“الحزب” بدأ يعدّ عكسياً لميقاتي

مع ازدياد التفاؤل لدى حزب الله وحلفائه باقتراب النظام السوري من حسم الأوضاع لمصلحته، يزداد تفاؤل الحزب بترجمة هذا الحسم لبنانيا، قطعا للطريق على رهانات رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والرئيس المكلف نجيب ميقاتي باستثمار المأزق السوري وفرض أجندتهما بتشكيل حكومة يحتفظان فيها بالوزارات المفاتيح.

وتكاد هذه الصورة تذهب إلى حَد تصوير الرجلين وكأنهما وضعا كل رصيدهما في الرهان على ضعف النظام السوري، هذه الصورة التي ستكون تكملتها الطبيعية في حال نفاذ النظام من أزمته، العودة إلى لعب دور لبناني سيبدأ بالتعامل مع "المندسّين" في بيروت، كما تم التعامل مع زملائهم في درعا وبانياس وغيرها من المدن السورية.

لم تعد الأزمة التي تعانيها الأكثرية الجديدة أزمة تشكيل حكومة، بل أصبحت أزمة ثقة في كل من سليمان وميقاتي، ربما لأنهما قرّرا في لحظة مؤاتية استعمال عناصر القوة التي يملكانها، فتصرفا بأسلوب الأوركسترا الثنائية المتناغمة وفرضا إيقاعهما، في غياب أي دور سوري مؤثر، وفي ظل عجز حزب الله عن استعمال العصا الغليظة، في انتظار اختراق في التشكيلة الحكومية، ربما لم يعد من الممكن واقعيا انتظار حصوله في الأمد القريب.

ومن وجهة نظر الأكثرية، فإن ميقاتي يخاطر كثيرا إذا اعتقد أنه سينفذ بأهدافه، ومن وجهة نظر الأكثرية، فإن المهلة أمام ميقاتي لم تعد طويلة جدا، وذلك على عكس ما يعتقد، فالقدرة على الضغط عليه للاعتذار موجودة، ولكنها لم تستعمل حتى الآن، في انتظار عودة ميقاتي عن تصوّراته المتفائلة في إمكان أن يلوي ذراع الأكثرية، والأيام المقبلة قد تحمل إذا فشل في التشكيل أو استمر في التعطيل، مؤشرات إلى بدء حملة "فلّ" من نوع آخر، وهي حملة ستفضي في النهاية إلى حَلّين:

رضوخ الرئيس المكلف إلى ما يريد حزب الله وعون، أو الاعتذار تمهيدا لتكليف شخصية سنية تقول الأكثرية إنها جاهزة لتوَلّي المسؤولية وإنجاز مهمة خلال عشرة أيام لا أكثر، وفي هذا الإطار يلمّح أقطاب في الأكثرية إلى أن الوزير محمد الصفدي أبدى "جهوزية" لقبول تكليف تشكيل حكومة جديدة، مع العلم أن مطلعين يشيرون إلى أن الرجل يحاول العودة إلى الوزراء وليس التقدم إلى الأمام، وفق ما تريده الأكثرية الجديدة، فهو جسّ النبض مرات عدة لإعادة وصل ما انقطع مع الرئيس سعد الحريري ومع الدوائر السعودية أيضا.

الأكثرية الجديدة باتت تعتقد أن كلما أطال ميقاتي في الوقت لعدم تأليف الحكومة، كلما كبرت أزمة الثقة، وصعب الترميم في العلاقة الباردة، وهذه الأكثرية لا تزال متمسكة بمطالبها وعلى رأسها مطلب العماد عون بوزارة الداخلية، وهو الذي لم يخفض من سقف المطالبة هذه إلا قليلا، عندما رضي بأن يترك لرئيس الجمهورية حق اختيار اسم من بين مرشحين لتولّي هذه الوزارة ينتقيهم هو، والعماد عون بات متمسكا بالداخلية بطريقة لن تتيح العودة إلى الوراء، حيث يعتبر أنها تشكل حَقّا مكتسبا لتكتله، وهو مطمئن إلى دعم حزب الله له إلى ما لا نهاية، ولو كلف ذلك تأخير تشكيل الحكومة، لأن الحزب في ميزان الأرباح والخسائر لن يفرط في الحليف المسيحي الأول الذي سلّفه الكثير، مقابل إرضاء الرئيس المكلف غير المضمون الولاء، ورئيس الجمهورية الذي لا يرتاح الحزب إلى موقعه وموقفه من الكثير من القضايا التي لا يتهاون بها.

السابق
بري يحذر من عواقب الفراغ: لا غطاء عربياً للبنان.. الآن
التالي
بن لادن وأزمة العقل الإسلامي