هاني فحص: بيت من حجارة وبنادق من زجاج

نفت حركة امل في بيان أصدرته أمس أي مسؤولية لها عن تعرض عناصرها لمنزل العلامة السيد هاني فحص. ويأتي هذا البيان بعد اتهامات وجهت من قبل عائلة السيد ومن بعض جيرانهم الى عشرات العناصر من "امل"، التي قامت ليل امس الاول بالاعتداء على منزل السيد، الكائن على طريق المطار قرب مقرّ المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، الذي السيد فحص عضو فيه، وتمّ التعرض لافراد عائلته. 
وفيما اكد افراد من العائلة ان المعتدين لم يخفوا هويتهم السياسية، اشاروا الى انهم اقاموا دعوى قضائية ضدّ المعتدين الذين تعرضوا حتى لزوجة السيد، في حين كان الأخير خارج لبنان، كما تعرّضو إلى نجله.
 
البيان الذي صدر لم يتضمن اي عبارة إستنكارية للتعرض لاحد ابرز رموز الطائفة الشيعية اللبنانية، دينيا وفكريا وثقافيا. هذا لا يعني بالضرورة ان ثمة قرارا من "امل" بالتعدي، لكنه يظهر المدى الذي بلغه البعض في الاستخفاف بهذه الرموز ومحاولة النيل منها من دون ان يرف جفن لأصحابها. 
فلو كان السيد فحص أحد المسؤولين الحزبيين العاديين في "امل" او "حزب الله"، هل كان جرى هذا الاعتداء، وإن من عناصر غير منضبطة او غير منظمة؟ بالتأكيد لم يكن احد ليجرؤ على التفكير في ذلك، لادراكه حجم العواقب الوخيمة على فعلته. 
 
لكن ربما تكمن جريمة السيد هاني فحص انه خارج هذه الثنائية من دون ان يضمر لها العداء، مقرا بوجودها، محتفظا لنفسه بمسافة لا تخلّ بالود والاحترام وتقر بالاختلاف والتمايز. وهذا ديدن من يماثل العالم والاديب ورجل الحوار، بأن يحتفظ بتلك المسافة التي تتيح الانسجام مع الدور الذي تفترضه شخصية عالم الدين والمثقف النقدي في السياسة والمجتمع. وهو من هو، ذو التاريخ النضالي وصاحب البصمات المضيئة في ثورة مزارعي التبغ قبل اربعة عقود، الى الثورة الفلسطينية التي لاتفارقه ولم يفترق عنها… مرورا بالثورة الاسلامية في ايران، ودوره الفاعل على مساحات الحوار المسيحي – الاسلامي والحوار اللبناني – اللبناني، الى غير ذلك من محطات مشرقة لا يطويها التاريخ، وهي مفخرة لاصحابها.
 
ما جرى من اسلوب ميليشيوي في التعامل مع هذا الموقع، بما يرمز اليه ويمثله، يكشف حجم التداعيات التي وصلت اليها البلاد والفوضى التي تنال من المواطنين الشرفاء، ويفضح المدى الذي بات فيه النيل من قامة دينية في مستوى قامة السيد هاني فحص أمرا عاديا في بيئة سياسية يفترض انها تعلي من شأن القيم الدينية ورموزها. اعلاء الى حدود قد تبدو لدى البعض محل مبالغة… وان اختلف آخرون على توصيفه، إن هو في الشكل الفارغ ام في المضمون الراسخ.
 
هذا السلوك الميليشيوي لا يبرره تنطح بعض المسؤولين لمخاطبة المواطنين بأن غياب الدولة هو ما يفرز هذه الظواهر الخارجة على القانون فضلا عن تمردها على الحد الادنى من المبادىء الاخلاقية. وهي ظاهرة خطيرة سواء في تنصل المسؤول من مسؤولياته، أوفي محاولة تبرير الفوضى والفلتان الذي اذا استمر لن ينج منه حتى من يظن انه قادر على استثماره سياسيا او ماليا او مذهبيا… 
 
هكذا لا يمكن الا الربط بين الاستهانة بالاملاك العامة والتعدي عليها ومصادرتها، وبين النيل من السيد هاني فحص او اي مواطن عادي بات يشعر اليوم اكثر من اي وقت مضى بمدى الاستباحة التي يتعرض اليها اذا كان ملتزما باخلاقية المواطنية. فالاستباحة وعدم التصدي وعدم إصدار اي فتوى دينية صريحة تحرم بشكل قاطع التعدي على الاملاك العامة، كلّ ذلك يبررّ لدى كثيرين اتهام "حزب الله" وحركة "امل" بتغطية ما يجري من مخالفات. خصوصا أن العديد من الفتاوى صدرت في قضايا خلافية وهامشية، والانتخابات النيابية والبلدية أمثلة على ذلك. 
 
السيد هاني فحص في ذلك كله صاحب موقف ورأي، يتجنب الصمت والعزلة ويتعبه عقله والتزامه الوطني والديني، فيفرض عليه محاولة الاصلاح والنصح، ينتفض على التطابق والاتباع كما يتفادى الانقطاع. يحب الوصل، يقيده اعتقاد بأن عالم الدين يضيّق الحزب على مسؤولياته، ويشوهه الاصطفاف العصبي، ويلغيه التسليم للسلطة السياسية او الدينية. 
 
جريمة السيد هاني فحص انه تمايز قليلا فصار بيته وعائلته صيدا سهلا لدى البعض… هكذا يساهم صمت البعض عن جرأة التعدي على السيد هاني فحص، ويمهّد لتعديات تنتجها ثقافة تستبيح الكرامات، من بعض مظاهرها استباحة منزل مفتي صور السيد علي الامين قبل سنوات واتهام ظالم بالعمالة للعدو مهّد لاعتقال مشبوه للشيخ حسن مشيمش قبل أشهر… والبقية تأتي.
 
قيل يوما إنّ طبّاخ السمّ لا بدّ ذائقهُ، بمعنى أنّ من يشرّع التعدّيات، قد يصير يوما هدفا لها. وفي عالم الأمثلة أيضا، أنّ الذي بيته من زجاج لا يقذف الناس بالحجارة، فكيف بالمتهم في تشريع التعدّي على الأملاك العامة، وبالبنادق الزجاج، تهاجم بيتا من حجارة، بيت علامة بحجم السيد هاني فحص؟ 
 
 
 

 

السابق
جمعية السبيل تختتم مشروعها الخاص بالتوعية على المواطنية
التالي
عون: حكومة أمر الواقع ستسقط قبل الوصول الى جلسة أخذ الثقة