غوانتانامو: اللهيب الذي أحرق أوباما

في الثاني عشر من كانون الثاني عام 2009، وبعد أن أنهى باراك أوباما احتفالاته بفوزه الانتخابي، قام بالتوقيع على أول مرسوم رئاسي يأمر بإغلاق معتقل غوانتانامو في غضون عام، بعد أن غدا هذا «السجن اللاشرعي» نقطة سوداء في تاريخ القضاء الأمريكي، وللتجاوزات التي ترتكبها أمريكا في سياق «حربها العالمية على الإرهاب» التي أطلق شرارتها جورج دبليو بوش.

كان أوباما قد وعد بالقطيعة الجذرية مع حقبة سلفه، مراهناً على حماية أمريكا من أعدائها في إطار القانون، ولكن بعد ثلاثة أعوام تقريباً، ثبت فشله الذريع في إغلاق المعتقل، وتبددت كل الآمال بإغلاقه.
فقد كشفت العديد من المقالات الصحفية الأمريكية باعتمادها على التقارير العسكرية الرسمية أن هناك (172) معتقلاً في هذا السجن الخارج عن القانون.

عدد من بينهم لم تعرض ملفاتهم حتى الآن على أي محكمة حتى لو كانت عسكرية، لأنهم بحسب السلطات الأمريكية «خطيرون جداً» لدرجة يصعب إرسالهم إلى بلادهم، لذلك «سيبقون في المعتقل لأجل غير مسمى»، إضافة لذلك، تلاشى الأمل بنقل السجناء الآخرين، ومثولهم أمام المحاكم المدنية، بدلاً من مثولهم أمام لجان عسكرية، عندما فرض الكونغرس شروطاً تعجيزية للموافقة على نقلهم إلى الأراضي الأمريكية.

أوباما اكتفى بالاعتراض والاحتجاج وانتقاد «تطاول خطير» على سلطات السلطة التنفيذية، وتفادى التصريح بأنه سيحارب هذا القرار لأنه بكل بساطة لم يجرؤ على ذلك.
في آذار، عندما قام وزير العدل الأمريكي /إيريك هولدر/ بإبلاغ الرئيس أوباما بقراره العزوف عن تقديم العقل المدبر والمصمم لهجمات (11) أيلول، خالد الشيخ محمد، ومثوله أمام محكمة مدنية، قال أوباما بكل بساطة إن هذا القرار براغماتي ولم يتدخل به، فتوقف بذلك عن مواصلة تحقيق أحد أهم الأهداف التي حددها عند تدشين عمله الرئاسي في البيت الأبيض.

وحسب تحقيق مطول أجرته الواشنطن بوست مؤخراً، تحدثت الصحيفة عن «الحسابات السياسية الخاطئة» الخاصة بالإدارة الأمريكية و «الخوف الشديد» المهيمن عليها من هذا الملف الشائك.
فمنذ دخوله إلى البيت الأبيض، حيث كان يعمل على إيجاد تسوية مع خصومه الجمهوريين، أثبت أوباما حالة «سلبية وجامدة»، سنحت لخصومه تحديد الأجندة والتحكم بها، وأضافت الصحيفة: «إن الإدارة الأمريكية تتخوف من مشكلة حقيقية ومن انتحار انتخابي…».

في نيسان /2009/، وبعد خطاب أمام مركز «الوثائق القومية»، اصطدم أوباما بالكونغرس عندما أعلن عن إطلاق سراح العديد من المعتقلين ونقلهم إلى فيرجينيا لعدم ثبات الاتهامات عليهم.
وسرعان ما اتهم الكونغرس الرئيس بأنه «يعرض أمن أمريكا للخطر»، لذلك لا يوفر جهداً ويسعى لمواجهة تمرير قرار لتمويل معتقل غوانتانامو، أو نقل المعتقلين إلى الأراضي الأمريكية، وذلك بشحذ الأكثرية الساحقة في الكونغرس لرفض هذا القرار.
الملف تأزم منذ خريف (2009) عندما أعلن وزير العدل عن رغبته نقل المتهمين الآخرين بهجمات (11) أيلول لمثولهم أمام محكمة نيويورك الفيدرالية، ما أثار غضب الجمهوريين الذين انتقدوا «سذاجة» الإدارة التي تجازف بتعريض البلاد لهجمات إرهابية أخرى.

«هولدر» هذا حاول الدفاع عن موقفه، ولكن دون جدوى، بدفاعه عن إعادة أمريكا إلى إطار «دولة القانون». نظرياً هو على حق، ولكن عملياً، عندما عرض الملف الخاص بالمتهم أحمد جيلاني على محكمة مدنية، وجيلاني هذا متهم بضلوعه في الهجمات التي استهدفت السفارات الأمريكية في كينيا وتنزانيا عام 1998، دحض فلسفته هذه، إلا أن الاتهامات الموجهة إليه والواردة في الدعوى لم تقنع القضاة المدنيين، وبذلك خسر هولدر وأوباما معركتهما، وبقي غوانتانامو اللهيب الكاوي والفرن الذي ستحرق نيرانه أيدي كل من خَلَفَ مؤسسه جورج دبليو بوش.
ترجمة هيفاء علي- البعث

السابق
المصالحة الفلسطينية
التالي
أمريكا رأساً على عقب