ميقاتي والوقت: من سيقول كلمته… ويمشي؟

يتسرّب التفاؤل من خزّان الرئيس نجيب ميقاتي، ولا ينضب. وبين أسبوع وآخر يعيش البلد على وعد بحكومة. لكنّ الوعود تتراكم. وميقاتي يبدو كل يوم واقفا أمام استحقاق دقيق: هل أقول كلمتي.. وأمشي؟ أم أترك للوقت أن يمشي ويقول كلمته؟ فالوقت "حلّال المشاكل" وخصوصا في بلد تتسارع فيه المتغيرات.

ميقاتي فضّل الخيار الثاني حتى اليوم. فليس سهلا له وللبلد "أن يمشي" هو.

في حضن الطائف

يهدّد العماد ميشال عون: إذا عمد ميقاتي إلى حكومة أمر واقع، فستسقط قبل أن تصل إلى المجلس النيابي لنيل الثقة.

يستمع إلى ذلك الرئيس المكلف، وهو يبتسم ويقول لزواره: العماد عون لاعب أساسي لا يمكن تجاهله أو تجاوزه. ويجب أن يأخذ وزنه في الاعتبار كما سائر القوى السياسية. ولكن لرئيس الجمهورية موقعه أيضا. والمطلوب الفصل بين الرئيس كموقع، وشخص العماد ميشال سليمان. وما نريده هو إعطاء رئيس الجمهورية دوره الذي منحه إياه الدستور. وسيكون ذلك إثباتا على أن الطائف هو اتفاق ملائم للبنان إذا تم احترام بنوده بدقة. وأمامنا كثير من الملفات يستدعي الطائف أن نبادر إليها لاحقا، ولكن علينا أولا التزام ضوابط الطائف في مسألة تأليف الحكومة.

وفي أي حال، وفقا للدستور، إن أي حكومة يتم تأليفها تصبح تلقائيا حكومة تصريف الأعمال، ولو فشلت في الحصول على الثقة.

… بالدم البارد

هناك شعور لدى الذين يلتقون ميقاتي منذ اليوم الأول لتكليفه بأنّ أكثر ما يحرص عليه هو الدم البارد. في هذا المجال يبدو طبع رجل الأعمال هو الغالب، لا رجل السياسة اللبنانية، حيث التوتر أحيانا من "عدة الشغل".

بعضهم سمع ميقاتي يقول: عندما أكون مستعدا لرمي اعتذاري على الطاولة، عندئذ سأقول كل شيء، "سأبقّ البحصة". لكنّ المسؤولية تقتضي تناول جرعات الصبر واحدة تلو أخرى حتى إشعار آخر. ويدرك المواكبون لحركة فردان أن ميقاتي ليس في وارد الاعتذار.

لن تكون حكومته حكومة اللون الواحد. بالتأكيد. والتشكيلتان يقال إنهما في الجيب، وهما الأحبّ إلى قلبه، يسرح فيهما التكنوقراط ويمرحون. لكنّ عارفي ميقاتي ينقلون تفضيله حكومة الإنقاذ الوطني.

"حكومة الإنقاذ"

في الأساس، حاول اجتذاب 14 آذار إلى المائدة. الرئيس أمين الجميل بدا أكثر المتحمسين للمشاركة، حتى ظهر نافرا عن رفاقه. لكنه لم يكن وحده في مفاوضة الرئيس المكلف في أول الطريق حول شروط المشاركة. كان الدكتور سمير جعجع والوزير بطرس حرب أيضا في الجو. ووصلت المفاوضات إلى الآتي: تعالوا نعكس الصورة القائمة في حكومة تصريف الأعمال، حيث تمثل فريق 14 آذار بـ15 وزيرا وفريق 8 آذار بـ10 وزراء وحاز رئيس الجمهورية خمسة وزراء، فتكون الصورة في الحكومة العتيدة: 15 وزيرا للغالبية الجديدة و10 وزراء لـ14 آذار ويبقى لرئيس الجمهورية خمسة وزراء. وتكون داخل وزراء الغالبية حصة الرئيس المكلف والنائب وليد جنبلاط، وبذلك يرتفع حجم الكتلة الوسطية، وركيزتها رئيس الجمهورية، بحيث تتوزع النسب عمليا إلى ثلاث عشرات.

المطلعون يقولون: يومذاك أصرّ فريق 14 آذار الذي ناقش المسألة مع الرئيس سعد الحريري، على أن يحظى بالوزير الملك. وعند هذه النقطة توقفت المفاوضات إلى أن أعلن هذا الفريق عدم المشاركة.

حكومة الإنقاذ أعيد طرحها أخيرا على لسان الرئيس الجميل مجدّدا. لكنّ أي نقاش مع الرئيس المكلف لم يدُر حولها حتى الآن. وقد تعود قيد التداول في المرحلة المقبلة، وخصوصا أن التحديات التي تفرض نفسها إقليميا تجعل من هذه الحكومة ملجأ للجميع. وفي شكل لافت، أيّدها الوزير السابق وئام وهاب قبل أيام.

قوي باستحالتين

اليوم، أم غدا، أم بعد شهر؟

لا يجزم أحد، ولا حتى الرئيس المكلف، موعدا لتأليف الحكومة. و"العدّاد" يتحول كل يوم إلى النقطة الصفر لتبدأ جولة انتظار جديدة… إلى أن تنضج "الطبخة"، وفق ما يريدها الرئيس المكلف.

القوة التي يستمدها ميقاتي تقوم على استحالتين:

1 – لا مهلة دستورية للتكليف والتأليف، وما من مادة ولا عُرف يجبرانه على الاعتذار.

2 – ليس هناك أي مجال اليوم، وخصوصا في ظل التطورات المتسارعة في المنطقة، للعب بالاستقرار عن طريق دفعه بالقوة إلى الاعتذار أو إسقاط أي تشكيلة قد يتم إعلانها قبل وصولها إلى المجلس، كما يهدّد العماد عون.

وبين هاتين الاستحالتين، "يدوزن" ميقاتي بهدوء أمور التأليف داخليا، مستعينا بلحظة فريدة يتقاطع فيها الأميركيون والسوريون والسعوديون مع خط فردان. ولا حدود للانتظار، سوى هاجس بقاء البلد بلا إدارة، بأزماته الاقتصادية والاجتماعية واستحقاقاته.

عندئذ قد لا يكون من حل سوى ذلك الذي طرحه وليد جنبلاط … "الانتحار الجماعي"!

السابق
كيف سيؤثرّ “إنجاز” أوباما على إسرائيل؟
التالي
“سين ـ سين” بري مجدّداً: مناورة أم مبادرة؟