السفير: عون يؤكّد أن حكومة الأمر الواقع ستسقط حتماً

لا أحد يعمل على خط التأليف… وآخر الخليلين أطفأ ليل أمس محركه، في انتظار من يقدم تفسيرا مقنعا لكل مجريات حفلة المئة يوم التي انتهت إلى التلويح بحكومة أمر واقع، يعلنها رئيس الحكومة المكلف من القصر الجمهوري، ولن يكتب لها، على الأرجح، أكثر من عمر تلاوة مراسيمها.. إذا تجرأ رئيس الجمهورية على توقيعها.

الكل تنصل من مبادرة قائد الجيش العماد جان قهوجي. رئيس الجمهورية. رئيس الحكومة المكلف. العماد ميشال عون. بدا واضحا أن هناك من يحاول إحراج المؤسسة العسكرية وقائدها، حتى بلغ الأمر بالرئيس ميشال سليمان القول وماذا ينقص العماد قهوجي أن يكون هو وزيرا للداخلية، وذلك في تعبير عن انزعاجه من الاقتراح القاضي بإسناد الداخلية للعميد بول مطر، أحد ضباط الجيش المشهود بكفاءتهم ومناقبيتهم وهو الذي عمل مع العماد عون ثم العماد إميل لحود والعماد ميشال سليمان وأخيرا مع العماد جان قهوجي… وكان أحد أبرز المتحمسين لدمج ألوية الجيش وتثبيت العقيدة الوطنية للمؤسسة العسكرية وإبعادها عن التجاذبات الداخلية.

عندما بلغت آثار التطورات العاصفة في العالم العربي الحدود الشرقية مع لبنان، دق العماد قهوجي ناقوس الخطر، وبادر الى جمع كبار الضباط وخاطبهم بروح المسؤولية الوطنية. عرض للمخاطر والتحديات. اعتبر نفسه معنيا بالاستحقاقات الداهمة. تأليف الحكومة الجديدة. خطف الأستونيين. تفجير الكنيسة في زحلة. حادثة مجدل عنجر. تطورات سوريا واتهام شخصيات لبنانية. وضع المخيمات. الجنوب. فلتان البناء غير الشرعي. الاستحقاقات المعيشية والاقتصادية والاجتماعية الداهمة وأبرزها حاكمية مصرف لبنان. قضية البنك اللبناني الكندي الخ…
حث قهوجي الضباط على النأي بأنفسهم عن الانقسامات. أمن لبنان وسوريا واحد. عقيدتنا مواجهة الخطر الإسرائيلي والإرهاب.
فجأة تطلب بعض المرجعيات من قائد الجيش المساعدة بإيجاد صيغة توفيقية لوزارة الداخلية، فيبادر إلى طلب ضوء أخضر، سرعان ما يأتيه. لم يخترع اسما ولو أراد ذلك كان بمقدوره أن يفعل. قيل له إن هذا الاسم يشكل مخرجا، وعندما جس النبض، جاءته الأجوبة إيجابا، قبل أن يفاجأ لاحقا برفض رئيس الجمهورية له، طوراً بحجة أنه مريض وطورا آخر بحجة أنه يحمل ليسانس في التاريخ وطورا ثالثا بحجة أنه ليس قويا.. قبل أن يلفظ جملته الشهيرة: لماذا لا يقبل قهوجي أن يكون هو وزيرا للداخلية؟ ليقفل باب النقاش ويحمل الموفدون الملف بلا رجعة إليه، خاصة أن الجواب حمل في طياته، الكثير من المعاني والدلالات الحالية والمستقبلية.
لم يكتف رئيس الجمهورية بإجهاض هذا المسعى، بل ذهب
بعد ذلك إلى حد التداول مع أقرب مساعديه بفكرة محاولة إقناع الرئيس المكلف بالعودة إلى المربع الأول: نعم لماذا لا يشكل نجيب ميقاتي حكومة إنقاذ وطني تضم الجميع ويجلس جميع أقطاب الحوار على طاولة حكومية واحدة: نجيب ميقاتي وسعد الحريري وأمين الجميل وسمير جعجع وميشال عون وسليمان فرنجية وحزب الله ووليد جنبلاط ونبيه بري وطلال ارسلان الخ…
لم تعبر الفكرة المسالك المطلوب أن تمر عبرها. عندها صار النقاش يتخذ شكلا أكثر وضوحا. من غير المسموح إسناد وزارة الداخلية الى أي وزير من المحسوبين على فريق 8 آذار، حتى لو أدى الأمر الى اعتذار رئيس الحكومة المكلف أو أن يصار الى فرض حكومة أمر واقع مفتوحة على كل الاحتمالات أصعبها الاستقالة التي تكون أفضل من إسناد الداخلية سواء إلى ميشال عون أو أي فريق في 14 آذار.

هذا الموقف الأميركي من موضوع وزارة الداخلية، تم تغليفه بالصياغة التي أنتجها اتفاق الدوحة وتجربة حكومتين من بعد ولادته، أسندت فيهما وزارتا الدفاع والداخلية لوزيرين سماهما رئيس الجمهورية. لا بأس من الاستعانة بالدستور. رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو رئيس المجلس الأعلى للدفاع الخ…

فجأة قرر رئيس الجمهورية ممارسة صلاحيات مؤجلة لم يمارسها تحديدا خلال الانتخابات النيابية والبلدية. قرر رئيس الجمهورية الانتقام من واقعة سقوط رهانه بأن تبقى الأكثرية بيد فريق 14 آذار، إلى حين انتهاء ولايته الرئاسية، حيث كان يمكن التفاهم بسهولة مع هذا الفريق وزعيمه سعد الحريري الذي كان راغبا بمواجهة ميشال عون بغير عدة سمير جعجع وأمين الجميل، وهو الأمر الذي صارح به الحريري رئيس الجمهورية في لقاء جمعهما مؤخرا بعيدا عن الأضواء.
كانت مجرد خطوة بعنوان وطني بادرت قيادة الجيش إلى اتخاذها، من دون أية حسابات شخصية أو سياسية أو فئوية، لكن فجأة صارت المؤسسة مدانة وتنصل الكل من المبادرة وصار جان قهوجي وحده يعرف الموضوع، فهل كان مطلوبا منه أن لا يشارك في تحمل المسؤولية وأن يترك الأمور تسلك منحى… تصبح النتيجة واحدة: عدم تشكيل حكومة… لأن هذا هو المطلب الوحيد لفريق 14 آذار قبل جلاء صورة الموقف في سوريا؟

سياسيا، وفيما برزت الزيارة التي قام بها الرئيس ميقاتي للرئيس سليمان في بعبدا مساء امس، تحدثت اوساط ميقاتي عن ساعات حاسمة، خاصة ان هناك معطيات ايجابية تحتاج بلورتها لبعض الوقت انما ليس بالوقت الطويل. ويأتي ذلك بعد اعلان ميقاتي أنّ الاتصالات مستمرة لتشكيل الحكومة، ولا بد في النهاية من الوصول الى حل وتفاهم واتخاذ القرار المناسب لأننا جميعاً في مركب واحد وأيّ ثقب يصيب هذا المركب يغرقنا جميعاً.

وفيما لمّح الرئيس بري امام النواب الذين التقاهم في اطار لقاء الاربعاء في مجلس النواب، الى استبعاده تلاوة صلاة الميت على الحكومة، اكد النائب ميشال عون ان لا مشكلة شخصية مع الرئيس ميقاتي ودعاه الى احترام آراء النواب في الاستشارات النيابية، مستغربا رفض تسليمه وزارة الداخلية، معلنا رفضه ان يأتي الينا بأشخاص بالإعارة ليمثلونا ونكون مسؤولين عنهم.

واتهم عون رئيس الجمهورية وميقاتي بأنهما في طريقة تفكيرهما ينتميان إلى الاكثرية السابقة، ورأى ان هناك تأثيرا خارجيا على ميقاتي ولا يستطيع أن ينفيه إلا عندما يقول ميقاتي ما الأسباب الحقيقية، معطيا مثالا على التورط بأسباب خارجية، بمنعه اسناد الداخلية الى تكتل التغيير وعليه هو أن يقول لماذا؟ كما انه لم يستبعد ان يكون هناك من ينتظر نتائج التطورات في سوريا، غامزا بذلك من قناة سليمان وميقاتي.

كما اتهم عون سليمان بأنه خرق الحيادية وسمعنا في ويكيليكس وغيرها أحاديثه، معتبرا ان مبادرة الرئيس المكلف الى اعلان حكومة امر واقع عمل خطير وهي حكومة مرفوضة، وستسقط خاصة ان الرئيس المكلف مقيّد باستشاراته مع النواب، وقال: حكومة الأمر الواقع عمل لا مسؤول وغير مألوف لأنه يترتب عليه نتائج، وهذه الحكومة لن تقلع ولن تذهب الى المجلس النيابي ولن تتحول لحكومة تصريف أعمال ولا أعتقد أن سليمان سيوقع مرسوم حكومة تصريف اعمال.
وردا على سؤال قال: انا أعرف أن هناك عرقلة خ

ارجية والطاقم السياسي كله موجود في السفارة الأميركية وهذا قرأناه في ويكيليكس، وقبل أن يشكلوا الحكومة أعطوا وعودا للأميركيين وغير الأميركيين أن الحكومة لن تتألف كما تريد الأكثرية الجديدة، وما معنى الرحلات والمقابلات الخارجية مع فيلتمان وزيارة واشنطن قبل تأليف الحكومة.

وإذ اكد عون تمسكه بحقيبة الداخلية، اتهم سليمان بأنه يريد الداخلية من دون ضوابط، وشكك في ان يتم التوصل الى حل لها، الا انه اشار الى قبوله حلا توافقيا حيالها عبر توليه تسمية اشخاص يتحلون بالكفاءة والخبرة، مشيرا الى ان الداخلية ليست هي المشكلة فقط، بل هناك وزارات اخرى لم تحسم بعد، ولا يبدو انها ستحسم قبل حسم مسألة الداخلية.

وسأل: أي مديرية تعمل بشكل صحيح في الداخلية؟ هل ساروا باللامركزية الإدارية؟ هل حلت أزمة السير؟ وقصة الصندوق البلدي؟ وهل ان قوى الأمن الداخلي، هي قصة كباش أم تطبيق قوانين؟ وإذا لم يكن وزير الداخلية قادرا أن يكابش فسنأتي بمن يكابش.
وأشار عون الى انه لم يفتح معركة ضد وزير الداخلية زياد بارود، وقال: لماذا يناور رئيس الجمهورية ببارود منذ 3 أشهر وهو قال إنه أبلغه بأنه قد عزف عن الدخول في الحكومة، أنا لم أقم بمعركة ضد بارود بل قلت لا أريده في الداخلية، وليس في الحكومة، لأن من يمارس مهام الداخلية يجب أن يكون دعمه قويا.

السابق
النهار: مبارزة بين أطراف الأكثرية على نعي المخارج
التالي
المستقبل: بري صامت.. والهيئات الاقتصادية تُشهر لاءاتها في وجه الفراغ