سورية… مظاهرات الدفع المسبق!

كل ثورات العالم قديماً وفي التاريخ الحديث استندت إلى عقل إنساني يمثله فكر سياسي أو تجارب اجتماعية صوَّرها نتاجٌ أدبي أو نهضة توعوية دعتْ للتحرر من قيد سلطة ديكتاتورية أوخروجٍ على نسق ديني منغلق؛ إن الذي يدعو إلى الثورة أو يقودها للخروج على غيره لابد أنه أفضل ممن يثور عليهم، ويحمل مبادئ طاهرة تحمل الخير للناس، وإلاّ لا يمكننا أن نطلق مُسمّى (ثورة) على أي تحركات مجرَّدة من الفكر الإنساني ومنسلخة عن قيم البشر! وفي السياسة الشرعية عند المسلمين لا يجوز الخروج على الحاكم ولو كان فاسقاً، مادام مُقيماً للصلاة في البلاد، ويحفظُ بيضةَ المسلمين، وإنِ اشتُهر فِسْقُهُ، وحين نقف في وجه فتوى القرضاوي التي أجاز فيها الخروج على القذافي إنما نعارض كلام القرضاوي لدفع مفسدة أكبر رأيناها جميعاً اليوم في ليبيا ونرجو ألا يكون المقبل أسوأ، وموقفنا هذا لا يعني أننا قذّافيون من تلاميذ الكتاب الأخضر! المسألة يا سادة أننا بحاجة لتوسيع دائرتيْ التفكير والوعي معاً، وتفهُّم مصلحة أمتنا وحقن دماء أبنائها، وما نقوله في الشأن الليبيّ نقوله أيضاً في الشأن السوري، لكن لن تكشف لنا ويكيليكس تنازلات موثَّقة من جانب النظام السوري عن حقوق شعبه كتنازلات محمود عباس، ولن تكشف لنا عن تورُّط الرئيس الأسد بقتل الأبرياء كما تورط آخرون في سورية كرفعت الأسد و«الإخوان المسلمين» أو بعد ذلك مثل غازي كنعان وغيرهم، ومع حاجة سورية لإصلاحات ترتبط بالحريات والتعددية الديموقراطية وسورية ماضيةٌ بها إلاّ أننا لانرى هُوَّةً اجتماعية في سورية بين الرئيس وشعبه خلافاً لحالات الثراء الفاحش التي تعيشها طبقات في ظل بعض الأنظمة العربية على حساب طبقات أخرى مسحوقة. لقد تعالتِ الأصوات اليوم في تونس ومصر لافتقار ثورتيْهما لفكر يحمي مكتسبات الثورة ويضعها في أُطر تحدد سلوكَ ما بعد الثورة؛ فما أسهل أن يسلك المرءُ سلوكاً فوضوياً، وما أسهل أن يقتل ويخرّب، وما أسهل أن يغزو ويحتل! ولكن بعد ذلك السيد هو الفوضى إن لم يكن هناك فكر ترعاه القيم وتُوضع له خطط ترتبط بآليّاتٍ للتقدم نحو الأمام وليس للعودة للوراء؛ من مصر تحديداً بدأ الحديث عن افتقار هذه الثورات إلى فكر وخطاب مفهوم؛ والتاريخ يحكي لنا كيف تبدأ الثورات من العواصم ويتصدَّرُها أهلُ العلم والأدب، وتقودها صفوة المجتمع من المتعلمين والمثقفين وأصحاب الفكر والرأي خلافاً للمشهد السوري.

السابق
العجز عن تشكيل الحكومة صفعة لقوى 8 آذار
التالي
كيف منع الأسد تحويل درعا… إلى «بنغازي سوريا»!