ما بعد مقتل أسامة بن لادن؟

بغض النظر عن بعض الأخبار والحكايات الأسطورية أو التشكيكية حول ظروف وتوقيت اغتيال قائد تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، فإن الشيء المؤكد أن العالم ما بعد أسامة بن لادن لن يكون ما قبله. فبن لادن وتنظيم القاعدة تركا أثراً كبيراً على الصعيد العالمي والإسلامي سواء لجهة دورهما في الصراع مع أميركا أو اعتماد أسلوب التفجيرات واستهداف المدنيين أو على صعيد واقع القوى الإسلامية ونشر آراء ومفاهيم جديدة في العمل الإسلامي.. كل ذلك يستحق النقاش والحوار الهادئ حول النتائج والمترتبات التي تركتها أعمال ونشاطات القاعدة وابن لادن، إن على صعيد نشر الخوف من الإسلام والمسلمين في العالم أو حول طبيعة الصراع بين الإسلام والغرب أو على صعيد أساليب "العلم الإسلامي وكيفية مواجهة السيطرة الأميركية على العالم وتقديم نموذج جديد لدور الحركات الإسلامية الجهادية.

ومع أن الموقف الإسلامي المبدئي يؤكد على ضرورة رفض ومواجهة أساليب القتل والحروب التي اعتمدتها الولايات المتحدة الأميركية ضد الشعوب العربية والإسلامية والتي كانت السبب الرئيس لنشوء التنظيمات الإسلامية المتشددة وفي مقدمتها تنظيم القاعدة، فإن ذلك يجب أن لا يلغي ضرورة النقاش الهادئ والعميق لدور تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن وصولاً للبحث حول جدوى التفجيرات والعمليات التي نفذوها على صعيد واقع العالم الإسلامي اليوم.

لكن السؤال الهام الذي يجب أن يطرح الآن:

ماذا بعد أسامة بن لادن؟ وهل سنكون أمام مرحلة جديدة لدور تنظيم القاعدة والتنظيمات الإسلامية المتفرعة عنه؟ وهل نحن بحاجة لرؤية جديدة في العمل الإسلامي لا سيما بعد الثورات والتطورات التي يشهدها العالم العربي منذ ثورتي تونس ومصر؟

قد يكون من المبكر الجواب على هذه الأسئلة، لكن المطلوب من القيادات والقوى والفعاليات والمرجعيات الإسلامية (وبعيداً عن المواقف المنددة أو المرحبة أو المشككة بعملية اغتيال بن لادن) أن تستفيد من هذه اللحظة من أجل إعادة البحث بشكل معمق حول الأساليب التي يجب أن تعتمدها الحركات الإسلامية لمواجهة الحروب الأميركية والغربية على العالم العربي والإسلامي؟ ولا بد من دراسة مدى صحة اعتماد أساليب قتل المدنيين سواء في البلاد الغربية أو البلاد العربية والإسلامية، خصوصاً إذا لم يكن هؤلاء المدنيين في ساحة الحرب أو لم يتم استخدامهم كمتاريس للجيوش العدوة. كما لا بد من إعادة النظرة حول الفكر الإسلامي المطلوب اليوم للتعاطي مع الواقع الدولي وهل من الصحيح استمرار تقسيم العالم بين دار حرب وكفر من جهة ودار إسلام من جهة أخرى.

لقد عمدت بعض الجماعات والحركات الإسلامية (ومنها بعض التنظيمات والشخصيات التي كانت مرتبطة أو تعمل في إطار تنظيم القاعدة) إلى إجراء مراجعات فكرية وسياسية وعملية لما قامت به وأصدرت كتباً ودراسات تحت عنوان "المراجعات"، واعترف بعض هؤلاء القياديين بالأخطاء التي ارتكبوها في العمل الإسلامي، وهذا يؤكد على أن المطلوب اليوم أيضاً إجراء هذه المناقشة.

لا أحد في العالم العربي أو الإسلامي يمكن أن يقبل بالهيمنة الأميركية أو الاحتلال الأميركي للبلاد العربية والإسلامية، ولا أحد ينكر ضرورة مقاومة الاحتلال والاستعمار سواء كان أميركياً أو إسرائيلياً أو غير ذلك، لكن المهم أن لا يتم اعتماد أساليب ووسائل تكون لها انعكاسات سلبية على الواقع الإسلامي.

إنها لحظة مناسبة اليوم للتفكير المعمق والجدي حول الواقع الإسلامي وحول مرحلة ما بعد أسامة بن لادن، مع الاعتراف أن بن لادن وتنظيم القاعدة تركا بصمات كبيرة على كل الواقع الدولي والإسلامي والعربي طيلة السنوات العشر الماضية…

السابق
اتفاق مصالحة بين طرفي الدعوى في كتاب الفساد في وزارة الثقافة
التالي
أبي رميا: الأمور لم تصل إلى مداها بعد وأمامنا فترة زمنيّة لتشكيل الحكوم