تعويق استخباري

 يجوز لاجهزة الاستخبارات والتقدير في اسرائيل ان تعترف بأنها لم تتنبأ سلفا باتفاق المصالحة الاخير بين فتح وحماس. لو أنها نجحت في التنبؤ به لسُجلت سابقة. ولم تتنبأ ايضا باتفاق المصالحة السابق الذي أفضى الى انشاء حكومة الوحدة الوطنية برئاسة اسماعيل هنية في 2007، ولا باقالة محمود عباس لهنية في حزيران من ذلك العام، وهي اقالة أفضت كما تذكرون الى المواجهة الدامية الفظيعة بين المنظمتين التي استولت حماس في نهايتها على السلطة في القطاع.
هناك تاريخ طويل تطور ليصبح تعويقا حقيقيا، لعدم قدرة اسرائيل على التنبؤ بمسارات سياسية وتحولات سياسية في "المناطق". تجسد هذا التعويق في حزيران 1967 عندما لم يتنبأ أحد في الادارة بطلب رؤساء البلديات في المدن المسيحية القريبة من القدس (بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور) الانضمام الى دولة اسرائيل. وبدا العجز الاستخباري مرة اخرى في التحول الذي لم يتم تصوره في بداية السبعينيات، عندما بدأ الجمهور المسلم في الضفة وفي شرقي القدس يؤيد فجأة الجبهة الوطنية الفلسطينية التي جاءت نواتها الصلبة من الشيوعية الماركسية – اللينينية.
إن أحد الاخفاقات الاستخبارية الأشهر هو فشل التحديد المسبق لتحول الانتخابات المحلية في نيسان 1976، عندما مضى وزير الدفاع آنذاك شمعون بيرس، الذي أيد تلك الانتخابات، "لينام" مع رؤساء البلديات الموالين للاردن في الضفة الغربية واستيقظ مع بسام الشكعة وفهد القواسمي وممثلين محليين آخرين من منظمة التحرير الفلسطينية ومندوبي عرفات.
يمكن ان نزيد على ذلك ايضا عدم النجاح في التنبؤ بالانتفاضتين الاولى والثانية – في 1987 وفي 2000 – وبتولي حماس للسلطات المحلية والمؤسسات الدستورية في السلطة الفلسطينية في 2006.
هناك سببان رئيسان لهذا التعويق الاستخباري. السبب الاول هو انه منذ بدء اقامة الادارة الاسرائيلية في "المناطق" في حزيران 1967، انحصرت عنايتها في تطوير مهارات للقضاء على الارهاب والتآمر السياسي، وأهملت الاستخبارات السياسية التي ترمي الى التعرف على مسارات سياسية وتغييرات تنظيمية.
ويتعلق السبب الثاني ببنية المجتمع الفلسطيني وتراثه. يصعب التعرف على طرق عمل سياسية خاصة في مجتمع لم يجرب قط استقلالا واعتمد دائما على عناصر خارجية وتُحركه في الأساس علاقات الدم والمصالح العائلية والعاطفية. فأين يوجد مجتمع قاده خلال اربعة عقود الشيوعيون، ومنظمة ارهابية علمانية وحركة اسلامية أصولية على التوالي؟.
أُذكِّر بأنه في الانتخابات الاخيرة في 2006 تنبأ الجميع وفيهم معاهد البحث الفلسطينية بفوز فتح، لكن قرارات عاطفية لرؤساء حمائل وشيوخ حولوا تأييدهم من فتح الى حماس عقابا، جعلت هذه التنبؤات سخرية ومهانة.
يمكن ان نتنبأ في المجتمع الفلسطيني بأن تعود فتح وحماس لتحارب بعضهما الاخرى، وبأن فتح ستنتقم بعد لانها لم تنس تماما إذلالها في غزة في حزيران 2007. ويمكن أن نتوقع ان يكون انتقال لمصوتين من فتح لحماس وبالعكس، وأن الشيء الذي سيُحرك عجلات هذه "الوحدة الوطنية" المزيفة هو ملايين اليورو التي ستأتي من الخارج، اذا أتت. هل يصمد اتفاق المصالحة؟ من الصعب جدا التنبؤ بهذا. 

السابق
نهاية عهد الاوهام
التالي
اسرائيل تحتاج الى مبادرة