برجل مقطوعة تهزم قوتها من الجبال

على الطريق العام المؤدي الى نهر الليطاني في بلدة ” قعقعية الجسر” وتحت خيمة من ” الزينكو”، تبسط مريم حلاوي بضاعتها، وخلفها طفلها الصغير يعبث بالتراب قريباً من المكان الذي انفجرت فيه قنبلة عنقودية في رجل أمّه التي لا تزال تعتمد على هذه الطبيعة لاطعام أولادها الأربعة.

لم تثن القنبلة العنقودية، التي انفجرت في رجل مريم حلاوي ( أم علي)، المرأة عن عملها اليومي، في قصد الحقول البور على ضفاف نهر الليطاني القريب من بلدتها قعقعية الجسر، لقطف ما تنتجه الطبيعة الخضراء من الأعشاب الخضراء المختلفة. ” فلا القنابل ولا الدبابات ولا حتى الصواريخ ستوقف همّتي وتمنعني عن اطعام أولادي، رغم أن الدولة تحاول تضييق الخناق عليّ لأنها لم تساعدني يوماً رغم اصابتي البيلغة في رجلي والتي أدّت الى بتر جزء منها”. أم علي ( 40 سنة) التي فقدت الجزء السفلي من رجلها اليمنى عام 2007 أثناء قيامها بعملها في قطف الصعتر البرّي من أحد الجبال المطلّة على النهر كادت أن تفقد أي أمل لها بالحياة، لولا أن طبيبها المعالج شجّعها على ضرورة الاستمرار في عملها ومواجهة مصابها هذا، وتقول ” لولا الطبيب مشهور نحلة، وحاجة أولادي اليّ في العمل لما استطعت أن أواجه الآلام في رجلي والاستمرار في عملي في قطف الأعشاب البريّة وبيعها للزبائن العابرة على طريق النهر”. فرغم بتر جزء من رجلها اليمنى لا تزال أم علي تستيقظ كلّ صباح لتقصد الحقول والجبال البور متجاوزة مخاطر القنابل العنقودية المنتشرة في أكثر من مكان، وتبيّن أنه ” لا بديل لها ولزوجها حسين سلامة عن العمل في هذه المهنة الشاقّة، فيجب أن نسلّق باكراً ونقطف ما تيسّر لنا من الأعشاب البريّة المرغوبة لبيعها للزبائن الذين باتوا يعرفون أوضاعنا فيتوقفون لشراء ما يحتاجونه، وربما فقط ليساعدوننا ويعطفون على حالنا”.

وتعتبر حلاوي أن ” الله سبحانه وتعالى هو الذي يساعدنا دون غيره، فالحقول مليئة بأعشاب الخبّيز والشومر والصعتر والسّليق والهليون، وعلينا أن نسعى جاهدين لاطعام أطفالنا الأربعة وتعليمهم في المدارس، لكن ما يحزن قلبي هو عدم التفاتة أحد الى حالنا، رغم أنني مصابة بقنابل اسرائيلية أثناء قيامي بعملي، ولم أحصل سوى على 4 ملايين ومئتين وخمسين ألف ليرة كتعويض من مجلس الجنوب”، حصلت حلاوي على بطاقة معوّق من مجمّع نبيه برّي لرعاية وتأهيل المعوّقين في الصرفند لكنها بحسب قولها ” لم أحصل الاّ على جهاز بلاستيكي أكبر من حجم رجلي وعند استخدامه أواجه آلاماً حادّة، لذلك أفضّل العمل بدونه، وقرّرت العيش مع زوجي وأولادي من الأموال القليلة التي نحصّلها بعرق الجبين”. تجني أم علي مع زوجها ما يقارب 20 ألف ليرة يومياً، ” الرزق بحسب الطقس والمناخ وأيام الأعياد والعطل، فيوم الأحد هو اليوم الأكثر رزقاً لنا، كون أبناء القرى يعبرون بسياراتهم بكثرة وأحياناً كثيرة لا نستطيع العمل على الاطلاق بسبب كثرة الأمطار، ورغم كلّ ذلك فاننا نستطيع العيش بشرف ودون حاجة الى أحد فالمهم هو تعليم أولادنا لأننا نريد لهم أن يعيشوا في أوضاع غير التي نعيشها نحن، ونأمل من الله أن يساعدنا على ذلك، رغم أننا نعرّض أنفسنا كلّ يوم لمخاطر القنابل العنقودية المنتشرة في الحقول”.

لا يزال لأم علي طفل ( سنتان) دون سنّ الدراسة، فتضطرّ لأخذه معها الى حيث تعمل، مرّة يحمله والده ومرّة تقوم هي بهذا الدور مستعينة بصلابة جسدها وعنادها، ” لقد تعوّد على هذه المشقّة، منذ ولادته، فقد أنجبته بعد اصابتي بسنتين، كنت أريد أن أنجب بنتاً، لأن أولادي جميعاً من الذكور، لكن الله أراد لي صبياً جديداً، ربما لأنه لا يريد لابنتي أن تعاني كما أعاني أنا اليوم”.

الزوج حسين سلامة يعتبر أن ” من لا ينتمي الى الأحزاب لا يستطيع أن يؤمّن العمل أو يحصل على حقوقه المشروعة، فهناك كثيرون يحصلون على المساعدات وتؤمّن لهم الوظائف لأنهم ينتمون الى الأحزاب، أما نحن فلم يساعدنا أحد”. ويبيّن أنه ” خسر عمله في صناعة الأحذية، بعد أن توقف المعمل عن العمل بعد غزو البضائع الصينية الأراضي اللبنانية، لذلك لا بديل لنا عن قصد الطبيعة لجني الرزق، رغم أن خطرالموت يرافقنا الى الحقول المزروعة أيضاً بالقنابل العنقودية جديدة التي يمكن لها أن تشلّنا عن عملنا الوحيد، ونحن ندرك أنه وقتها لن يساعدنا أيضاً أحداً لاطعام أولادنا”.

ويبيّن حسن فقيه، من بلدة صريفا، وهو أحد زبائن مريم حلاوي، أنه ” وكثير من الأهالي يقصدون أم علي لشراء حاجتهم من السّليق والصعتر وغيرها، لكن لا أدري لماذا أحد من المهتمّين لم يكترث لهذه المرأة المجاهدة التي قلّ نظيرها، فهي فقدت رجلها أثناء عملها، ولا تزال تجاهد وتخاطر بروحها من أجل اطعام أولادها، رغم وجود عشرات المؤسسات التي تحصل على التمويل لمساعدة المتضرّرين من حرب تموز، كما أن الكثيرين حصلوا على أموال طائلة كتعويض عن أضرار لم تقع أصلاً، أليس أولى بالمسؤولين أن يساعدوا هذه المرأة بدلاً من عرض العضلات واقامة المهرجانات”.

السابق
حنينة تتسلم منطقة الجنوب التربوية
التالي
إطلاق فرز النفايات في قعقية الجسر