السفير: “حكومة الأمر الواقع” مؤجلة .. وأفكار جديدة لـ”الداخلية”

عندما يصاب المسؤولون باليأس والبؤس وتصبح حالتهم «بالويل»، يصبح لزاماً على اللبنانيين في زمن الفراغ المستحكم، أن يقنعوا أنفسهم عمليا بأن بلدهم يعاني ليس من فراغ السلطة، بل من فراغ المسؤولية والمسؤولين، بعدما امتهنوا على مدى أكثر من مئة يوم، حرفة اللعب والتلاعب بعقول الناس، حتى صار من حق كل مواطن لبناني أن يعلم حقيقة الاسباب التي تؤخر ولادة حكومته العتيدة.
وقد أدت مبادرة النائب وليد جنبلاط والمعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» الحاج حسين خليل والمعاون السياسي لرئيس مجلس النواب علي حسن خليل، واجتماعاتهم بالرئيس المكلف نجيب ميقاتي، واستمرار تواصل «الخليلين» مع الرابية من جهة، والرئيس المكلف وبعض معاوني جنبلاط مع رئيس الجمهورية، من جهة ثانية، إلى وضع الأمور في نصابها، وخاصة لجهة تجميد خيار حكومة الأمر الواقع الثلاثينية التي كان الرئيس المكلف قد وضعها في جيبه، اعتبارا من صباح أمس، في انتظار أن يحدد له رئيس الجمهورية موعداً لاستقباله.

ومع إعادة فتح باب الأخذ والرد وإعادة تشغيل محركات جنبلاط و«الخليلين»، واجتماع ميقاتي بالرئيس نبيه بري، أوفد رئيس الجمهورية مستشاره ناظم الخوري للقاء ميقاتي، وقدم إليه أفكارا جديدة بشأن حقيبة الداخلية رفضت أوساط قصر بعبدا الخوض فيها مكتفية بالقول «إن الأمور وضعت على نار قوية».
وفي الوقت نفسه، أكدت أوساط العماد ميشال عون، «أن عون ومن باب التسهيل، استجاب لطلب جديد عبر الوسطاء يتمثل بتقديم أسماء جديدة لحقيبة الداخلية، كما سبق ووافق ومن باب التسهيل على اسم احد ضباط الجيش للمنصب وجرى رفضه من قبل الآخرين».
في غضون ذلك، يبقى السؤال المحير، أين تكمن العقدة في التأليف، هل هي داخلية أم خارجية، وإذا كانت داخلية، هل تقتصر على حقيبة «الداخلية» وهل ثمة إرادة بحلها، وإذا كانت خارجية، هل تتصل بكل مسار ما بعد إقصاء سعد الحريري وبرودة الخطوط بين الرياض ودمشق من جهة وبين دمشق وعواصم غربية وعربية من جهة ثانية؟
لقد سرقت «الداخلية» أكثر مما تستحق من وقت اللبنانيين وتم تسويقها كحقيبة مصفحة عاصية على الحل حتى باتت أشبه بمقبرة المخارج التي بلورها جهد «الخليلين» وأحيانا جنبلاط، وبات من الضروري أن يتحلى احد ما بالجرأة لمصارحة اللبنانيين بالسبب الحقيقي، وبمن يقف حجر عثرة في طريق حكومة ليس هناك ما يشير، حتى الآن، إلى إمكان ولادتها في المدى المنظور، وذلك حتى لا يأخذهم «سوء الظن» إلى الاعتقاد بأن وراء الأكمة ما وراءها.
ما هي المخارج من عقدة الحكومة المؤجلة؟ المخارج كثيرة وهذا بعضها استنادا الى رأي خبراء دستوريين وسياسيين:

أولا، إذا كانت العلة تكمن في شخص نجيب ميقاتي، فليمتلك أهل الأكثرية الجديدة، الجرأة بالطلب منه الاعتذار، لفك إحراجه، من جهة وليصار الى تكليف شخصية بديلة من جهة ثانية. وإذا كان خيار ميقاتي سيبقى قائما، فليبادر أطراف الأكثرية الجديدة، إلى تقديم تنازلات على قاعدة «الحكومة أولا»، بدلا من التنصل من تحمل المسؤوليات.
ثانيا، ما دام حسم صيغة «الحكومة السياسية» استلزم أشهرا وصولات وجولات ومع ذلك لم تولد بفعل الاختلافات السياسية القائمة والفيتوات المتبادلة، لماذا لا يتم الذهاب الى خيارات اخرى ومنها، اعتماد صيغة حكومة تكنوقراط مصغرة او موسعة، ترعاها القوى السياسية، إذا ما كان في إمكان هذه الحكومة ان تدير الملف الحياتي والاقتصادي والمعيشي للمواطنين، على أن تترك الملفات السياسية الكبرى، لطاولة الحوار الوطني.
ثالثا، اعتماد المداورة في الوزارات «السيادية»، فيُطلب من ميقاتي تسمية شخصية شيعية لحقيبة «المالية» (كانت من حصة هذه الطائفة سابقا)، على أن يحظى الاسم بموافقة «حزب الله» و«أمل»، وفي المقابل يسمي الرئيس نبيه بري، بالتنسيق مع اطراف الاكثرية الجديدة وزيرا سنيا للداخلية، على ان يحظى بموافقة ميقاتي، ويسري الامر على الدفاع فتكون من حصة الارثوذكس (الرئيس سليمان) والخارجية من نصيب الموارنة (عون).
رابعا، اعتماد صيغة حكومة امر واقع، وتكون أمام احتمال من اثنين، إما أن تأخذ شرعيتها بعدم استقالة أكثر من ثلث الوزراء منها وإما أن يستقيل أكثر من الثلث فتتحول الى حكومة تصريف اعمال، وإذا لم يستقل ثلث الوزراء + واحدا، تكون مهلة الشهر الفاصلة، فرصة لإيجاد مخارج تعيد لم شملها.
خامسا، إذا كانت الداخلية هي العقدة كما يقولون، فثمة خيار يقول بالاتفاق بين الاطراف جميعا على تشكيل حكومة شبه مكتملة، على ان تبقى حقيبة الداخلية معلقة ريثما تتمكن القوى السياسية من انتاج لحظة سياسية مشتركة في ما بينها حول هذا الموضوع، على أن يبقى الوزير الذي يصرف أعمال وزارة الداخلية حاليا (زياد بارود) هو من يصرف الأعمال في الحكومة الجديدة، حتى تعيين وزير أصيل أو إناطة وزارة الداخلية بوزير من الحكومة التي تشكلت.

وبمقدور بارود الاستمرار بتصريف الأعمال إلى ان تمثل الحكومة امام مجلس النواب وتنال ثقته وعند حصول ذلك تكون حالة التصريف مبنية على أساس الثقة الجديدة للحكومة لا على أساس الحكومة التي سبقتها، وعندها تنتهي مهمة وزير الداخلية السابق حكماً ويصبح من الملزم تعيين وزير جديد للداخلية.
ومن المخارج الممكنة ان يتم تعيين وزير للداخلية بصورة مرحلية وبالتفاهم معه، على أن يبادر الى تقديم استقالته بعد التفاهم على اسم الوزير إذا رفض يصار الى إقالته بأكثرية ثلثي اصوات مجلس الوزراء.

السابق
المستفبل: أوجاع التأليف: عجز أكبر وإيرادات أقلّ
التالي
الاخبار: 7 أيار أميركا… أميركا… لمـاذا تركتِني؟