق إلغاء مفاعيل الانقلاب الذي حصل والذي لا يمكن لـ 14 آذار ان تشرّعه، ولو اختار ميقاتي تشكيل حكومة تكنوقراط او ذهب الى خيار حكومة الامر الواقع»، ومعتبرة «ان عدم إكمال نصاب الانقلاب واستعادة التواصل بين جميع الاطراف يُعتبر نافذة للولوج الى مشروع حل او افكار حلول ربما لا تكتمل، وقد لا تفضي الى تسمية رئيس حكومة جديد او يمكن ان تؤدي الى تكليف شخصية من خارج الاصطفاف الحاد، وذلك بما يتيح على الاقل تشكيل «حصانة» داخلية وتوفير «بوليصة تأمين» للبلد ضدّ العواصف الاقليمية والعربية والتي شكّلت الاحداث الطائفية في مصر اخيراً مؤشراً بالغ الخطورة في إطارها من دون إغفال عدم وضوح آفاق الاحداث في سورية».

وتعتبر هذه الاوساط الواسعة الاطلاع ان تحصين الوضع الداخلي بالحد الادنى يسمح للبنان بتجاوز «مرحلة الخطر» الخارجية بأقل أضرار «بانتظار توافر مظلة عربية – دولية تتيح تأمين حل متكامل لا تبدو عناصره متوافرة في المرحلة الراهنة»، وملاحظة ان «لبنان وربما للمرة الاولى منذ فترة طويلة يعيش في ظل غياب «ضوابط عربية» لوضعه الداخلي، كما انه غير موجود على سلّم الاولويات الدولية، وربما لا يكون استقراره مطروحاً ضمن «سلّة الأثمان» التي يتعيّن على النظام السوري دفعها في حال استمرّ الغطاء الغربي ولا سيما الاميركي له حتى يُنهي حركة الاحتجاجات على الاراضي السورية».

وتبعاً لذلك تدعو الاوساط نفسها الى معاينة 3 مواقف: الاول لرئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط الذي دعا الى فتح الابواب المقفلة بين 8 و14 أذار وذهب امس الى دار الفتوى قبل ان يزور الرئيس سليمان، والثاني لرئيس البرلمان نبيه بري الذي اكد «على الوحدة الوطنية وضرورة الخروج من الاصطفافات التي أدّت إلى تقسيم لبنان عمودياً»، مشدّداً على الإسراع في «تأليف حكومة مسؤولة ومتكاملة». اما الموقف الثالث فللوزير السابق وئام وهاب (القريب من سورية) الذي أعلن تأييده تشكيل حكومة يتشارك فيها الجميع وذلك بسبب مستلزمات المرحلة الحاليّة، مشيراً الى انه مع «ان يعتذر الرئيس ميقاتي عن التاليف واذا لم يكن قادراً فليعد سعد الحريري».

على ان اوساطاً أخرى ترى ان العودة عن انقلاب 25 يونيو واعتذار الرئيس المكلف يبقى خياراً «لا يملكه» الأفرقاء الداخليون الذين «رعوا» هذا التحول «الاستراتيجي» الذي قلب الاكثرية في لبنان وغيّر وجهتها و»وجهها».
وقالت هذه الاوساط لـ «الراي» ان «حزب الله» الذي يضع «عينيه» على الوضع في البحرين «مدخل الخليج» ويراقب من خلال «غرفة عمليات» تطور الاوضاع في سورية لحظة بلحظة، ليس في وارد «القيام بخطوة الى الوراء» في لبنان تنتزع منه ما يعتبره مكسباً «جنّد» لتحقيقه كافة انواع الضغوط.

وبحسب الاوساط نفسها، فان «حزب الله» وعلى عكس ما يظهر من بعض التصريحات على انه مستعجل تشكيل الحكومة، ليس على عجلة من أمره، وإلا لكان مارس «موْنته» المتعددة الوجه لتحقيق هذا «الهدف»، لافتة الى ان الحزب ربما لا يرى مانعاً في استمرار الوضع اللبناني على «انكشافه» ليبقى جاهزاً «لتلقي» الارتدادات الاقليمية فيما لو «احتاجت» التطورات في بعض الاقاليم العربية مثل هذه الخيارات، كما انه ليس في وارد الذهاب الى حكومة مواجهة مع نصف الداخل اللبناني وغالبية المجتمع العربي والغربي لان ذلك قد يشكل «الاشارة الخاطئة» التي تُحسب على سورية في لحظة «العيون الشاخصة عليها».

وتبعاً لذلك، يبدو لبنان في «شرْنقة» من فأزمات تتوالد على وقع «المخاض العربي» الصعب الذي يترنّح بين «ربيع حرية» و»ربيع دم».
ووسط هذا «البازل» من التعقيدات، لفتت زيارة النائب جنبلاط لمفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، وهي الاولى من نوعها منذ اعلان الزعيم الدرزي في 2 اغسطس 2009 خروجه من قوى 14 آذار قبل ان يعلن عشية تكليف ميقاتي انتقاله الى معسكر «حماية المقاومة وسورية»، علماً ان اوساطاً مراقبة استوقفتها هذه المحطات التي جاءت بعد اللقاء الذي عقده قبل نحو اسبوعين مع رئيس «كتلة المستقبل» فؤاد السنيورة في إطار محاولة اعادة وصل ما انقطع مع تيار «المستقبل» والرئيس سعد الحريري والسعي الى «التمايُز» عن قوى 8 آذار في هذه اللحظة المفصلية على الصعيد العربي.

وقد تمنى جنبلاط بعد اللقاء «كل الخير للانفتاح وتأكيد الحوار بين جميع اللبنانيين»، وقال: «نحن على مشارف القمة الروحية المسيحية – الاسلامية (بعد غد) التي سيجتمع فيها المسيحيون والمسلمون. انها وقفة تاريخية أن يجتمع مجدداً، وتأكيداً للعيش المشترك، المسلمون والمسيحيون وأن يعلنوا ونعلن معهم التضامن مع جميع الشعوب العربية، وخصوصاً الشعب المصري اليوم الذي يمرّ في مرحلة دقيقة فيها نوع من الفتنة نتيجة تحريض من هنا وهناك»، متمنياً لـ»سورية الإستقرار والإصلاح أيضاً في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر فيها»، مضيفاً: «سأكمل زياراتي للرؤساء الروحيين من دون استثناء في هذا الجو العام الإيجابي والمنفتح».

وجاءت حركة جنبلاط الذي زار بعدها رئيس الجمهورية، وسط عودة «هبة التشاؤم» الى الملف الحكومي عقب ما يشبه «نعي» مشروع التسوية لحقيبة الداخلية الذي قضى بتسمية الرئيس السابق لمجلس القضاء الأعلى القاضي غالب غانم لتوليها وذلك نتيجة رفض العماد ميشال عون هذا الترشيح لاعتبارات عدة بينها ان غانم محسوب على خصومه السياسيين وأولهم رئيس الجمهورية. علماً ان مصادر عدة عادت لتؤكد ان هذه العقدة ليست الا «اول طرف الخيط» في التعقيدات موضحة ان وراء «أكمة» الداخلية عناوين أخرى لا تزال عالقة بينها رفض ميقاتي أن يجمع «التيار الوطني الحر «بين حقيبتي الاتصالات والطاقة، ومعارضته عودة الوزير شربل نحاس.

وفي موقفه الاسبوعي لجريدة «الأنباء» الصادرة عن الحزب التقدمي أعلن جنبلاط انه «لم يعد منطقيّاً إستمرار «الحزب التقدمي الاشتراكي» في تغطية هذه الحالة من المراوحة والفراغ والتعطيل ضمن ما يُسمّى الأكثريّة الجديدة التي أثبتت أنها فشلت فشلاً ذريعاً في تأليف الحكومة الجديدة».

ولفت الى انه «سبق أن أجمعت الأكثرية الجديدة على تسمية الرئيس نجيب ميقاتي الذي لبّى معظم المطالب السياسية لمختلف الأطراف قدر المتاح، فلماذا هذا الترف في التعطيل ووضع العقبات تلو العقبات»؟
وذكر بـ «ان الاعتبار الأساسي الذي بنى الحزب على أساسه موقفه السياسي هو حماية الاستقرار والسلم الأهلي، وإذا كان البعض من القوى السياسية لا يبحث سوى عن مصلحته المباشرة، فإننا لا نستطيع الاستمرار في تغطية هذا الموقف بعد الآن».

السابق
زياد الرحباني يستنكر انتحال اسمه على الفيسبوك للإساءة إلى سورية
التالي
نائب معارض لـ”الأنباء”: لبنان في غرفة الانتظار حتى إشعار آخر