ما يصلح للنشر عن أحوال الأكثريّة الجديدة

لم تعد الأزمة بين مكوّنات الأكثرية النيابيّة الجديدة مجرد مسألة حصص وحقائب. فالجدران المبنيّة بينهم، من ردميات الحسابات والنيات و«النقليات» والويكيليكسيات، باتت أعلى من أن يقفز فوقها أي ألعبان في الكلام أو بهلوان في السياسة. في العمق، يبدو لراصد الحركة واللابركة بين هؤلاء، أنّ التجاذب بينهم بلغ حدّ اعتقاد كلّ منهم، بأن «حليفه» الظرفي الراهن، هو عدوّه الفعلي النهائي، وأنّ اللغة الوحيدة المخفيّة خلف ما يحصل هي: يريدون إلغائي. كيف ذلك؟ تكفي جردة سريعة لبعض المكنونات:

من جهة رئيس الجمهورية، يكاد الانطباع يصير ثابتاً راسخاً، كأنّ لسان حاله يردّد: مطلوب تصفيتي، وبالطريقة الممكنة أو المتوافرة. وإذا أمكنهم تنفيذ ذلك دستورياً، فلن يترددوا. أصلاً، ليس تفصيلاً ولا عرضاً كل ذلك الكلام على لادستورية انتخابي في 25 أيار 2008، وعلى أن اختياري في الدوحة كان على سبيل الفترة الانتقالية لمدة سنتين قد مضتا… أما إذا لم يتمكنوا دستورياً، فلقد قرروا دفعي إلى الاستقالة. وما كان ينقصهم من تصميم على ذلك، أكمله لهم إميل لحود، الذي ما فتئ يكرّر منذ «تسلّمي» الموقع منه بلا تسليم، أنني غير ثابت أمام الأزمات، وأنني قدمت استقالتي إليه من قيادة الجيش أكثر من مرة، وأن الضغط علي الآن سيدفعني حتماً إلى تقديمها من الرئاسة… لا يلزمهم غير نبيه بري، أن يكون جاهزاً لتلقّفها والدعوة إلى انتخاب بديل… أما إذا لم ينجحوا في إقالتي ولا في الحصول على استقالتي، فخيارهم الثالث محاصرتي، لا بل عزلي كلياً. لا وزير لي، لا نائب لديّ. وربما غداً ينزعون عني حتى «المحافظ» ورئيس البلدية و«المختار»… لذلك، لا خيار أمامي. لم يتركوا لي خياراً آخر، إلا مواجهتهم، وبسلاحي الأخير والنهائي: توقيعي على مرسوم التأليف.

في المقابل، يبدو الانطباع في فردان أكثر تعقيداً. يزاوج بين الشخصي والسياسي والبنيوي النظامي. فهو يبدأ بمنازلة ميشال عون. وكل الكلام المنقول عن زوار «المقر المكلف» يوحي أن تفكير نجيب ميقاتي يرسم كل لحظة، جدول التباينات بينه وبين رجل الرابية: أنا وسطي، هو طرفي. أنا من عاصمة الشمال المدينية، هو آت من الجنوب إلى حزام نزوح في جبل لبنان. أنا رجل أعمال وهو عسكري. أنا مقلّ في الكلام وهو مكثره. أنا «نخبوي» وهو «شعبوي».

هذا في الشخصي. بعده يأتي السياسي. كأن لسان حال ميقاتي، وتفكيره، يراشق حلفاء اليوم، ليُسمع حلفاء الأمس. وتحديداً السنّة والحريري. يقارع عون وحزب الله، ليقول لابن الحريري وفريقه: أنتم اتهمتموني بالتنازل أو التخاذل أو التهاون؟ تفضلوا.. سأحقق وحدي ما لم تحققوه أنتم مجتمعين. في موضوع عون، أنت يا سعد أعلنت حكومتك من الرابية. أما أنا فلن أطأ أرضها، لا بل سألتزم بمقتضيات هذا المبدأ في كل تفاصيله ورمزيته، حرفاً حرفاً وحقيبة حقيبة. وفي موضوع حزب الله والمحكمة الدولية، أنت سقت عني يا سعد في 14 شباط الماضي مفردات «الغدر» و«الكذب» و«الخيانة»؟ سأثبت لك أنني أنا من سيحمي المحكمة، وأنا من سيجرّد السلاح. كأنك لم تكن معي سنة 2005، يوم طبخنا معاً، ومع لارسن، حكومتي التي أوصلت فريقك إلى السلطة، وأوصلت خصومك إلى الزنزانات، من دون أن أُغضب أحداً، حتى في دمشق. وأنت تعرف معنى غضب دمشق وإغضابها.

بعد «السياسي» يأتي النظامي في لسان حال فردان. كأنه يفكر في سرّه: ماذا يريد ميشال عون؟ هل يعتقد أنه قادر على العودة إلى ما قبل الطائف؟ هل يفكر بالتحايل علينا جميعاً ليعيد الماروني المسيحي لاعباً أول في النظام؟ هل يعتقد بأن صراع السني مع الشيعي سيفرض استحالة تسلم أي منهما للحكم، ما يجعله الخيار الوحيد الممكن؟ مخطئ جداً.

في المقلب الآخر، لا تبدو الصورة أقل ظناً: ميشال سليمان، هذا هو. اسألوا إميل لحود كيف علق له نجومه، واسألوا مكتبه كم صمد صورة بشار الأسد عليه، ومتى أزاحها. واسألوا ويكيليكس و«امتحانات» فيلتمان الشفهية والخطية وتطبيقاتها العملية. أما ميقاتي فلقد حسم خياره: لن يؤلّف حكومة إلا إذا كانت تحت سقف «الطائف السني الحريري» في شقها الداخلي، وحائزة بركة فيلتمان ـــــ لارسن في شقها الخارجي. وهذا الكلام ليس تجنياً، ولا تخيلاً ولا إسقاطاً. هذا هو جوهر ذهابه إلى دار الفتوى في المرتين الأولى والثانية. وهذا هو عمق تواصل «الترويكا» الميقاتية (نجيب، طه وعزمي) مع كل من المسؤولين الأميركي والأممي. لم يزعجه غير كلام نبيه بري عن أن التأخير مؤامرة على سوريا. إنها العبارة الوحيدة التي هزّته، لكنها جاءت فيما دمشق تهتز برأيه. وهو ما يترك له فسحة زمنية كافية للتأكد من جديتها، ولمعالجة تداعياتها.

يبقى وليد جنبلاط… إنه ـــــ كما دوماً ـــــ قصة في حدّ ذاته، لكنّها لا تصلح للنشر.

السابق
كيف منع الأسد تحويل درعا… إلى «بنغازي سوريا»!
التالي
ابنة بن لادن: والدي اعتقل حيا ثم قتل