هل انتهى الإرهاب؟

 تعابير مثل منعطف ونهاية مرحلة في الحرب على الإرهاب استخدمتها غالبية التعليقات على تصفية أسامة بن لادن على ايدي القوات الأميركية في باكستان. وذلك استناداً إلى افتراض أن بن لادن يقف على رأس تنظيم مركزي وهرمي له فروع منتشرة على مدى انتشار المجموعات المسلحة في العالم والتي تعلن انتماءها إلى تنظيم «القاعدة». لكي يكون مقتل بن لادن منعطفاً ونهاية مرحلة، ينبغي الافتراض أيضاً أن الرجل كان يخطط ويأمر ويُطاع في كل الهجمات الإرهابية في العالم، خصوصاً بعد اختفائه بعد طرد نظام حلفائه في «طالبان» من السلطة في أفغانستان.

لكن مثل هذه الافتراضات تفترض بدورها سذاجة لتصديقها. وإذا كان اسمه ارتبط، منذ تحالفه مع ايمن الظواهري لتشكيل جبهتهما ضد النصارى واليهود، بعمليات إرهابية موصوفة، فإن الأمر اختلف كثيراً منذ هروب الرجلين تحت ضغط الآلة الحربية الأميركية في أفغانستان. وبات من الصعب عليهما تكرار الإشراف على عمليات إرهابية مدوية، ليس تعففاً وإنما لأسباب لوجستية.

لكن مثل هذه العمليات المدوية استمر حدوثها، رغم تخفّي الرجلين، على ايدي مجموعات مسلحة تستلهم نظريات «القاعدة» وتبرر إرهابها بولائها لهذا التنظيم. وهذا يعني أن هؤلاء الإرهابيين لم يكونوا ينتظرون تخطيطاً من بن لادن ونائبه أو أوامر مركزية منهما ليخطفوا ويقتلوا ويفجروا. لا بل يمكن الاعتقاد بأن عصابات خارجة على القانون عمدت إلى إعلان الولاء للتنظيم لتبرير أفعالها، في كثير من أنحاء العالم. وليس صدفة، في هذا المعنى، ارتباط أسماء كثر اعلنوا ولاءهم لـ «القاعدة» بالجريمة المنظمة.

وفي هذا المجال ينبغي فعل الكثير في مواجهة مثل هذه العصابات في كثير من أنحاء العالم، قبل استنتاج أن هزيمة ألحقت بتنظيم بن لادن، وأن الحرب على هؤلاء دخلت منعطفاً جديداً.

لكن الأخطر من ذلك هو ما سمعناه، خصوصاً من معلقين وسياسيين ينتمون إلى الإسلام السياسي، من تقويمات تناولت العمل الجرمي الموصوف الذي اقترفه بن لادن قبل اختفائه في أفغانستان.

ركزت هذه التعليقات على مسألتين. الأولى أن الرجل «اجتهد… وربما اخطأ». والثانية ربطت «خطأه» بممارسات ظالمة من الغرب طاولت مسلمين.

أي أن هذه المواقف استعادت جذور نظرية بن لادن التي تعتبر أن الاجتهاد هو في العنف ومظاهره المختلفة وإن الخطأ يكمن في استهداف مسلمين، وإنه مبرر ما دام ثمة ظلم يقع على مسلمين، علماً أن مفهوم هذا الظلم مطاط وغير قابل للحصر. فهو ممتد في نظر هؤلاء على امتداد وجود مسلمين، وليس فقط ذلك الواقع على شعب فلسطين على ايدي إسرائيل وحاميتها الولايات المتحدة. علماً أن إرهاب «القاعدة» ضرب في كل الأماكن باستثناء فلسطين.

وهذا يعني في العمق أن العنف ليس مداناً لذاته كوسيلة سياسية، وإنما الإدانة لـ «انحرافه» عن معركة حقيقية يبقى تحديدها وفقاً للظروف السياسية. ولذلك لم يتردد بعض هؤلاء في وصف بن لادن بـ «المجاهد» و»الشهيد». ما يعطيه صك براءة من كل أعماله الإرهابية الموصوفة التي اعلن مسؤوليته عنها علناً وصراحة، ومن كل دعواته العلنية إلى القتل والتصفية. وفي هذه المواقف، ثمة إعادة اعتبار للابن الضال الذي تخلى عن جذوره التنظيمية ليشكل جماعته الخاصة.

واليوم مع اندلاع الحركات الاحتجاجية العربية التي يستعيد فيها الإسلام السياسي بعض زخمه مستفيداً من المطالبات الشعبية بالتعددية والديموقراطية، تشكل هذه المواقف من «الخطأ» والعنف تحدياً كبيراً، من غير أن يكون لبن لادن، حياً أو ميتاً، أي تأثير في مواجهته.
 

السابق
باكستان أسامة بن لادن
التالي
نقولا: ميقاتي أثبت عدم قدرته على متابعة مهمته!