الحصانة الوطنية في مواجهة الحرب النفسية

أثناء الحرب العالمية، قام اليابانيون بضرب الأسطول الأمريكي في «بيرل هاربور»، واستطاعوا إنزال خسارة كبيرة في الأسطول الأمريكي عند هجومهم المفاجىء، لكن اليابانيين خسروا الحرب العالمية، لأن الهجوم وحّد صفوف الأمريكيين، وعمل الأمريكيون من أجل هدف واحد هو هزيمة اليابانيين.

إن ما تشهده سورية إنما هو حرب شاملة ضد كل من يقف في وجه المشروع الصهيوني، لأن الانتصارات التي حققتها المقاومة في القرن الواحد والعشرين، لها دلالات خطيرة على المشروع الصهيوني، ما دفع الصهاينة بالتفكير إلى محاولة خلق واقع جديد، عبر وسائل جديدة فرضتها الظروف لطبيعة أسلحتها وأدواتها ومهامها.

وجّه الصهاينة حرابهم إلى الجبهة الداخلية في سورية عبر الحرب النفسية، وكان هدفها الفصل بين القيادة والشعب، وخلق مشاعر عدائية بينهما، وكذلك خلق مشاعر عدائية بين الجيش والشعب، من خلال اختلاق الفتنة وتكريس حالة من الاحتقان، ما يؤدي إلى إضعاف سورية ولتحقيق ما عجزت عن تحقيقه إسرائيل، عبر معادلة تحطيم إرادة القتال والمقاومة وإشاعة روح الهزيمة، وتشتيت الفكر والعقيدة والثقة بالذات، وإضعاف الحصانة الحضارية والوطنية والدينية والاجتماعية والثقافية، وتجريد السوريين من الروح المعنوية، وجعلهم مهيئين للخضوع والاستسلام، وفرض واقع الاستسلام.

أطلّ القرن الواحد والعشرون على الصهاينة بعدد من الهزائم في الجنوب اللبناني عام 2000 وعام 2006، وعدم قدرتهم على تحقيق أهدافهم أثناء خروجهم للحرب على غزة في نهاية عام 2008 – 2009 .
بعد سلسلة الإحباطات العسكرية، أدرك الإسرائيليون أنه لا يمكن تحقيق المشروع الامريكي الصهيوني، إلا بتوجيه ضربة إلى سورية بسبب دعمها للمقاومة، ورأت إسرائيل أن المهمة الأساسية هي التأثير على إرادة على السوريين، عبر استخدام الدعاية المحطمة للمعنويات والتهديدات والإنذارات عبر المنابر الدولية، وكذلك من خلال فرض الحصار الاقتصادي، ومن خلال إثارة الفتن وإضعاف الثقة بالنفس، وإشعار السوريين باليأس من موقفهم ومن ضعفهم.
أراد أعداء سورية، من الحرب النفسية الموجهة ضدها، إضعاف الشعور القومي والوطني في أوساط الشعب العربي السوري، فجنّدوا بعض الجماعات مستغلة بعض المطالب الشعبية المحقة، وحرضوا هذه الجماعات على التخريب وإثارة الفوضى والتحريض ضد الأمن وأفراد الجيش وترافق ذلك مع بث أفكار التشكيك والتردد وانعدام الثقة، وترويج الإشاعات المحضة والمخربة والدعاية المفرقة للصفوف.

أرادت القوى المعادية، بوسائل الحرب النفسية وباستخدام التضليل والخداع، تصوير ما يجري على أنه ثورة من أجل الحرية، وأن النظام يقف في صف، والشعب في صف مقابل، وتوهم أعداء سورية أنهم قادرون على جذب اهتمام الناس وتحريضهم، مراهنين على التلقي السلبي غير القادر على التحقيق والتمييز والاستنتاج، وعلى الإشاعة التي تخلط بين الأسود والأبيض، وأراد مروّجو الحرب النفسية الخلط بين المعنى المعبّر وبين الإشارة الموضوعية لها، إلا أن بصيرة السوريين وبفكرهم ووعيهم، استطاعوا أن يكشفوا خبث هذه الحرب، وما كانوا يريدون بثه وما يريدون فعله.

لقد كشف استخدام الحرب النفسية الكاذبة عن الدور الحقيقي لتلك القنوات التي بثّت ونشرت الشائعات.
إن ما تشهده سورية من حرب نفسية ليس إلا جزءاً من حرب شاملة، وعلى جميع الأصعدة العسكرية والسيكولوجية والاقتصادية، لأن إضعاف سورية ليس إضعافاً لقوتها العسكرية والاقتصادية والسياسية ولدورها ولبنيتها ولحصانتها الوطنية فقط، إنما هو إضعاف لقدرات الأمة المناهضة للمشروع الصهيوني، ولذلك كانت هذه الحرب عنيفة وشرسة، نظراً لطبيعة أسلحتها وأدواتها، ونظراً للمهمات التي اشتملت عليها قبل إعلان الحرب بوقت طويل، ولأن العدو الحقيقي تجنّب التعريف بنفسه، فهو اختفى وراء صوت الوطن والحرية والحاجات.

لقد كان عدد العاملين المشاركين في هذه الحرب النفسية أكبر بكثير من عدد المتظاهرين السوريين، وقد بلغ عدد شهود العيان الذين استخدموا على المحطات الفضائية ضد سورية منذ بداية الأحداث أكثر من خمسة آلاف شاهد عيان إلى الآن، أي أكثر من عدد المتظاهرين في عدة محافظات، وامتدت ساعات العمل المباشرة الموجهة ضد سورية منذ بداية الأحداث، في فضائيات التحريض التى ركزت اهتمامها على سورية، لتبلغ آلاف الساعات، في حين لم يتجاوز مجموع ساعات العمل للقنوات الفضائية الثلاث التي تصدّت للشائعات والدعاية والحرب النفسية 600 ساعة عمل، ويعود ذلك لعدة أسباب:

أولاً: لقلة عدد القنوات الوطنية: قناة عاملة واحدة وقناة خاصة «الدنيا»، بالإضافة لقناة تجريبية إخبارية.
ثانياً: لعدم وجود قنوات مختصة لمواجهة الحرب النفسية، كذلك لقلة وجود المحللين النفسيين المختصين العاملين ضمن هذه القنوات، لإدارة الأزمة والحرب النفسية ضد العدو، لكن الحصانة الوطنية والوعي اللذين تمتع بهما الإنسان العربي في سورية، كانا العامل الأساسي في التصدي لهذه الهجمة، وفي تأكيد الروح الوطنية ومتانة البناء النفسي، ما أفشل هذه الحرب النفسية، على الرغم من كل أسلحتها.

السابق
القطار أو الوابور
التالي
ويكيليكس.. والصحف اللبنانية:خدمةً للمشاريع السياسية الداخلية