هل يعمل الفلسطينيون لصالح اسرائيل؟

 فاجأ اتفاق المصالحة بين فتح وحماس اسرائيل والنظام الدولي. فقد كان يُرى احتمال المصالحة منخفضا أو غير ممكن إزاء الاختلافات والعداء بين الطرفين وفي ضوء الشك في استعداد حماس للتخلي عن السيطرة على غزة. برغم انه لا يقين بأن اتفاق المصالحة سيتحقق وتدل التجربة على الشك في تحققه، ففي هذا الاجراء ما يؤثر في المسيرة السياسية وفي اتجاهات عكسية على نحو مفارق. تكمن المفارقة في فرضين أساسيين متناقضين: يقول الاول انه لا يمكن التوصل الى سلام دون حماس، أما الثاني فيقول انه لا يمكن التوصل الى سلام مع حماس.
في ضوء الفرض الأساسي الاول، لا يمكن التوصل الى اتفاق سلام دون حماس لان كل اتفاق يعني اقتطاع جزء كبير من الجمهور الفلسطيني من السلام. لهذا يُشك في ان تكون السلطة قادرة على تقديم اتفاق سلام أو تحقيقه دون حماس. والى ذلك لن يكون السلام مع السلطة الفلسطينية فقط اتفاقا دائما وسيكون بالضرورة تسوية جزئية. وعلاوة على ذلك فان حماس اذا لم تشترك في مسيرة سلام فستبذل كل جهد لافسادها أو إفساد تحقيقها.
جاءت المصالحة بين فتح وحماس لالغاء هذا الفرض الأساسي لانها تنشيء في ظاهر الامر وحدة في المعسكر الفلسطيني وتزيد الشرعية المطلوبة لمسيرة سلام وتزيل عقبة في طريق السلام. ولهذا يجب على الباحثين عن السلام ان يباركوا اتفاق المصالحة.
يقوى الفرض الأساسي الثاني الذي يقول انه لا يمكن التوصل الى سلام مع حماس بأن مجرد المصالحة في المعسكر الفلسطيني سيمنع امكانية تسوية الصراع. وذلك لان حماس ترفض الاعتراف باسرائيل وتسوية الصراع. وباعتبارها شريكة في حكومة وحدة ستعارض دفع السلام الى الأمام. تشهد المصالحة على ان فتح والسلطة اللتين تعرفان موقف حماس، تفضلان كما قال نتنياهو السلام مع حماس على السلام مع اسرائيل. كيف يمكن تقديم سلام مع اسرائيل في الوقت الذي ترفضه حماس؟.
تستطيع مبادرة المصالحة في ظاهر الامر ان تخدم السلطة بأن تدفع قُدما بمبادرة نيل اعتراف دولي بانشاء دولة دون اتفاق مع اسرائيل. يستطيع أبو مازن ان يزعم ان انجاز الوحدة أزال آخر عقبة أمام هذه الامكانية لان حكومة الوحدة ستكون ذات سيطرة على غزة ولهذا يمكن ان تُشمل غزة في المبادرة. اجل برغم ان حماس ترفض السلام مع اسرائيل لا ترفض انشاء دولة دون اتفاق، بالعكس: إن هذه الاستراتيجية تخدم تصورها العام. لكن يبدو ان الشراكة مع حماس دون ان تغير حماس موقفها من استعمال الارهاب، ورفضها الاعتراف باسرائيل ومسالمتها، ستُفسرها الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الاوروبي بأنها مخالِفة لخريطة الطريق. لهذا سترفض مبادرة انشاء دولة فلسطينية دون مسيرة سلام.
إن اعلان مسؤولي حماس الكبار بأن الحكومة الانتقالية الوطنية لا تنوي اجراء تفاوض مع اسرائيل أو الاعتراف بها، وامكانية ألا يكون سلام فياض الذي يرمز الى التقدم والاعتدال الفلسطينيين، رئيس الحكومة – كل ذلك يشير الى ان الفلسطينيين لا يتجهون الى السلام وأنه سيصعب على السلطة ان تزعم ان المسؤولية عن فشل مسيرة السلام ملقاة على اسرائيل.
إن اتفاق المصالحة يصب في مصلحة اسرائيل أكثر من أي وقت مضى. فاذا كان نتنياهو قد تحيّر حتى الآن ماذا يعرض في خطبته في مجلس النواب الامريكي، فانه يستطيع ان يزعم انه في الظروف الجديدة التي نشأت – فضلت السلطة السلام مع حماس على السلام مع اسرائيل. بل يستطيع أن يزعم أن الكرة لم تعد موجودة في الملعب الاسرائيلي وانها موجودة الآن في الملعب الفلسطيني؛ فاذا كان الفلسطينيون معنيين بتقديم مسيرة السلام فعليهم البرهان على ذلك؛ وعلى حماس ان تكف أولا عن الارهاب من غزة وان تعلن استعدادها للاعتراف باسرائيل وتسوية الصراع معها.
سيجد نتنياهو أذنا مصغية في مجلس النواب الامريكي، ويمكن ان يخف ضغط الادارة شيئا ما، لكن هذا لن يمنعها أن تُقدر امكانية ان عدم وجود مبادرة سلام اسرائيلية جعل أبو مازن يفضل السلام في المعسكر الفلسطيني على عدم السلام مع اسرائيل. بقيت المفارقة. إن وحدة كان يفترض ان تشير اشارة ايجابية الى تقديم مسيرة السلام وازالة عقبة أمام السلام ستُفسر بأنها اشارة سلبية وارتفاع العقبة أمام السلام، إلا اذا غيّرت حماس جلدها وهو أمر يصعب ان نفرضه في هذه المرحلة. 

السابق
الخطبة المفروضة
التالي
قوى الأمن تزيل التعديات على الأملاك العامة في المطار