اختلاط أوراق لعبنا

مثل أب مثكول يجول بنيامين نتنياهو في أنحاء العالم ويأسف لحاله: فقد أضاع محمود عباس. لكن ليس إحساس الثكل هو ما ينبعث عن نتنياهو وإنما الغضب العظيم لمن خانه شريك زعم دائما انه ليس موجودا. انه شريك داهية يبدو ضعيفا وغير مستقل كأن حياته مرتبطة بنتنياهو. انه خانع دائما وكلامه متردد وبعيد جدا عن الصلابة الاندفاعية للا شريك الاسرائيلي. سار ابن الملك والفقير معا، وعدم الشراكة بينهما تصلهما بمسامير صدئت بسبب قدم الصراع، لكن ذلك بُعد قصير. كانت تلك علاقات مصوغة جيدا واعدة بالبقاء الى الأبد ولو من اجل اخفاء عجزها.

وفجأة، مثل شيطان يطلب تسديد دينه، انقطعت الصلة ومضى عباس الى حماس وفعل نتنياهو ما يفعله كل من شعر بالخيانة: أغلق حساب المصرف المشترك، وقطع ضخ المال، وهدد بضم ارض الفلسطينيين وركض نحو العالم شاكيا إنكار شريكه للجميل. أي إنكار جميل. ان هذا تهديد حقيقي، وكيف يمكن النظر الى من ينام في سرير أشباه بن لادن في غزة.

لا يهم نتنياهو البتة هل ينجح جناحا الدولة الفلسطينية في التوحد والامتزاج. وكذلك لا يهمه من سيكون رئيس الحكومة الفلسطينية وهل الشعب الفلسطيني يريد هذا الامتزاج. فالشعارات التي رفعها الفلسطينيون في رام الله وفي غزة، وكُتب فيها بلون احمر براق أن شعبهم موحد، انزلقت عن أذنيه وعينيه. إنه لا يرى ذلك أمرا فلسطينيا أو عربيا، كل شيء اسرائيلي أو اذا شئنا الأصح: الجميع ضد لاسرائيل. لا خير يمكن أن ينتج عن هذه الوحدة. ومن عدم المفاجأة الكبير ان من لا يرفض المصالحة هب فورا لتحديد أماكن الألغام التي قد تنفجر من المصالحة كي يُسلي نفسه بأن الحديث أصلا عن تصريح لا عن جوهر، وأننا قد حضرنا مثل هذا الفيلم مرات كثيرة.

أمر مثير للغضب. لقد تعودنا على هذا الانقسام كثيرا لدرجة أنه غدا ركنا أساسيا في سياسة اسرائيل إزاء الفلسطينيين. وضمن انه حتى لو قرر عباس المضي الى الامم المتحدة لطلب اعترافها بالدولة الفلسطينية فان اسرائيل تستطيع ان تسحب دائما ورقة غزة وأن تقول انه لا يمثل كل الشعب الفلسطيني في المناطق وانه لا يسيطر على حماس وإن نصف الدولة الفلسطينية توجه حربا حقيقية ضد اسرائيل. وهذه المزاعم نفسها بالضبط التي زعمتها حماس في مواجهة عباس عندما أدار مفاوضته العقيمة لاسرائيل.
إن الانقسام الفلسطيني الذي كانت تراه اسرائيل واقعا أبديا سمح لها برسم خريطة المنطقة كما تشاء: فسوريا وايران وحماس وحزب الله من جهة، ومصر والسعودية والاردن والسلطة الفلسطينية من الجهة الاخرى. كانت تلك خريطة جيدة رُوج لها جيدا في واشنطن واوروبا. ولم يُفسد ذلك سوى تركيا وربما النرويج ايضا، لكن من يحسب لهما أي حساب.

فجأة اختلطت أوراق لعب اسرائيل كلها، فقد غابت مصر، وسوريا مشغولة بقتل مواطنيها، وايران لن تطلق علينا قنبلة ذرية كما يعد ايهود باراك ولم نسمع عن حزب الله لاسابيع طويلة، وبقي لاسرائيل ان تتمسك بحماس وحدها باعتبارها رمزا للواقع الذي لا يتغير، وها هي تخونه الآن ايضا.

وُلد الاخفاق القديم عندما استقر رأي اسرائيل على أن الشعب الفلسطيني لن يتوحد أبدا وأن المسيرة السياسية ليست مع شعب وقادة بل مع مناطق جغرافية. في الضفة أدارت المناطق الاسرائيلية، المستوطنات، التفاوض مع المناطق الفلسطينية. ولم تكن حكومة اسرائيل والسلطة الفلسطينية سوى ممثلتين لتلك المناطق وأدارتا مفاوضات راسمي خرائط لا قادة. لم تشارك غزة في اللعبة، فقد ظلت تُدير معارك مقاومة كان همّها كله أن تصد حوار المناطق بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية.

الآن قام عباس وخالد مشعل بتحول مغضب. فهما يريدان اجراء تفاوض حول مستقبل الشعب الفلسطيني. وهما يريدان دولة معترفا بها في الامم المتحدة، ولم يعودا مستعدين لتفاوض منظمات مع دولة بل دولة مع دولة. ونتنياهو لم يستعد لهذا. اعتاد ياسر عرفات ان يقول عن ذلك: من لم يعجبه ذلك فليشرب ماء البحر الميت.

السابق
أسبـوع المبـرّات: أمانة السيد في عيون رفاقه وقلوبهم
التالي
ثلاثي الترابط