الأكثرية الجديدة ما زالت ملتزمة بميقاتي… كخيار استراتيجي

يستمر النزف المجاني في جسم الاكثرية الجديدة التي باتت سمعتها السياسية على المحك، نتيجة تخبطها المستمر في وحول التأليف، بعدما تبين ان بلدا وحكومة قد جرى حبسهما في حقيبة «الداخلية»، فيما مفتاحها ضائع!
وفي حين يعترف «حزب الله» بان كل يوم يمر، إنما يصيبه بالضرر المباشر، يشعر الرئيس نبيه بري بأن الفراغ الحاصل على مستوى السلطة التنفيذية قد أساء بشكل بليغ الى صورة المجلس النيابي، ووجه ضربة الى إنتاجيته المفترضة، لكونه أنتج تعطيلا قسريا للسلطة التشريعية التي لا تستطيع أن تعمل في ظل غياب حكومة أصيلة، كما هي الحال منذ أكثر من ثلاثة أشهر. ويضاف الى روزنامة التعطيل قرابة سنة من الشلل أيام حكومة الرئيس سعد الحريري التي لم تكن قادرة على مجرد الاجتماع في الأشهر الأخيرة من عمرها، ما انعكس بدوره على فعالية المجلس النيابي الذي لا يمكن ان تكتمل رقصته من دون وجود سلطة تنفيذية نشيطة، تواكبه في الإيقاع.

ولئن كانت الوضعية الاجمالية للاكثرية الجديدة هي التي تدفع ثمن المراوحة الراهنة، إلا ان التدقيق في تفاصيل المشهد يُبين ان «الديون السياسية» التي يرتبها العجز عن تشكيل الحكومة، إنما هي ملقاة بالدرجة الاولى على عاتق بري و«حزب الله»، بما يرمزان اليه في التوازنات الداخلية، بينما يمكن للباقين أن يستفيدوا الى هذا الحد او ذاك من مردود «مقاصة التأليف».

وهناك من يقول في هذا الاطار ان تصلب ميشال سليمان في ممارسة صلاحياته مستقويا بتوقيعه الإلزامي لتشكيل الحكومة، وإصراره على تعزيز دوره وحضوره في مجلس الوزراء من خلال التمسك بوزارة الداخلية، هما أمران يعززان حضوره في أوساط بعض المسيحيين ممن يشعرون بنوع من الحنين الى العهد الذهبي لرئاسة الجمهورية والى رؤية سيد قصر بعبدا يحقق شيئا من توازن القوى مع شركائه في السلطة.

أما نجيب ميقاتي، فان عناده في مواجهة بعض مطالب الأكثرية الجديدة، وحرصه على حماية صلاحيات رئيس الوزراء السني، يرفعان منسوب التأييد له في الطائفة السنية، ويدحضان كل الاتهامات المسبقة التي وجهت إليه حول التزامه بدفتر شروط قاس في مقابل تكليفه، ليتبين ليس فقط أن «حزب الله» لا يمون على الرئيس المكلف، بل إن الأخير بات يهدد بتشكيل حكومة أمر واقع، كأنه هو الذي يمون على الآخرين.. لا العكس.

وفي المقابل، يتحمل بري و«حزب الله» عبء خلافات الأكثرية الجديدة، ويتحملان أيضا مسؤولية محاولة ابتكار التسويات الملائمة، من خلال ما يمثلانه من صلة وصل، تكاد تكون الوحيدة حاليا، بين مكونات الائتلاف المتضارب المصالح.
لكن النيات الحسنة وحدها لا تكفي، لا سيما انها ليست قابلة للصرف الى حقائب وزارية. ويدرك «حزب الله» حجم المأزق الذي يواجهه، بعدما وجد نفسه وسط غابة من التعقيدات السياسية التي اختلطت فيها حسابات سليمان ومطالب عون وممنوعات ميقاتي. وما يزيد من حدة المأزق، إدراك الحزب وقناعته بانه لا يستطيع ان يخسر أيا من أضلاع هذه المعادلة في الوقت الحاضر، بمعزل عن عواطفه التي تجنح نحو الرابية تلقائيا.

يتصرف «حزب الله» على قاعدة ان علاقته مع سليمان ينبغي ان تظل مستقرة، ذلك ان الحزب يعتبر ان من شروط حماية ظهر المقاومة إبقاء الجسور بينه وبين رئاسة الجمهورية ممدودة، الامر الذي تعبر عنه الزيارات شبه الدورية للنائب محمد رعد الى قصر بعبدا.

وفي ما خص ميقاتي، لم يتخل الحزب بعد مرور قرابة 100 يوم من تكليف ميقاتي عن قناعته بانه لا يزال هو المؤهل من الناحية الاستراتيجية لمواجهة تحديات المرحلة المقبلة، سواء ما يتصل منها بالضغوط الخارجية او باستحقاق المحكمة الدولية. صحيح ان للحزب ملاحظاته على طريقة إدارة ميقاتي ملف تشكيل الحكومة، لكنه حريص في الوقت ذاته على الحؤول دون ان تنسحب هذه التباينات التكتيكية على القراءة الاستراتيجية التي صاغها الحزب بأعصاب باردة، بعد إخراج سعد الحريري من معادلة الحكم.
ويؤكد قيادي بارز في الأكثرية الجديدة انه لا بديل اليوم وغدا عن ميقاتي، وانه هو الذي يجب ان يشكل الحكومة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية والكتل النيابية، بأسرع وقت ممكن. ويشدد على ان ما نشر في عدد من وثائق «ويكيليكس» نقلا عن ميقاتي، لم يؤثر على نظرة الأكثرية الجديدة لرئيس الحكومة المكلف، خصوصا أن السيد حسن نصر الله قد أكد استعداده لتجاوز كل ما ينشر في «ويكيليكس» حتى لو كان صادرا عن شخصيات في 14 آذار، إذا رد صاحب الشأن بالموقف المناسب، فكيف اذا كان صادرا عن ميقاتي وتم تشويهه، علما بأن نصر الله صارح ميقاتي في أول لقاء بينهما بعد التكليف بأن الحزب يعلم ببعض ما هو منسوب اليه في «ويكيليكس» وهو يدعوه الى تجاوز كل ما يمكن أن يثار في هذا الشأن اعلاميا.

ويعتبر قياديون في «حزب الله» ان علاقة الحزب التحالفية مع العماد عون راسخة ومتينة، ولن تهزها لا وزارة داخلية ولا حتى حكومة بأمها وأبيها. ويهزأ هؤلاء من بعض التحليلات التي توحي بان هناك فتورا بين الجانبين على خلفية موقف «الجنرال» حيال «الداخلية»، لافتين الانتباه الى ان كل ما يمكن ان يرد في هذا المجال هو «أضغاث أحلام»، ليس إلا.

ويعتقد الحزب ان عون أبدى المرونة المطلوبة لحلحلة عقدة «الداخلية» من خلال موافقته على إسنادها الى وزير لا ينتمي الى «التيار الحر»، وتجب ملاقاته في منتصف الطريق لتفكيك هذه العقدة التي باتت هي المسؤولة الأساسية عن تأخير ولادة الحكومة. لذلك فان الحزب ليس في صدد ممارسة ضغوط على «الجنرال»، إلا انه سيبذل قصارى جهده للمساهمة في إيجاد تسوية مناسبة، ترضي سليمان وعون، في آن واحد.

السابق
“سين ـ سين” بري مجدّداً: مناورة أم مبادرة؟
التالي
العالم يتغير مجدداً