ما هي نظرة “حزب الله” إلى التطورات السورية.. وماذا عن طريق الامداد بالسلاح؟

"سوريا كالبنك الدولي.. أكبر من أن يسمح بسقوطها"

إذا سقطت سوريا… فلنتوقع "سيناريو يوم القيامة". هكذا من دون مواربة، وصفت مراسلة صحيفة "واشنطن بوست" في بيروت ليز سلاي، ما سيحدث في حال أطاحت التظاهرات الشعبية التي تشهدها مدن سورية، بنظام الرئيس بشار الأسد، محذرة من أن ذلك سيحدث "فوضى غير مسبوقة" في المنطقة.
لبنان يبدو الضحية الأبرز لسيناريو كهذا. إذ لا يمكن تخيل "اضطرابات تندلع في سوريا من دون ان تطال شظاياها لبنان المجاور"، كما قال محللون لـ"واشنطن بوست"، محذرين من أن انهيار نظام الأسد "لن يتمخض عن وضع شبيه بمصر وإنما أشبه بالحالة العراقية".

من جهتها، ترصد المحللة السياسية اللبنانية الأميركية رندى سليم، في تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي"، تداعيات سيناريو كهذا، على "حزب الله"، واصفة سقوط نظام الأسد بأنه "التحدي الأخطر" الذي يواجهه الحزب، منذ حرب تموز 2006.
وقالت سليم، التي تعد كتاباً حول "تطور حزب الله"، إن تغيير النظام في سوريا سيهدد طريق تزويد "حزب الله" بالأسلحة، وسيحرم ما يسمى بمحور إيران وسوريا و"حزب الله" وحماس من "عصبه العربي"، وسيضعف قدرات "حزب الله" الرادعة في وجه إسرائيل، كما سيحرم قادة "حزب الله" وعائلاتهم من "الملاذ الآمن عندما يشعرون بالتهديد الإسرائيلي، كما فعلوا في حرب 2006". وكل ذلك يشكل "تهديداً فريداً لـ"حزب الله"، الذي أيّد الثورات في مصر وتونس وليبيا واليمن والبحرين، بعدما كان قد آثر الصمت في ما يتعلق بالثورة الخضراء في إيران في 2009".

ويبدو أن سليم جالت على عدد من قادة "حزب الله"، طارحةً عليهم سؤالاً واحداً: "كيف ينظر "حزب الله" إلى احتمال تغيير النظام في دمشق"؟. وفي اعتقاد هؤلاء أن نظام الأسد "سيصمد"، باعتبار أنه "لا يزال يتمتع بقاعدة دعم شعبية، خاصة في المدن الكبرى كدمشق وحلب"، بخلاف نظيريه في مصر وتونس.

وذكرت الكاتبة في "فورين بوليسي" إن قادة الحزب يعتقدون بأن "نظام الأسد وقاعدته الواسعة سيقاومون"، معربين عن مخاوفهم من مغبة انزلاق سوريا إلى "حرب أهلية تنتقل إلى لبنان، وخاصة شماله، ما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في دول أخرى في المنطقة، بما فيها تركيا" في حال فشل الأسد في السيطرة على التظاهرات.

أكثر ما يخشاه قادة "حزب الله"، بالإضافة إلى خسارة طرق إمداد السلاح والمال، هو "ضربة قاتلة" تودي بـ"محور المقاومة" في الشرق الأوسط.
قادة "حزب الله" الذين تحدثت إليهم سليم يرون أن المعارضة السورية الداخلية "قديمة وغير منظمة". وعليه، "إذا كان هناك احتمال لأي تغيير للنظام هناك، فإن الإخوان المسلمين يشكلون القوة السياسية الوحيدة المنظمة في البلاد".
ويستبعد قادة "حزب الله" أن تحصل مفاوضات بين نظام الأسد والمحتجين، مجادلين بأن "العامل الحيوي في الثورات العربية الأخرى كان الدور الحيادي الذي لعبته الجيوش في تلك الدول". وفي حالة دمشق، "لا يزال الجيش إلى جانب النظام".
كما استبعد هؤلاء احتمال حدوث انقلاب يقوده مسؤول عسكري علوي، "لغياب أي بديل مقبول لبشار الأسد"، كما قال أحدهم للكاتبة في "فورين بوليسي"، وأشاروا إلى أن "العلويين والمسيحيين يخشون من عواقب استيلاء السنة على الحكم"، في حين أن أي حرب اهلية محتملة "قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تقسيم سوريا إلى دويلات موزعة إثنياً: العلويون والسنة والأكراد".

ولماذا يعتبر بقاء بشار الأسد مهماً جداً بالنسبة لـ"حزب الله"؟ تجيب الكاتبة في "فورين بوليسي" أنه "خلافاً لوالده حافظ الأسد، الذي نأى بنفسه عن الملف اللبناني، تاركاً لمساعديه مهمة التعامل مع اللاعبين السياسيين اللبنانيين، فإن بشار الأسد أمسك بالملف اللبناني، ومنذ بداية حكمه طوّر علاقة خاصة مع الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله".

كما أن الحزب كان "مجرد عنصر واحد في صندوق عدّة حافظ الأسد، يستخدمه لتعزيز موقف سوريا الضعيف في المفاوضات العربية الإسرائيلية، وغالباً ما تطلّع إلى تقييد دور "حزب الله" في السياسة اللبنانية"، في حين أن بشار الأسد "يعتبر الحزب أهم حلفائه اللبنانيين وعمل جاهداً لحماية ترسانته العسكرية وتعزيزها". وعليه، حتى وإن حل علوي آخر مكان بشار الأسد "فإن العلاقة بين الحزب والقيادة السورية لن تبقى على حالها" كما يعتقد قادة "حزب الله".
وقف الطريق السورية للإمداد "لن يكون الخسارة الأهم للحزب"، ووفقاً لمسؤول "ممن حدّثتهم (سليم)، طوّر الحزب طرقاً بديلة"، لكن "الأهم هو البُعد السياسي". وقال مسؤول في "حزب الله" للكاتبة في "فورين بوليسي" إن "سوريا هي بوابة المقاومة إلى العالم العربي"، ولكونها "لاعباً لا يمكن الاستغناء عنه في الصراع العربي الإسرائيلي، ومن دونها لا يمكن تطبيق عملية سلام في المنطقة، تعتبر سوريا قائد معسكر المقاومة وكفيل الدور الريادي لـ"حزب الله" في هذا المعسكر".
وبعد أن تقدم ثلاث مقاربات مختلفة عن بعضها البعض لكوادر وسطية في "حزب الله"، تختم سليم : "حتى الآن، لا يزال الحزب على موقف "صلب" داعم لحليفه. وتستبعد أن يخرج السيد حسن نصرالله مخاطباً الحشود في ضاحية بيروت الجنوبية التي (قد) تؤيد الثورة السورية، كما فعل في 19 آذار عندما قال إن الثورات العربية ستنجح. ولكن "هل بدأ الحزب سن خطط تدرس احتمال الإطاحة بالأسد"؟. لا تجيب سليم، ولكنها تنقل عن مسؤول في "حزب الله" "نفيه"، لأن "القيام بذلك قد يُنظر إليه على انه تصرف خيانة بحق حليف قديم".

أما الكاتبة في "واشنطن بوست" ليز سلاي فرأت أن سقوط بشار الأسد قد "يطلق موجة من الفوضى، والنزاع المذهبي والتطرف، قد ينتشر أبعد بكثير من الحدود السورية، ما يهدد لا الحكام المترنحين أصلاً ولكن أيضاً، توازن القوى في هذه المنطقة الهشة".
ورأت سلاي أن تبعات "تغيير النظام في سوريا قد تبدو أقرب إلى النموذج العراقي منها إلى النموذج المصري"، إذ أن الجيش السوري موالٍ للنظام، أي أن "سقوط النظام يعني انقسام الجيش، ما يمهد لانفجار داخلي على الطراز العراقي، حيث تسعى الغالبية للانتقام من الأقلية، بينما تسعى القوى الإقليمية لحماية مصالحها"، كما شرح الأستاذ في جامعة "اوكلاهوما" جوشوا لانديس، الذي وصف سوريا بأنها "عصب الشرق الأوسط والصراع على السلطة هناك قد يشعل المنطقة".
ونقلت مراسلة "واشنطن بوست" عن أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت هلال خشان قوله إنه "إذا انهار النظام سنشهد حرباً أهلية تنتشر في أرجاء المنطقة"، بما في ذلك لبنان والعراق والسعودية وأبعد، واصفاً هذا السيناريو بأنه "سيناريو يوم القيامة بالنسبة للشرق الأوسط برمته".

ويعتقد كثيرون أن هذا السيناريو المخيف هو ما دفع المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، إلى تقديم "ردود حذرة حيال إراقة الدماء في سوريا"، حيث لم تصدر تصريحات تنادي بتدخل طائرات حلف شمال الأطلسي لسوريا، كما في حالة ليبيا.
ونقلت سلاي عن المحلل السياسي رامي خوري وصفه سوريا بأنها "بمثابة البنك الدولي في الشرق الأوسط"، بمعنى أنها أكبر من أن يُسمَح بسقوطها، موضحاً أن "تأثير التداعيات سيكون فظيعاً"، معتبراً أن "احتمال اندلاع فوضى مذهبية في سوريا ما بعد الأسد، قد تنتشر في أرجاء أخرى من الشرق الأوسط، ترعب العديد من الناس".

في الحالة اللبنانية تحديداً، شرح خشان لـ"واشنطن بوست" أن لبنان يعاني هو أيضاً من الانقسام السني الشيعي المعادي لسوريا والموالي لها، بمعنى أنه لا يمكن تخيل اضطرابات في سوريا لا تجتاز الحدود نحو لبنان.
وفيما رأى الباحث في "معهد من أجل التحليلات العسكرية في الخليج والشرق الأدنى"، ومقره دبي، رياض قهوجي أن التوقعات بانتشار الفوضى اذا حصل تغيير للنظام في سوريا "مبالغ بها"، فإن سقوط النظام في سوريا مستبعد، إذ "لا احد يريد ذلك، بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة ودول الخليج"، كما قال هلال خشان لـ"واشنطن بوست".

السابق
“الدولية للمعلومات: 33% مؤامرة خارجية على سوريا..56% مع بقاء النظام و17% مع رحيله
التالي
هدم أبنية في الصرفند وإطلاق نار.. وفشل محاولتين لإزالة المخالفات في صور