فقراء ‘الحيّ’ على ‘سلّم’ مخالفات لا ينتهي

لم أنم جيدا ليلة أمس، تلك الليلة التي قضيتها عند صديقتي في منطقة حيّ السلّم، والسبب عمليات البناء المتواصلة ليلا نهارا في مشاعات الدولة. فمخالفات البناء على الأملاك العامة تخطّت حدود الجنوب وفتحت الأبواب نحو بيروت وتحديدا أحياء الضاحية الجنوبية، بدءا من أوتوستراد هادي نصرالله تبعا بالليلكي حتى الكفاءات وصولا الى حيّ السلّم، ذاك الحيّ الذي يعتبر بؤرة من بؤر الفقر والإهمال والإكتظاظ. فأين هو هذا الحيّ اليوم من موجة البناء العشوائي وغير الشرعي؟

هو حيّ لا يشبه أيّا من الأحياء. يقع في الجهة الجنوبية الشرقية من الضاحية الجنوبية، عدد سكانه يقدّر بـ250 ألف نسمة يتوزعون على مساحة لا تتعدى الـ4 كيلومترات مربّعة، أي أنّه مكتظّ أكثر من مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، الذي يعدّ واحدة من أكثر الأماكن إكتظاظا في العالم، بـ70 ألف لاجىء في كيلومتر مربع واحد.

هنا لا تعليم جيّد، لا مياه نظيفة مجانية ولا حتى كهرباء. تدخل الحيّ كما لو أنّك في متاهة لا تعرف بدايتها من النهاية. أهل هذا الحيّ لم يتركوا دورهم في التعدي على الدولة وسلطتها، فراحوا يقومون بعمليات بناء لم يسلم منها، إذا صحّ التعبير، سقف منزل، وإن لم يكن ملكا للباني.

أكثر مكان داخل الحي يمكن أن تصله بواسطة الفان هو حيّ "البعلبكي" ، وحتى تصل من نقطة موقف الحيّ إليه فأنت تحتاج إلى ما يقارب النصف ساعة، وهي مدة طويلة نسبة الى المسافة التي لا تتعدى بضعة كيلومترات. لكن الإكتظاظ السكاني الفظيع يمنعك من الوصول الى المكان المطلوب في الوقت المحدد.

كيفما تتلفّت تجد "عجقة ناس وحجارة بيوت". إذ يستطيع القاطن في الحي أن يسلّم على جاره من الشبّاك بسبب التلاصق غير المسبوق للمباني. واليوم ومع البناء المتزايد لا ترى سوى عمّال سوريين يشاركون في عملية البناء، وكأنهم سيل من فيض، إضافة الى مواد البناء التي تغزو الشوارع الضيقة بالأصل ولا يوجد سوى ممر صغير يسمح لقدميك فقط بقطع الطريق. أمّا كيف تصل الى المنزل فأنت في حاجة إلى حمّام عند المدخل، كي تخلع ملابسك كلّها وحذاءك من شدّة اتساخها.

أمّا عند خروجك من منزلك فأنت تحتاج إلى المشي والتنقّل بحذر خوفا من أن تسقط على رأسك من الأعلى "مورينة خشب" وتطرحك "شهيد المخالفات". هذا ليس كل شيء فلا ننسى شوارع الحيّ الضيقة التي يتعذّر قطعها عند دخول آلات البناء من جبّالات وكميونات وشاحنات نقل الخشب والحديد. وحينها يتمنى أي سائق ترك سيارته والسير على قدميه لأنه "أشرف له وبيوصل أسرع".

تقول سيدة، وهي من سكان الحي، أنها تركت منزلها الذي تملكه، بشكل قانوني وشرعي، لمدة يومين قضتهما في قريتها الجنوبية، وعندما عادت لم تعرف منزلها، لأن أحد سكان الحي استغل غيابها وقام ببناء سقف فوق سطح منزلها.

وفي قصة لمواطن آخر: إرتفع في جوار منزله مبنى مؤلفا من ثلاث طبقات على أرض كانت مخصصة لموقف سيارات، فحصل خلاف شديد بين صاحب الموقف والمسؤول عن البناء حول عدد الشقق التي يريد أن يحصل علها الباني بدلا من أجرته!!

هذا هو حيّ السلّم، وهو يصرّ على محاكاة الصورة المرسومة له، من أنّه، إلى جانب حيّ الفقر والإهمال ، لا ينزل أبدا عن سلّم المخالفات الذي لا ينتهي.

هو حيّ "الفقراء المخالفين".

السابق
السياسة: ميقاتي يحسم هوية حكومته خلال أيام لوقف الابتزاز ومنع تفاقم الأزمة المفتوحة
التالي
سبع سنين عجاف