المستفبل: أوجاع التأليف: عجز أكبر وإيرادات أقلّ

بين لعبة تقطيع الوقت لدى أطراف الأكثرية الجديدة برمي كرة العرقلة والتصويب على الرئاستين الأولى والثالثة، من دون الإقرار بالعجز عن توفير مخرج مقبول لأزمة الفراغ، وبين ملامسة الواقع اللبناني الخطوط الحمراء على الصعد الاجتماعية والاقتصادية والحياتية، يراوح المشهد اللبناني الداخلي، فيما أولويات المواطن وسط جنون الارتفاع الأسبوعي لأسعار المحروقات، والتفلت من كل الضوابط، والاستنزاف الممنهج لكل مقومات الصمود، آخر ما يفكر فيه المسؤولون.
بين المتحاصصين في حكومة لم تولد وبين اليائسين من وضع البلد، يبدو أن فريق الأكثرية المستجدة أصبح محكوماً بما أنساه أن اقتصاد البلاد دخل في مرحلة تستوجب نقله الى العناية الفائقة بعدما تحوّلت كل مؤشراته الى السلبية، في حين كان لبنان من بين دول قلّة نجحت في الخروج من تداعيات الأزمة المالية العالمية.

ثلاث نتائج أفرزها خلاف فريق "البيت الواحد" وبينتها أرقام المالية العامة التي أظهرت، بحسب بيان المالية العامة الذي أصدرته وزارة المالية أمس، أولاً ارتفاعاً في العجز الإجمالي قدره 794 مليار ليرة حتى آذار (مارس) 2011، وثانياً تسجيل عجز أولي بنحو 218 مليار ليرة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام، مقارنة مع فائض أولي قدره نحو 582 مليار ليرة في الفترة المقابلة من العام الماضي. وثالثاً تراجع إجمالي إيرادات الموازنة والخزينة المحصلة خلال الأشهر الثلاثة الأولى بنسبة 11.55 في المئة، يعود بجزء منه الى خسارة الخزينة مبلغ خمسة آلاف ليرة من رسم الاستهلاك على البنزين. وفي مقابل انخفاض مداخيل الخزينة ارتفع حجم الإنفاق الاجمالي بنسبة 11.09 في المئة عما كان عليه في نفس فترة المقارنة لعام 2010.

وغني عن التذكير أن وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال شربل نحاس يواصل احتجاز مبلغ يناهز مليار و600 مليون دولار من أموال وزارته ويعيق تحويلها الى الخزينة. كما يجدر التذكير أن "زميله" وزير الطاقة المستقيل جبران باسيل أرسل كتاباً جديداً الى المجلس الأعلى للجمارك يطلب فيه شطب ما تبقى من رسم استهلاك على البنزين، في خطوة لا يمكن تفسيرها إلا أنها إمعان في سياسة إفلاس الخزينة التي تواجه استحقاقات ليس أولها سداد رواتب موظفي القطاع العام ولن يكون آخرها الوفاء باستحقاق سداد قيمة سندات خزينة تستحق هذا الشهر.وإذا غاب عن ذهن فريق الأكثرية المستجدة أن التردي الاقتصادي بكل تبعاته سيطاول كل اللبنانيين، فإن حاكم المصرف المركزي رياض سلامة أكد أن "المركزي" "سيبقى منخرطاً في عملية تأمين التمويل للدولة حامياً ملاءتها وسمعة لبنان". لكنه في نفس الوقت كشف عن أرقام لا تقل سوداوية، فأشار الى أن "نسب التضخّم المتوقّعة حالياً تصل الى ستة في المئة"، مشيراً الى أنها "تفوق الحد الذي يهدف إليه مصرف لبنان عند أربعة في المئة". كما شرح أن نسبة نمو الناتج المحلي الاجمالي لهذا العام والتي توقعها صندوق الدولي لا تتجاوز 2.5 في المئة مقارنة مع سبعة في المئة وأكثر سُجلت خلال العامين الماضيين.

قد لا يكفي أن توضع هذه الأرقام المقلقة برسم فريق عجز عن أن يحل خلافاته في مئة يوم، وربما يبدو من الواجب السؤال عن الأحوال المعيشية التي يبشرنا بها هذا الفريق. يسمع اللبنانيون الكثير عن "عقدة الداخلية" ولا أحد يخبرهم عن "عقدة لقمة العيش".
وفي اليوم الواحد بعد المئة للتكليف، لم ترصد أي مؤشرات إيجابية توحي باقتراب إخراج التشكيلة الحكومية العالقة في دوامة العقد، فيما شملت حركة اللقاءات لقاء بين الرئيسين نجيب ميقاتي ونبيه بري في المجلس النيابي أمس. كذلك التقى، بحسب ما علمت "المستقبل" رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط و"الخليلين"، في وقت ارتفع منسوب الضغط في اتجاه ضرورة التشكيل الذي جدد ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان مايكل ويليامز من بنشعي الدعوة اليه "لمواجهة التحديات والاستحقاقات الاقتصادية والأمنية(..)".

وعلمت "المستقبل" أن بري طلب من ميقاتي التريث في الخطوات التي يمكن اتخاذها مثل تشكيل حكومة "أمر واقع" من أجل انتظار المزيد من المشاورات لإزالة العقبات من أمام التشكيل.
ويبدو أن ميقاتي سيتريث قليلاً ليعطي الاتصالات مداها، لأن المرحلة لم تُستنفد بعد، قبل أن يتخذ القرار المناسب.
كما علمت "المستقبل" أن البحث عن اسم لوزير الداخلية يكون مقبولاً من الجميع، ما زال جارياً.

ووسط ضبابية الرؤية المستحكمة في بلدان المنطقة والجوار، والخطر الداهم سياسياً واقتصادياً، قالت مصادر مواكبة لعملية التشكيل لـ"المستقبل" إن "زيارات الرئيس ميقاتي إلى قصر بعبدا لم تحمل جديداً على صعيد كسر واقع المراوحة الذي يعيشه ملف التأليف، وأن اللقاء بين ميقاتي ورئيس الجمهورية لا يتعدى مناقشة الأفكار للخروج من مأزق التأليف الحكومي، وليس مناقشة تشكيلة حكومية تضم حقائب وأسماء".
أضافت المصادر إن "رئيس الجمهورية متحفظ في الحديث عن المخارج التي يبحثها مع الرئيس المكلف والتي يراها مناسبة، لكنه بالتأكيد لن يوافق على ما يمسّ بالدستور وميثاق العيش المشترك".
وتابعت المصادر إن النائب جنبلاط يحاول من جهته كسر الجمود الحاصل من خلال الأفرقاء المعنيين، وأنه غالباً ما ينسق مع صديقه رئيس مجلس النواب نبيه بري في هذه المحاولة، لكن ذلك لا يعني التفاؤل بقرب ولادة الحكومة التي قد يستغرق إخراجها إلى النور مدة طويلة لأسباب داخلية وإقليمية".

الراعي
وعلى مسافة سبعة أيام من الموعد الذي حدده البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي للقمة الروحية في بكركي في 12 أيار الجاري، رأى الراعي بعيد وصوله إلى بيروت أمس آتياً من الفاتيكان "إذا كان هناك صعوبة في الائتلافات لتشكيل الحكومة فليس هناك ما يمنع أن تشكل حكومة حيادية تكنوقراطية لكي تسير أمور الناس الذين لا يجوز أن تُشل أمورهم من أجل خلافات على وزارة وعلى اسم، هذا أمر ضد كل المبادئ وضد الحكم والديموقراطية(..)".

هدم 130 مبنى مخالفاً
على صعيد آخر، أعلنت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أن "عناصر قوى الأمن وبمؤازرة قوة من الجيش اللبناني قاموا اعتباراً من يوم الجمعة في 29/4/2011 وحتى تاريخ اليوم 5/5/2011، بهدم 130 مبنى مخالفاً مبنياً على الأملاك العامة وأملاك الغير في المناطق التالية: حرم المطار، طريق المطار، الأوزاعي، الجناح ومحيط مستشفى الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومعظم هذه الأبنية مؤلّف من طابقين وعدد منها مؤلف من ثلاثة أو أربعة طوابق".
وأكدت قوى الأمن أن "الحملة مستمرة لإزالة جميع المخالفات المبنية على الأملاك العامة وأملاك الغير".

السابق
النهار: عون و”حزب الله”: لا حكومة “أمر واقع”
التالي
السفير: “حكومة الأمر الواقع” مؤجلة .. وأفكار جديدة لـ”الداخلية”