عــــودة الــــــروح

بالأمس كان المشهد الفلسطيني مجللاً بالأمل، ومحملاً برسائل عدة، ومعبراً عن مؤشرات ودلائل لا يمكن غض الطرف حيالها.
أولى هذه الدلائل أن المصالحة التي احتضنتها القاهرة -العائدة إلى أهلها- تؤذن باقتراب سنوات التيه والشقاق من نهايتها، وتضع الشعب الفلسطيني على أبواب مرحلة جديدة من التوافق والبناء الوطني، انتظرها الجميع طويلاً، الشقيق والصديق بأمل، وترقبها العدو بخوف ووجل.
ثاني هذه الدلائل أنه إذا كان المشهد فلسطينياً في جانب كبير منه، فهو عربي في جانب آخر، يتمثل في كونه إعلاناً عملياً -طال انتظاره أيضاً- عن قطيعة مصرية مع سياسات النظام السابق، يؤرخ لمرحلة جديدة، تستعيد فيها مصر مكانها ومكانتها في قلب الأمة.
والحال أن ما يؤكد أهمية الحدث -معنى ومكاناً- تلك المحاولات الإسرائيلية السافرة لإجهاض مفاعيله وتصويره على عكس ما يؤمل منه، وهو ما أبرزته مطالبة نتنياهو بإلغاء الاتفاق، لأنه "يمثل ضربة خطيرة لعملية السلام" -على حد زعمه-، ولم يكتف "رجل السلام" بذلك بل وصل به الأمر إلى الطلب من الرئيس الفلسطيني أن يختار بين السلام مع إسرائيل وبين حماس، وبتعبير آخر بين الوحدة الوطنية والمحتل.
والحال أن هذا "القصف" الإسرائيلي الاستباقي على الاتفاق يشي بحجم المخطط الذي كان مبنياً على فرضية استمرار الانقسام، والذي كان أقصى ما سيمنحه للفلسطينيين حل "مرحلي"، لا نهائي -بحسب رجل السلام مرة أخرى- لأن "الفلسطينيين ليسوا ناضجين بعد للتوصل لاتفاق نهائي"، وهذا يعني -وفقاً لنتنياهو- أن أقصى ما يستحقونه هو علم على مقعد في الأمم المتحدة، وسجادة حمراء، تكاد الأرض الموعودة لا تتسع لفردها بالكامل.
وإذا كان من الطبيعي أن يسود بين المعنيين بالاتفاق شعور عارم بالأمل، إلا أن ذلك يجب ألا يدفع بهم إلى تجاهل التحديات والعقبات التي ستبرز عند كل منعطف وزاوية، وإذا كان من الصحيح أن الشيطان يكمن في التفاصيل -كما يقال-، فإن اتفاق القاهرة يحفل بشياطين عدة، يحتاج لجمها والسيطرة عليها إلى أكثر من مجرد النيات الحسنة، وهو أمر ليس بخافٍ -بالتأكيد- على الفلسطينيين الذين خبروا هذه "الشياطين" مرات عدة، ويعرفون من تجاربهم أن العمل الجدي يبدأ قبل أن يجف حبر التواقيع، وأن الامتحان الأكبر هو في التمسك بالاتفاق والسعي الجاد بنوايا صادقة، وإرادة صلبة، وخطوات عملية نحو ترجمته على أرض الواقع، تخفيفاً لمعاناة الشعب الفلسطيني، وتوحيداً لمؤسساته، بحيث لا يكون مجرد اتفاق محاصصة آخر، وتقاسم جديد لكعكة الحكم، وهو ما يقتضي أن يكون للجميع دور في صياغة القرار السياسي وتنفيذه،أما كيف، ومتى، وما هي الوسائل التي ستتبع لتحقيق ذلك، فأهل مكة أدرى بشعابها، ولكن الشهداء لم يناموا بعد..وآن لهم أن يرتاحوا..!

السابق
الراي: لبنان على كفّ تصدُّع سياسي خطر وصُداع اقتصادي أخطر
التالي
السياسة عن مصادر: لبنان خارج نطاق خطر “القاعدة”