إقليم التفاح…وسياحته

لا يرى أهالي إقليم التفاح في المشاريع التي يوفّرها لهم اتحاد بلدياتهم إنجازات حقيقية، بل مجرد خدمات متواضعة تتلاءم مع عدد المقيمين في المنطقة. وفيما يعترف الاتحاد بهذا الأمر، لا يخفي رئيسه وجود العديد من المشاريع المهمة، لكنها تفوق إمكانات الاتحاد الذي لا يزال طريّ العود

إذا كانت منطقة إقليم التفاح الغنية بالمياه والخضرة الدائمة، قد شهدت حركة سياحية لافتة في أواخر الستينيات من القرن المنصرم، وفي مطلع السبعينيات، حيث برزت فيها المهرجانات السياحية وتنامت المتنزهات والمرابع، فقد أضحت بعد عام 1975 قبلة الهاربين من جحيم القصف والاعتداءات الإسرائيلية التي كانت تتعرّض لها مدينة النبطية ومنطقتها، وغدت بيوتها لا تكفي للعائلات التي لاذت حتى بالأقبية القديمة للإقامة فيها، ما سبّب ارتفاعاً في القيمة التأجيرية للبيوت والوحدات السكنية.
لكن هذه المنطقة شربت منذ عام 1985 من مرارة العدوان الإسرائيلي المستمر عليها، ما أدى الى نزوح معظم سكانها نحو العاصمة بيروت أو شرقي مدينة صيدا أو نحو دول الاغتراب بحثاً عن مصدر معيشي آخر يعوّض على أبنائها خسارتهم في كرومهم (تفاحيات وجوز وزيتون) وحقولهم الزراعية التي أحرقها القصف الإسرائيلي براً وجواً، إذ كانت الزراعة قبل السياحة، هي المورد الأساسي للسكان هناك. بيد أن الهدوء الذي جلّل الجنوب ومنطقة الإقليم، منذ عام 2000، تاريخ الانسحاب الإسرائيلي، لم يحمل إليها النازحين ولم تسجّل عودة لافتة، فيما تراجعت الزراعة ولم تنتعش السياحة. وتدمغ الإحصاءات التي يقوم بها العديد من الجمعيات الأجنبية المهتمة، حقيقة هذا الأمر، إذ تتدنى نسبة المقيمين فيها (إذا ما استثنينا عربصاليم وعين قانا) إلى ما دون العشرين بالمئة شتاء.
يرى كثيرون من سكان إقليم التفاح أن خدمات اتحاد البلديات الذي أنشئ بعد عام 1998 ليكون الاتحاد الثاني في منطقة النبطية، بعد اتحاد بلديات الشقيف الذي انفصلت عنه بعض بلديات الإقليم لتلتحق باتحادها الجديد، الحامل اسمها، هي خدمات متواضعة تتلاءم مع عدد المقيمين في المنطقة، فيما يرى القيّمون على الاتحاد أن العديد من المشاريع «التي يمكن أن تمثّل حافزاً قوياً لعودة الأهالي وازدهار المنطقة سياحياً وزراعياً، تفوق إمكانات الاتحاد الذي لا يزال طريّ العود إذا ما قورنت خدماته مع ما تحتاج اليه المنطقة» والكلام لرئيس الاتحاد الدكتور محمد سامي دهيني.

دهيني ينطلق من جملة مشاريع كبيرة تحتاج اليها المنطقة، وأهمها قطاع المواصلات. فمشكلة الطرقات، بنظر دهيني «تمثّل عائقاً أمام السكن في المنطقة، أو الوافدين إليها»، إذ إنّ للإقليم عدة مداخل، طرقاتها ضيقة جداً ومتعرّجة وهي بحاجة إلى توسيع وصيانة. «نتصل بالوزارات المعنية لتبديد هذه الصعوبات، فنتلقى الوعود ثم الوعود».

الخطة الرئيسية أمام الاتحاد لتفعيل دوره هي «مأسسة الإدارة فيه» والبحث عن فريق وظيفي متجانس. الخطوة الأولى كانت بوضع نظام داخلي تمت الموافقة عليه أخيراً. هذا الإجراء ترافق مع دراسة للشأن الوظيفي وما يحق للاتحاد من وظائف تعوّض التعاقد مع مياومين «فمنذ نشوئه، ليس في الاتحاد من موقع وظيفي أصيل وثابت، وكلّ الخدمات التي تنفذ بالفاتورة. نحن بحاجة إلى كلّ الوظائف، إلى كاتب وتسعة شرطيين وأمين للصندوق وحاجب وسائق وغيرهم».
من أجل تحقيق هذا الأمر، أرسل الاتحاد إلى مجلس الخدمة المدنية بياناً بالوظائف الشاغرة، «وسوف نعلن عن حاجتنا ونقوم بالمباراة اللازمة. لكننا سنعزّز التوظيف على نحو تدريجي لأن موازنة الاتحاد لا تكفي لملء الشواغر بالموظفين وتعبئة كلّ الملاك. سنلبي حاجتنا بالوظائف الأساسية لجهة الكاتب والحاجب وأمين الصندوق».

يستفيد اتحاد بلديات الإقليم من نحو 300 مليون ليرة من الصندوق البلدي المستقل، تضاف إليها ما نسبته عشرة بالمئة من مستحقات تسع بلديات تنضوي فيه (تتبع عين بوسوار إدارياً لبلدية جباع)، لدى الصندوق المستقل، فتبلغ نحو مئتي مليون ليرة. هذه المبالغ تكاد تكفي حاجة الدراسات التي يقوم بها الاتحاد لمشاريع مشتركة توزع على مختلف بلداته؛ أو يمكن الاتحاد تمويل بعض المشاريع الصغيرة، لكن مشاريع كبيرة وأساسية مثل شبكة الصرف الصحي تفوق قدرة الاتحاد بأضعاف مضاعفة، فماذا يفعل؟
«الصرف الصحي مكلف جداً ويفوق قدرة الاتحاد على التنفيذ، يحتاج إلى إمكانات دولة. هناك العديد من القرى في الإقليم تجاوزت بنسبة سبعين أو ثمانين في المئة، مشكلة الصرف الصحي بتمديد شبكات تتصل بمحطات للتكرير، وهنا تكمن مشكلة في محطات التكرير، إذ نشأت محطات في المنطقة بتمويل دولي، عبر الاتحاد الأوروبي وغيره، هذه المحطات تعطلت، ونعمل منذ مجيئنا من أجل إعادة تفعيل دورها». فمن أجل وضع خطة صرف صحي تراعي وضع مصادر المياه التي تنبع من المنطقة وتغذي معظم الجنوب، ومنها نبع الطاسة، جرى التعاون مع جمعية «سياب» الفرنسية التي كشف وفد منها على منطقة الإقليم ومنطقة جنوبي جزين، بسبب الارتباط العضوي بين المنطقتين، وتم توقيع بروتوكول تعاون، للمرحلة الأولى التي تتضمن إعداد دراسات تفصيلية للصرف الصحي. «لزّمت الدراسة، لكن تبقى عملية التمويل. الدراسة ستكون دقيقة جداً، ستراعي الاتجاهات المختلفة للإقليم، وإذا لم تتم عملية التمويل الكلية للمشروع، فيمكن عندها تنفيذ محاور منه أو أجزاء من الخطة المفترضة» يقول دهيني.
كانت بلديات الاتحاد تحلّ جزءاً من مشكلة النفايات عبر معمل أنشئ سابقاً في الإقليم، وتحديداً في بلدة جباع عاصمة الإقليم، بتمويل من المؤسسات الدولية، «لكن هذا المعمل لا يكفي لجميع نفايات المنطقة، وهو معطل منذ أكثر من سنة ويحتاج إلى إعادة صيانة، فضلاً عن أنه يقوم على أرض صخرية». والواضح أن مشكلة النفايات تحلّها كلّ بلدة على حدة من خلال تأمين مطمر خاص بها «بانتظار حل جذري».

يضع الاتحاد خطة مشاريع سنوية تراعي مختلف القطاعات، وفي مقدمها قطاعا السياحة والزراعة. «فالإقليم هو من أهمّ المناطق السياحية، هذه المنطقة مغيّبة إعلامياً، نحاول قدر الإمكان إبراز أهميتها. نركز على القطاع السياحي، الذي يعدّ مورداً مهماً، ونحاول تشجيع المؤسسات المعنية: المقاهي، المتنزهات، الفنادق، لتفعيلها أكثر مما هي عليه. وقد ساهم إقامة المتحف الحربي في تلة مليتا بتطوير المنطقة اقتصادياً، إذ زار هذا المتحف خلال ثلاثة أشهر من انطلاقه، في أيار من العام الماضي، 650 ألف زائر، فقط خلال موسم الصيف، وهذا العدد عندما يأتي إلى المنطقة من الطبيعي أن ينعش المنطقة اقتصادياً».

يتردد أن ثمة صبغة على الاتحاد تجعله الأقرب إلى «حزب الله»، ما تجعل السياحة في المنطقة تتلاءم مع رؤية حزب الله للسياحة، ما مدى تأثير هذا الأمر على السياحة؟
يقول دهيني: «مفهوم السياحة عموماً هو مفهوم موحد، عند كل الناس، عند حزب الله وغيره، ورؤية البعض غير سليمة في أن السياحة محكومة لضوابط حزب الله، إنها محكومة لبعض الضوابط الشرعية التي يؤمن بها كثيرون من أبناء المنطقة. ليست السياحة كما يراها البعض مرتبطة ببعض الملاهي وتقديم المشروبات الروحية، مفهوم السياحة قد يختلف عند كثيرين من الناس، فتكون سياحة عائلية مثلاً، وكلّ يرتاد الأماكن التي تتلاءم مع توجهاته». ويؤكد دهيني حاجة الاتحاد إلى «جهد إعلامي مضاعف لإعادة إبراز دور المنطقة وأهميتها، وهي تحتاج إلى الخدمات، إذ تفتقر إلى الخدمات الأساسية للسياحة على نحو شبكة المواصلات وتعزيز البنى التحتية، والقطاعات المعنية والمساهمة في تبديل مفهوم الناس تجاه السياحة، مع الحاجة إلى التدريب على مهارات السياحة».

«منح» للمشاريع

يقع إقليم التفاح وسط أربعة أقضية هي، إلى النبطية، جزين وصيدا والزهراني. ويضم الاتحاد عشر قرى وتسع بلديات هي: جباع، عين بوسوار، جرجوع، عربصاليم، حومين الفوقا، عين قانا، صربا، رومين، كفرفيلا، حومين التحتا؛ وستتبع له في القريب بلدية عزة التي تأسست فيها بلدية جديدة.
تساهم المشاريع المرعية من دول أو جمعيات مانحة في إطلالة الاتحاد على قاطني عشر بلدات يتكون منها، مشاريع أكثر بكثير مما تقدّمه الدولة اللبنانية، بمختلف وزاراتها، لهذا الجزء الجبلي البالغ 5600 هكتار من منطقة النبطية، المسجل تحت لوائه أكثر من 45 ألف نسمة، بات أكثرهم يعيشون خارج المنطقة، بانتظار ما يحفزهم على العودة.

السابق
عجمي: عاتب على “الحرتقجية”
التالي
قبلان: المصالحة الفلسطينية خطوة مباركة في الاتجاه الصحيح