الراي: مفاوضات المئة يوم لتشكيل الحكومة تساوي… صفراً

إذا أردتَ ان «تحزر» سرّ «الضوء الأحمر» الذي لا يزال يحول دون ان تُحرز المفاوضات لتأليف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تقدماً يفضي الى ولادتها، عليك ان تفتّش عن «الضوء الأخضر» الاقليمي الذي لا يزال غائباً في انتظار ان تتّضح وجهة سير التطورات في عدد من الساحات العربية لاسيما سورية حيث تتدرّج ألوان «إنذار الخطر» الذي بات يلامس… النظام.

هذه الخلاصة، ليست جديدة في بيروت، لكنها ترسّخت في الساعات الأخيرة مع ما يشبه اعلان «نفض اليد» من الاتصالات لتشكيل الحكومة، بعدما بدا ان «مفاوضات المئة يوم» (منذ تكليف ميقاتي) لم تكن الا عملية «تقطيع وقت» وتمتْرس وراء تعقيدات ليست من النوع المستعصي، وذلك منذ دخل الوضع في سورية في مارس الماضي مرحلة «العصا بيد ومحاولة الاحتواء بيد أخرى»، ما جعل الملف الحكومي يتّخذ وضعية الـ hold لأسباب «استراتيجية» فيما استمرّ محلياً «اللهو» بمحاولات فك العقد التي ترنّحت بين on وoff، مُدخلةً البلاد في نفق من تصريف الاعمال بدأ يُصرف على شكل مؤشرات اقتصادية بالغة السلبية دفعت القيمين على القطاعات الاقتصادية الى «رفع الصوت» وإطلاق ما يشبه نداء «الاستغاثة».
… «البلد في الويل»، قالها قبل ايام رئيس البرلمان نبيه بري الذي تعوّد «استيلاد التفاؤل» حتى في أكثر المراحل سودوية التي مرّ بها لبنان في الاعوام الستة الأخيرة. وقد عبّرت هذه العبارة عن حقيقة ما آلت اليه الاتصالات في شأن تأليف حكومةٍ صار التأخير الاضافي في تشكيلها خطراً فيما يبقى تشكيلها في هذا المنعطف الاقليمي أكثر خطورة.

وتبعاً لهذه «المعادلة» التي تؤشر الى المأزق الحقيقي الذي يلف قضية تشكيل الحكومة، ترى دوائر سياسية في بيروت ان المراوحة والحفاظ على «الستايتكو» الحالي، على طريقة «لا معلّق ولا مطلّق» قد يشكّل «أهون الشرّيْن»، ولا سيما ان ثمة تقاطُعاً برز بين مختلف «الشركاء»، الاقليميين (سورية وايران) والمحليين (8 آذار وميقاتي) في الوضع اللبناني على شراء المزيد من الوقت قبل حسم مسار الملف الحكومي.
وحسب هذه الدوائر السياسية، فان سورية التي تحاول معاودة الإمساك بزمام الأمور في اراضيها، تراهن على قدرتها على «استئصال» الاحتجاجات قبل ان يبلغها «مبضع» العقوبات الدولية ويبدأ باستنزاف نظامها، ما يجعلها تتريّث في إطلاق يد حلفائها في لبنان للسير بـ «حكومة اللون الواحد» لاعتباريْن: الاول عدم رغبة دمشق في توجيه «الاشارة الخاطئة» الى المجتمع الدولي الذي بدأ يخرج عن حذره في التعاطي معها رافعاً مستوى تحذيراته اليها على خلفية الأحداث الجارية في مناطق سورية عدة، وهو المجتمع نفسه الذي ينتظرها «على الكوع» بإزاء اي «دعسة ناقصة» في لبنان قد ترتدّ على مجمل وضعيّتها المهتزة اصلاً في علاقتها مع الغرب.

اما الاعتبار الثاني لـ «الفرْملة» السورية، فمردّه الى ان ولادة الحكومة اللبنانية فيما نظام الأسد في مرحلة «استنزاف الهيبة» سيعني تشكيلة وزارية في بيروت تستفيد من الانهماك السوري في إخماد عاصفة الاحتجاجات لتقديم تنازلات ولا سيما في الوزارات «الحساسة»، اي الداخلية والدفاع، لا تسمح لحلفائها بـ «تسييل» الانتصار الذي حققوه بإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري وتكليف ميقاتي، وهو الانتصار الذي لا يزال حتى اليوم بمثابة «شيك» لم يُصرف.
واذا كانت هذه «حيثيات» التريث السوري والايراني، الذي يبقى الخروج منه رهناً بتغيُّر نظرة كل منهما الى الواقع الحالي وتالياً تبديل «استراتيجيات العمل»، وهو ما لا يبدو انه في الافق القريب، فان الرئيس ميقاتي لا يظهر في وضع أسهل، هو الذي تبلّغ رسائل مباشرة وواضحة من مغبّة السير في حكومة اللون الواحد التي يكون اللون الايراني والسوري «فاقعاً فيها»، ما يجعل سيره بالحكومة في لحظة «العين» الدولية على سورية وارتفاع وتيرة المطالبة بعقوبات عليها لا توفّر رأس النظام فيها، كما في لحظة «الغضب» الخليجي على ايران بمثابة خطوة في المجهول يمكن ان تضع مستقبله السياسي وحتى كـ «قطب أعمال» على المحك.

وفي غمرة هذا المشهد، يصبح مفهوماً «الاختباء» خلف عقد تتخذ تارة تسمية حقيبة الداخلية وتارة أخرى اسم الأحجام داخل الحكومة الجديدة، لمواصلة الدوران في حلقة مفرغة من فراغ تملأه توترات أمنية تتخذ اكثر من لبوس (ابرزها حالياً على خلفية التعديات على الاملاك العامة) وضغوط اقتصادية تعبّر عنها الأرقام المخيفة عن تراجُع الحركة السياحية والنشاط الاقتصادي، والكلام الذي نُقل عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن بلوغ الوضع «مستوى دون الخط الاحمر».
ورغم «اليأس» الذي يلفّ العاملين على الخط الحكومي، فان الجميع يحاذرون رفع «الرايات البيض»، مراهنين على «أعجوبة» يمكن ان تنقذ الوضع الذي استنزف رصيد قوى الاكثرية الجديدة التي باتت العلاقات بين مكوناتها وبين الرئيس ميقاتي امام مرحلة جديدة من انعدام الثقة ولا سيما بعد انكشاف «الصندوق الاسود» لوثائق ويكيليكس عن المزيد من المفاجآت… غير السارة.

ولفتت امس زيارة ميقاتي لبري، بالتزامن مع معلومات عن «فرصة أخيرة» يعطيها للمفاوضات قبل استخدام «خرطوشة» حكومة «الامر الواقع» التي تعتبرها اوساط سياسية بمثابة «رصاصة بلا نار» حاصرها زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون بـ «إطلاق النار» الاستباقي عليها، فيما ترى دوائر مراقبة ان خيار حكومة كهذه اذا كتب لها «التشكيل» يبقى غير محسوم النتائج، لان مثل هذه التشكيلة لن تتوافر لها ادنى قواعد ومقومات الثقة النيابية الضرورية لإعلانها وفق ما اشار اكثر من مصدر في الاكثرية الحالية.

وفي موازاة ذلك، برز بعد «احتراق» مبادرة قائد الجيش العماد جان قهوجي في محاولة لتأمين توافق بين الرئيس ميشال سليمان وعون على اسم «مشترك» لتولي حقيبة الداخلية التي «يتصارعان» عليها، كلام عن محاولة اخرى على هذا الصعيد مع التقارير التي اشارت الى ان عون سلّم ميقاتي اسمين احدهما وزير حالي مدني والثاني ضابط متقاعد من الجيش يمكن ان يقبل باحدهما الى جانب وزارات الطاقة والعدل والاقتصاد لوزراء التيار.
الا ان الدوائر السياسية رات ان هذا الأمر لن يمّر لان سليمان الذي رفض ان يسمي قائد الجيش «اسما وسطاً» لن يقبل بان يحصل زعيم «التيار الحر» على حقيبة الداخلية بطريقة مقنّعة، وان الرئيس لا يزال يصرّ على ان تبقى هذه الحقيبة من حصته وان يسمي مَن سيتولاها.

وكان لافتاً ايضاً ما اوردته بعض التقارير الاعلامية من ان سليمان اجاب في معرض اقفال باب النقاش امام الاقتراح الذي قدّمه قهوجي لوزارة الداخلية: «لماذا لا يقبل قهوجي أن يكون هو وزيرا للداخلية»؟ فيما ذكرت تقارير اخرى ان سليمان تداول مع أقرب مساعديه بفكرة سقطت وقامت على محاولة إقناع الرئيس المكلف بالعودة إلى المربع الأول اي تشكيل حكومة إنقاذ وطني «فيجلس جميع أقطاب الحوار على طاولة حكومية واحدة: نجيب ميقاتي وسعد الحريري وأمين الجميل وسمير جعجع وميشال عون وسليمان فرنجية وحزب الله ووليد جنبلاط ونبيه بري وطلال ارسلان الخ».

وكان عون هاجم في حديث عبر شاشة «أو.تي.في» ميقاتي فاتهمه بأنه «من الأكثرية السابقة لأنه يخشاها أكثر من الأكثرية التي رشحته» لتأليف الحكومة العتيدة، وبـ»التورط في أسباب خارجية» تحول دون تأليف الحكومة «ومنها حظر حصول ميشال عون على حقيبة الداخلية»، وصولاً إلى تحذيره الرئيس المكلف من مغبة تقديم تشكيلة «حكومة الأمر الواقع» لأنه سيكون «عملاً خطيراً جداً وعملاً غير مسؤول، وإذا لم يكن (ميقاتي) يعرف ما النتائج التي ستحصل (إذا أقدم على هكذا خطوة) فليجرّب».
قبل أن يتوعّده بالقول: «عندها سيكون رد فعلنا على الأرض، ولن تصل (تشكيلته) إلى المجلس (النيابي) إنما سنسقطها قبل أن تصل إلى جلسة الثقة» البرلمانية.
اما رئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط فطالب البعض في «الفريقين الاذاريين»، وازاء العجز عن تأليف حكومة بـ «الانتحار الجماعي» لإراحة المواطنين من العبثية التي نعيشها على كل الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مستشهداً بالتاريخ بقوله «ان كبار القادة في الاساطيل الغربية كانوا يغرقون أنفسهم مع السفينة عندما تغرق».

السابق
الاخبار: 7 أيار أميركا… أميركا… لمـاذا تركتِني؟
التالي
الجمهورية: سوريا: النظام ينجح إلى الآن بإبعاد شبح ما بعد السقوط