عجمي: عاتب على “الحرتقجية”

علاقتنا بـ«الكوت ديفوار» لا تنسجم مع حجم وجودنا
 كان «يجب» أن أشارك في حفل تنصيب غباغبو

حوصر السفير اللبناني في أبيدجان علي عجمي مع آلاف اللبنانيين، فلم يتمكن من توديع والده. حمّل كثيرون الرجل مسؤولية «أعمال انتقامية»، لحضوره حفل تنصيب الرئيس غباغبو. الدبلوماسي والصحافي والأديب، عاتب على الصحافة، الحبيب الأول، وعلى «الحرتقجية»

-هل تسبب حضورك حفل تنصيب الرئيس لوران غباغبو في «احمرار العين» على اللبنانيين في «الكوت ديفوار»؟
ـــــــ ماذا كان سيسبّب عدم تلبية الدعوة إلى حفل التنصيب، خصوصاً إذا التفتنا إلى أنّ 90% من اللبنانيين كانوا يعيشون حينها في مناطق خاضعة لسيطرة غباغبو؟ فحضوري هو لحماية المصالح اللبنانية، وجرى بالتنسيق مع وزارة الخارجية، وبالتزامن مع إرسال أكثر من رسالة إلى الرئيس الحسن وتارا، للقول إنّه ليس هناك أبعاد سياسية لهذه المشاركة، والدليل أنّ لبنان تبنّى اعتراف مجلس الأمن برئاسة الأخير. لكن الأمر استُغل في «الحرتقات» الداخلية، و«الشغب» الإعلامي.

– لكن كيف تفسر الأعمال الانتقامية التي تعرّض لها اللبنانيون هناك؟
ـــ اللبناني غير مستهدف بعينه. هو جزء مهمّ من اقتصاد البلد، وأي أعمال سرقة ونهب في ظل الفوضى الأمنية والسياسية، لا بد من أن تطاله بدرجة تفوق الآخرين. أما التهويل عليه من جانب العصابات والمسلحين، فيندرج في سياق الابتزاز المادي. وفيما سقط آلاف «الإيفواريين» جرّاء المعارك، لم يسقط أي قتيل لبناني.

– ماذا عن العلاقات اللبنانية ــ «الإيفوارية»؟
ـــــ تتناقض كلياً مع حجم الوجود اللبناني في هذا البلد وتاريخه الذي يعود إلى عام 1890. أما العلاقات الدبلوماسية فتعاني جموداً مزمناً، ورغم أنّ لبنان كان أول دولة عربية تفتتح لها سفارة في «الكوت ديفوار»، نجد أنّ الاتفاقيات بين البلدين تقتصر على اتفاقية وحيدة عام 1963، قضت بفتح خط مباشر لطيران الشرق الأوسط إلى أبيدجان. كذلك لا زيارات رسمية متبادلة، ما عدا زيارات خاصة لبعض المسؤولين. أما من جانب ساحل العاج، فهناك زيارة يتيمة لوزير الخارجية السابق يوسف باكايوكو عام 2008. أما المطلوب فتفعيل العلاقات بما يضمن مصالح اللبنانيين الذين يراوح عددهم بين 80 ألفاً و100 ألف، يدير شؤونهم سفير من دون قنصل وستة موظفين فقط، وتصور أنني اضطررت لتوقيع أكثر من 350 معاملة، بين مصادقات وجوازات سفر ووكالات وتأشيرات وغيرها، في يوم واحد فقط!
– من يملأ هذا الفراغ؟
ـــــــ هناك مكونات للجالية اللبنانية يجب تعزيز دورها، وخصوصاً الجامعة الثقافية في العالم، المنقسمة على نفسها حالياً، بين أفريقيا وأميركا الجنوبية، إذ تُعدّ هي الممثلة الرسمية للجالية اللبنانية أمام السلطات «الإيفوارية»، فيما السفارة التي تمثل لبنان الرسمي، تضطر إلى القيام بأدوار ليست من اختصاصها.

-يُقال إن نفوذ تجار لبنانيين أقوى من التمثيل الرسمي.. وبعضهم يورّط اللبنانيين في متاهات السياسة الداخلية للبلد؟
ــ من الطبيعي أن ينسج التجار اللبنانيون علاقات مع مسؤولين «إيفواريين»، رسميين أو معارضين. لكن أجزم ألا طموح سياسياً يحكم هذه العلاقات. ولا أمل لأي لبناني أن يتبوأ أي منصب سياسي.

– لكن النفوذ شيء والمناصب شيء آخر؟
ـــــــــ هناك مبالغة، بل فبركة أخبار في تقدير دور اللبنانيين في الأزمة «الإيفوارية».

-لماذا تأخرت الدولة اللبنانية في اتخاذ قرار الإجلاء على نفقتها؟
ـــــــ عندما كنا نُراجَع كنا نقول: «الوضع معقّد وحرج، لكننا لا نقرر عن أحد». قرار النزوح لم يكن سهلاً. والأمور تدهورت فجأة فأقفل المطار.

– كانت هناك مطالبة بخفض سعر التذكرة، وخصوصاً مع فقدان السيولة بعد إقفال المصارف؟
ـــ صحيح، استجابت شركة طيران الشرق الأوسط وخفضت نسبة 35% من تذكرة العودة فقط، على مرحلتين، وهي لم تتردد في تكثيف رحلاتها، لكن إقفال المطار على أنه مكان غير آمن، منع شركات التأمين من السماح للطائرات بالهبوط، وهو ما أصبح متاحاً بعد هبوط طائرات «إيرفرانس». أما الدولة اللبنانية، فتبنّت 21 رحلة على نفقتها، فيما السلطات الفرنسية لم تتبنّ رحلة واحدة لرعاياها.

– ما رأيك بأداء الفرنسيين؟
ــــ قصّروا في دورهم بوصفهم قوات طوارئ، واجبها حماية المدنيين. لكن هذا لا يقلل من مساعدتهم على إجلاء مئات اللبنانيين إلى قاعدتهم العسكرية.

– من كان يدير عملية إجلاء اللبنانيين ولماذا تعدّدت الجهات واللجان الرسمية؟
ــــ وصلت لجنتان إلى أكرا: الأولى أرسلتها وزارة الخارجية برئاسة المدير العام للمغتربين هيثم جمعة، والأخرى تابعة للهيئة العليا للإغاثة برئاسة اللواء يحيى رعد وعضوية ضباط من الجيش اللبناني، وقد انتقلوا إلى ابيدجان وبقوا فيها حتى آخر رحلة. أما لماذا لجنتان رسميتان؟ فهذا تُسأل عنه وزارة الخارجية والهيئة العليا للإغاثة!

– هناك حديث عن ميزانيات كبيرة صرفت على إقامة الوفود الرسمية، فيما تكفلت الجالية، سواء بأبيدجان أو بتوغو أو بأكرا، بإقامة النازحين؟
ــــــــ معلوماتي أنّ الميزانية الفعلية كانت بيد الهيئة العليا للإغاثة، وتقدر بخمسة مليارات ليرة.

– لماذا انسحبت لجنة الطوارئ المكوّنة منك ومن الجمعيات، من المشاركة في أعمال الإجلاء، وقد اتُهمتم بالتخلي عن الناس؟
ــــــــ منذ بداية الأزمة، طلبت السفارة من الراغبين في العودة إلى لبنان تسجيل أسمائهم، فسجل نحو 9 آلاف شخص. وبالفعل، مع استئناف الرحلات بدأنا بوضع لوائح من 210 أسماء لكل لائحة، أي قدرة استيعاب الطائرة، وذلك بالتنسيق مع «الشرق الأوسط»، التي أبلغتنا أنّ الشركة مضطرة إلى توفير مقاعد للحاجزين مسبقاً. بناءً عليه، حددنا الأولوية للأطفال والنساء والشيوخ والمرضى. وطلبنا من الناس عدم التوجه إلى المطار قبل أن نطلب منهم ذلك. ما جرى أن الناس، نتيجة الوضع المأساوي، توافدوا بالمئات إلى المطار، ما أدى إلى أزمة إنسانية وفوضى كبيرة. ووجدنا أنفسنا في مواجهة ما يزيد على ألف شخص. وقد تعرضنا، بصفتنا لجنة طوارئ، للسباب والشتائم، والاتهام بتفضيل «جماعاتنا»، فكان القرار بالانسحاب.

– لكن هناك خللاً ما في عملية الإجلاء واتهامات بالرشى والمحسوبيات؟
ـــــ ممكن، فلم أعد موجوداً في المطار، ولا أعرف ماذا كان يحصل. لكن أجزم بأنّ الضباط اللبنانيين هم خارج دائرة الاتهام، فحامل لواء الوطن لا يمكن أن يرتشي.

– قلت إنّك لم تعد تذهب إلى المطار، وتصر على الدفاع عن الضباط، فمن يتحمل إذًا مسؤولية وجود سماسرة «إيفواريين» وفّروا تذاكر سفر مقابل مبالغ مالية؟
ـــــــ الفرنسيون أقفلوا الأبواب الرئيسية وتحكّموا بحركة الخروج والدخول. لكن هؤلاء السماسرة من أبناء البلد قد يتمكنون من إمرار بعض الناس عبر أبواب سرية مقابل المال، وهذا يحدث في كل مطارات العالم. مسؤولية الضباط اللبنانيين كانت محصورة في تنظيم الناس عند «الكونتوار» ومساعدة موظفي «الشرق الأوسط». أما الأمن فهو مسؤولية القوات الفرنسية. كذلك فإن كل شيء وارد في ظل الفوضى.

-ما حقيقة أنّك ستدفع ثمن ما جرى في أبيدجان من بلبلة وأنك سوف تُستبدل، وخصوصاً مع انتقال دبلوماسي لبناني إلى أبيدجان قبل مغادرتك؟
ــــ هذا الكلام غير صحيح إطلاقاً. القائم بالأعمال علي قازان حل مكاني مؤقتاً لعدم وجود دبلوماسي غيري في السفارة. لم أقدم على أي خطوة إلّا بالتنسيق مع وزارة الخارجية. وقريباً جداً سأعود للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس الحسن وتارا في 21 أيار المقبل، وسأبذل جهداً ليكون هناك حضور رسمي عالي المستوى، عسى ذلك يعطي دفعاً للعلاقات مع هذا البلد المهم بالنسبة إلى اللبنانيين، الذين لا يقلون أهمية بالنسبة إليه.

«فليسقط سعادة السفير»

يستذكر عجمي ضاحكاً تظاهر البعض ضده في مطار أبيدجان، لاتهامه بالتمييز بين المسافرين، حيث رددوا عبارة: «فليسقط سعادة السفير». الدبلوماسي الأديب، الحائز دكتوراه في الأدب العربي من الجامعة اللبنانية، لم يوقف «السلك» إنتاجه الأدبي، وآخره مجموعة قصصية بعنوان «حالات». الأحداث الأخيرة اضطرته إلى العودة للعمل مراسلاً لمعظم المؤسسات الإعلامية. يقول: «أسبوعان في أبيدجان أصعب من 15 عاماً عملت فيها مراسلاً خلال الحرب الأهلية وتحت الاحتلال».

السابق
إجتماع في قائمقامية حاصبيا لحماية املاك الدولة
التالي
إقليم التفاح…وسياحته