مصالحة أم خروج من نفق مسدود؟

ربط عدد من المتابعين نجاح اتفاق المصالحة الفلسطينية بين حركتي حماس وفتح الموقع الأربعاء الماضي في القاهرة بنجاح ترجمة بنودها على الأرض، رغم تصريحات الجانبين المصرة على طي صفحة الخلافات والانقسامات.
وهذا طبيعي باستحضار تجارب المصالحة السابقة التي كانت تفشل قبل جفاف الحبر الذي كتبت به، لكن ما هو مؤكد أن السياق السياسي والإقليمي وحتى الدولي الذي جاءت فيه اتفاقية المصالحة الأخيرة، مختلف عن الاتفاقيات السابقة ويوفر لها إمكانية النجاح أو يدفع أطرافها لضرورة النجاح، خاصة أنها كشفت منذ الوهلة الأولى النوايا الحقيقية للحكومة الإسرائيلية التي كانت سلطة الرئيس عباس تتجاهلها، وهي سعي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومن سبقه لاستغلال الانقسام الفلسطيني والرهان عليه لتحقيق أهداف المشروع الصهيوني واستمرار الاستيطان ومسلسل الإجهاز على الحقوق الفلسطينية، فمن جهة كانت الحكومة الإسرائيلية تبتز عباس بالانقسام وتشكك في شرعية تمثيله للفلسطينيين، واليوم تعتبر أن المصالحة «ضربة قاسية للسلام ونصر عظيم للإرهاب»، وتخيره بين المصالحة مع حماس أو السلام مع إسرائيل أي تخييره بين إعطاء ظهره للشعب الفلسطيني ورغبته أو كسب رضا إسرائيل، وهذا كشف وجهها القبيح لمن كان يشكك في ذلك من العالمين.
واليوم ليس أمام حركتي فتح وحماس خيار آخر غير الع
مل على إنجاح المصالحة وبالتالي تقديم التنازلات الممكنة لأجل ذلك، لأنها من جهة تجسد رغبة الشعب الفلسطيني، وتلقى ترحيبا واضحا من الدول العربية وجهات دولية كالصين وروسيا، وترحيبا حذرا من فرنسا وبريطانيا، ودعما كبيرا من الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر الذي دعا الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لدعم اتفاق المصالحة بين فتح وحماس لأنه يساعد على إقامة أسس الدولة الفلسطينية الموحدة وسلام حقيقي مع إسرائيل.
ومن جهة أخرى، لأنها تنفس عن حالة الغضب داخل الشعب الفلسطيني من تداعيات الانقسام وتردي الأوضاع، وتخرج الطرفين من نفق مسدود، يخرج السلطة الفلسطينية من وضعها المأزوم على كل الصعد بعد فقدانها لحليف كبير بسقوط نظام مبارك ونهاية عهد الوساطة المنحازة والمائلة أكثر للمقاربة الإسرائيلية.

كما تعطي لعباس أبومازن دفعة قوية في سفره للأمم المتحدة سبتمبر المقبل للمطالبة بالاعتراف بدولة فلسطينية، ويخفف الحصار المضروب على قطاع غزة.
ومن المتوقع أن تواجه اتفاقية المصالحة خلال السنة الفاصلة عن الانتخابات التشريعية والرئاسية مطبات عديدة، خاصة أنها لم تأتِ نتاج عملية مراجعة ونقد ذاتي، ومصارحة ومكاشفة عن مرحلة الماضي، وتقييم شامل لمسلسل التفاوض مع إسرائيل وكيفية التعامل في المرحلة المقبلة، بل جاءت كما سلفت الإشارة نتاج سعي الطرفين للخروج من مأزقهما الحالي، وخوفا من انتفاضة ثالثة للشعب الفلسطيني، وهو ما يفسر طبيعة بعض البنود في اتفاقية المصالحة المدبرة لمرحلة انتقالية إذا جاز التعبير (حكومة تكنوقراطية تدير الشؤون الداخلية الفلسطينية) واستمرار تولي قيادة منظمة التحرير الفلسطينية للملفات السياسية وعلى رأسها ما يعرف بعملية السلام مع تشكيل إطار قيادي من اللجنة التنفيذية للمنظمة ورئيسها والأمناء العامين للفصائل الفلسطينية ورئيس المجلس الوطني الفلسطيني وشخصيات مستقلة لتفعيل هياكل المنظمة والتشاور حول القضايا السياسية، على أساس أن يكون صندوق الاقتراع هو الفيصل في المرحلة المقبلة التي تلي الانتخابات.

لكن حماس اختارت فيما يظهر استثمار الاتفاقية المذكورة بغض النظر عن مصيرها لتوجيه رسالة للغرب، من خلال تأكيد رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل على إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على أرض الضفة والقطاع عاصمتها القدس الشريف، أي على حدود الأراضي التي احتلت عام 1967 وهو ما يشير لقبولها مبدأ الدولتين، وفي هذا رسالة محرجة لإسرائيل ومحاميتها الولايات المتحدة الأميركية، ولعله السبب الذي جعل هذه الأخيرة لم تبدِ موقفا واضحا وحاسما من الاتفاقية وربطت ذلك بالاطلاع على كامل بنودها.

ومن شأن موقف حماس المذكور أن يجعل سعي نتنياهو ومن يدعمه في جولته الأوروبية لإقناع بريطانيا وفرنسا برفض اتفاقية المصالحة الفلسطينية مهمة صعبة، خاصة في ظل واقع عربي جديد لم تعد الشعوب فيه تقبل بتغييب رأيها وتجاهل نبضها وسرقة أحلامها.

السابق
ستار أكاديمي حاضر براق ومستقبل مجهول
التالي
السنيورة يحاذر الدخول في الملف السوري